الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبر راحيل
على يمين الجادة السابلة من بيت المقدس إلى مدينة خليل الرحمن وعلى بعد تسعة كيلو مترات من الأولى وبين الدور القور المستحدثة في ضاحية مدينة بيت لحم قبر السيدة راحيل زوج سيدنا يعقوب وأم ابنه يوسف الصديق عليهما السلام وهو تحت قبة كانت مكشوفة الجوانب فسدت بالشيد والحجارة ولم يترك لها غير باب واحد يدخل إليه من مصلى صغير ونافذتين في جانبيها.
وهذه القبة وهذا المصلى يقعان على جانب مقبرة لمسلمي بيت لحم التي شطرتها الجادة إلى شطرين فظل القليل منها عن اليسار والكثير في اليمين وفي كليهما أشجار باسقة من الزيتون.
وعلى الرغم من أن في الجانب الأيسر بعض وجبانة للدفن فان الأرض التي تضمنتهم قد بيعت من رجل مثر أسمه ناتان ستروس من محسني اليهود ليبني عليها دار ضيافة لليهود الذين يقصدون إلى زيارة قبر راحيل في موسم معلوم من السنة. ذلك لأن أوقاف المسلمين في كل قطر ومصر كانت ولا تزال نهبة الناهب وطعمة الطامع.
والغريب في أمر قبر راحيل أنه كان منذ الأزمنة المتطاولة في القدم في
يد المسلمين يدلنا على ذلك ما رواه غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري المتوفي سنة 872هـ 1467م من عمارة أبيه شاهين الظاهري قبة وصهريجا ومسقاة للسبيل في ذلك الضريح وما ذكره الأب مايسترمان في دليله من إقامة محمد باشا وإلى بيت المقدس سنة 968هـ 1560م الجدران الأربعة تحت أقواس القبة المكشوفة وبنائه قبراً تحتها بدلاً من الشكل الهرمي الذي كان فيها واتخاذها مزاراً للمسلمين وقد ظل هذا القبر بأيدي المسلمين إلى القرن الماضي فحصل السير موسى منتفوري من كبار اليهود البريطانيين على أذن من الدولة العثمانية صاحبة السلطان على الأرض المقدسة إذ ذاك بتسليم مفتاح القبة لليهود على أن يبني إلى جانبها مصلى للمسلمين فبنى لهم سنة 1257 هـ 1841م وجعل المحراب في وسطه هذا ما يقوله الأب مايسترمان في دليله.
والذي سمعته من شيوخ بيت لحم أن مفتاح قبة راحيل كان إلى الأيام الأخيرة في أيدي
المسلمين وأن قبيلة التعامرة الضاربة بجوار بيت لحم هي التي كانت قيمة عليها إلى أن أغري أحد شيوخهم بالمال فسلمة لليهود للقاء دراهم معدودة وكان فيه من الزاهدين. وأن المكان المعقود بجانب القبة والذي نستطيع أن نسميه مصلي قد بني في سنة 1322هـ 1904م.
ولإزالة اللبس بين الروايتين يجوز لنا أن نستنتج أن القبة أعطيت لليهود بأذن الحكومة ولكنهم لم يتمكنوا من القيام عليها ومحافظتها في تلك الأيام بدون حام يحميهم فاستعانوا بتلك القبيلة وائتمنوا شيخها على القبة والمفتاح إلى أن اشتد ساعدهم وقويت شوكتهم فأخذوا المفتاح نهائياً واستقلوا بالقبة.
أما بناء المكان فقد نعله بانهدام الذي بناه اليهود قبلاً وإعادة المسلمين له إذا صح أن الشرط الذي اشترطته الحكومة نفذ في حينه.
فلما تمكن اليهود منه زخرفوا داخل القبة واتخذوا الشهر العبري الذي يوافق شهر أيلول - سبتمبر - من كل سنة موسماً خاصاً لزيارتها وأخذوا يفدون عليها في ذلك الشهر زرافات ووحدانا مشاة وركبانا يشمعلون حولها ويبكون ويعولون وهذه صورة القبة والمصلي:
(صورة) قبة راحيل والمصلى
والظاهر أن اليهود الذين لم يكن بأيديهم قبل قبة راحيل أي موضع ديني أثري قد جعلوا منها محجاً يحجون إليه تقليداً للنصارى الذين يملكون في بيت المقدس كنيسة قمامة بتسمية المسلمين. والقيامة بتسمية النصارى وكنيسة ولادة السيد المسيح عليه السلام في بيت لحم وللمسلمين الذين يملكون المسجد الأقصى في بيت المقدس ومسجد إبراهيم عليه السلام في خليل الرحمن.
وإلا فأن قبر راحيل لم يكن معبداً لليهود ليعنوا به هذه العناية ولا شأن له عندهم كشأن حائط المبكي - وهو الجدار الغربي من سور المسجد الأقصى المعروف عند المسلمين بالبراق - الذي أثيرت بسببه الحفائظ وأريقت الدماء في الأرض المقدسة في السنة المنصرمة.
صفة القبر
تدخل إلى القبة من تحت قنطرة متجهة إلى القبلة فتصبح القبة عن يمينك والمصلي عن
شمالك. وللقبة بابا مغلق يتجه إلى الشرق فعندما تفتحه يقابلك القبر وهو يزيد ارتفاعه على المترين وقد طلي خارجه بطبقة من الرمل والشيد وليست عليه كتابه تاريخية قديمة أو حديثة ولكن على جدران القبة بعض ألواح حجرية كتب عليها باللغة العبرية وهي حجارة تذكارية خلفها بعض الزوار الذين يرغبون في تدوين أسمائهم. وقد رأينا أمثالها في كنيسة الأرمن المجاورة لكنيسة الولادة في بيت لحم وهي باللغة الأرمنية والتركية.
وعلى جدران القبة بعض الستائر الحريرية نقش عليها مجن داود أي مثلثات يتألف منها شبه نجم وهو شارة الصهيونيين اليوم بخطوط زرق على أرض بيضاء.
ما حول القبر
الأشجار التي حول المقبرة هناك - ومنها الشجرة الظاهرة في الصورة الشمسية إلى جانب القبر - هي من شجر فلسطين المبارك أي الزيتون.
وعلى مقربة من القبر أنقاض مسقاة ماء إلى جانب صهريج تجتمع فيه مياه الشتاء. ولعل تلك المسقاة وذلك الصهريج هما اللذان ذكرهما غرس الدين الظاهري في ما تقدم من كلامه.
وبأخر المقبرة مقلع حجارة منه الناس ما يحتاجون إليه لبناء بيوتهم وقد علمت أن المتر الواحد يكسر في مثله من هذا المقلع قد بيع بجنية واحد مما يدل على وجودة نوعه ونقاء معدنه.
مدينة بيت لحم
قبر راحيل على ما ذكر في التوراة في طريق أفراثة التي هي بيت لحم وعلى قول الشريف الأدريسي الجغرافي العربي هو وسط الطريق بين بيت المقدس وبيت لحم وهو وهم لأن القبر يبعد عن الأول زهاء خمسة أميال بينا هو لا يبعد عن الثانية نحو ميل واحد.
وعلى رواية السائح الهروي في الطريق من القدس إلى مدينة الخليل. وعلى رأي غرس الدين الظاهري بأواخر كروم القدس.
أما على قول مجير الدين الحنيلي فهو بيزبيت المقدس وبيت لحم وكل هذه الأقوال
صحيحة فأن الطريق من بيت المقدس إلى مدينة الخليل (حبرون) كانت وما زالت تمر بقبة راحيل ثم تتفرع بعد ذلك إلى بيت لحم وبيت جالا ويتصل من الجادة الأصلية إلى خليل الرحمن.
أما اليوم فقد أصبح القبر محاطاً به عن أيمانه وشمائله بالدور الفخمة والقصور الشاهقة لأغنياء بيت لحم وأضحى جزءاً من المدينة. وأننا ننقل فيما يلي ما جاء في التوراة عنه ثم نردفه بأقوال جغرافيين العرب ورحالتهم وكذلك أقوال الأب مايسترمان التي نقلها عن رحالة الفرنجة.
قبر راحيل في التوراة
جاء في سفر التكوين في الإصحاح 35: 16 - 20 من طبعة جمعية التوراة البريطانية والأجنبية:
(16 ثم رحلوا (أي يعقوب عليه السلام ومن معه من بيت أيل ولما
كان مسافة من الأرض بعد حتى يأتوا إلى أفراثه ولدت راحيل وتعسرت ولادتها (17) وحدث حين تعسرت ولادتها أن القابلة قالت لها لا تخافي لأن هذا أيضاً ابن لك (18) وكان عند خروج نفسها لأنها ماتت أنها دعت أسمه أبن أوني، وأما أبوه فدعاه بنيامين (19) فماتت راحيل ودفنت في طريق أفراثه التي هي بيت لحم (20) فنصب يعقوب عموداً على قبرها وهو عمود قبر راحيل إلى اليوم).
قبر راحيل عند جغرافيي العرب
وهذه أقوال جغرافيي العرب ورحالتهم عن قبر راحيل بحسب سنتي وفاتهم: قال المقدسي المتوفي بعد سنة 375هـ 985م.
(أقليم الشام جليل ديار النبيين ومركز الصالحين ومعدن البدلاء ومطلب الفضلاء به القبلة الأولى إلى أن يقول (وقبر مريم وراحيل).
وأورد الشريف الإدريسي بعد سنة 548هـ 1153م.
وأما بيت لحم وهو الموضع الذي ولد فيه المسيح بينه وبين القدس ستة أميال وفي وسط الطريق قبر راحيل أم يوسف وأم أبن يامين ولدي يعقوب عليهم السلام. وهو قبر عليه اثنا
عشر حجراً وفوقه قبة معقودة بالصخر).
وذكر بهاء الدين أبن عساكر المتوفي سنة 600هـ 1203م بين قبور إبراهيم وأسحق ويعقوب ويوسف قبر راحيل وقال عن تلك القبور أنها جميعاً
ظاهرة بفلسطين.
وقال السائح الهروي المتوفي سنة 611هـ 1214م الطريق من القدس إلى مدينة الخليل عليه السلام. قبر راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام وعن يمين الطريق بيت لحم. وفي نسخة أخرى وهي أصح عبارة من الأولى.
(الطريق إلى مدينة إبراهيم الخليل عليه السلام، قبر راحيل أم يوسف الصديق عن يمين الطريق والله أعلم).
وقال أبن فضل الله العمري المتوفي سنة 748هـ 1347م: (قبر راحيل أم يوسف. عن يمين الطريق السالك من القدس إلى الخليل).
وقال سراج الدين أبن الوردي المتوفي نحو سنة 850هـ 1446م:
(وبينه (أي بين الموضع ولد فيه المسيح وبين بيت المقدس) ستة أميال وفي وسط الطريق قبر راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام.
وقال غرس الدين الظاهري المتوفي سنة 782هـ 1467م.
وبأواخر كرومها (أي كروم بيت المقدس) قبر السيدة راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام. وأقام والدي المرحوم شاهين الظاهري قبة وصهريجاً ومسقاة للسبيل وبيمين الطريق بيت لحم.).
وقال مجير الدين الحنبلي المتوفي سنة 927هـ 1521م:
(وبين بيت المقدس وبيت لحم قبة راحيل والده سيدنا يوسف الصديق عليه السلام وهي إلى جانب الطريق بين بيت لحم وبيت جالا في قبة موجهة لجهة الصخرة
وهي مشهورة تزار).
وقال القرماني المتوفي سنة 1019هـ 1610م: وبيت لحم قرية على فرسخين من بيت المقدس وبقرب هذه القرية قبر راحيل والدة يوسف الصديق عليه السلام.
وقال عبد الغني المتوفي سنة 1143هـ 1710م: (فمررنا على قبة راحيل وهي أم يوسف الصديق عليه السلام. فوقفنا عند ذلك القبر العظيم وقابلناه بالإجلال والتكريم وقرأنا الفاتحة
ودعونا الله بما تيسر لنا من الدعاء والله بصير بسعي من سعى).
قبر راحيل عند جغرافيي الإفرنجة
هذا ما أطلعنا عليه من أقوال العرب وقد نقل الأب مايسترمان في دليله أن المؤرخين الثلاثة أوريجانس واوسابييوس والقديس هيرونمس قالوا بوجود قبر راحيل بجوار بيت لحم. وأن الزائر البرديلي (نسبة إلى مدينة بردو بفرنسة الذي زار هذا القبر سنة 333 المسيحية أي قبل الهجرة المحمدية ب 289 عاماً يصف ذلك الأثر التذكاري المبني فوق ضريح يقع على مسافة أربعة أميال جنوبي بيت المقدس ونحو ميلين شمالي كنيسة ولادة السيد المسيح عليه السلام الكائنة في بيت لحم. وأن ثيودوسيس وجد حجراً تذكارياً فوقه سنة 530م أي قبل الهجرة باثنين وتسعين عاماً. وأن أركلف ذكر أن ذلك البناء كان في سنة 670م 48هـ على شكل هرم وأن كلا من ثيودوريك والرباني بنيامبن التطيلي والشريف الإدريسي يقول أن ذلك الهرم كان من أثني عشر حجراً يمثل أبناء يعقوب الاثنين عشر أي أسباط بني إسرائيل. وأن المؤرخين ذكروا أن الصليبيين بنوا فوقه مربعاً قائماً على أربعة أعمدة كل منها يتصل بالآخر بقنطرة
ارتفاعها 21 قدماً وعرضها 12 قدماً وجعلوا فوق ذلك قبة. وأن الحجارة التي كان يتألف منها الهرم فقدت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد أي في القرنين التاسع والعاشر للهجرة.
وزاد الأب مايسترمان على ذلك بقوله أن ذلك الضريح جدد بناؤه غير مرة قلنا ويتضح من أقوال الأب مايسترمان أن أول قبة على قبر راحيل هي التي بنيت في زمن الصليبيين في حين أن غرس الدين بن شاهين الظاهري يقول أن الذي بناها والده كما تقدمت الإشارة إليه.
ويجوز أن تكون القبة التي بناها هؤلاء في زمن استيلائهم على بيت المقدس وما إليه - وكان ذلك من سنة 492هـ 1099م إلى سنة 583هـ 1187م - قد هدمت فأعاد شاهين الظاهري بناءها.
وهنا مجال لأن ننبه إلى دقة وصف الإدريسي فقد كان أول رحالة عربي ذكر أن قبر راحيل يتألف من أثني عشر حجرا كما اعترف له بذلك الأب مايسترمان.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(لغة العرب: تتمة معربة عن معلمة التوراة لفيغورو 9:
926)
لما بلغ يعقوب إلى ديار كنعان توجه إلى ممرا ليلاقي فيها والدة إسحاق ولما غادر بيت أيل كان على مسافة محدودة من أفراثه ولما طلقت راحيل في المخاض سمعتها قابلتها فقالت لها أنها تلد أبناً. إلا أن راحيل كانت تحتضر وسمعت ابنها بن أوني (أي وجعني أو ابن أنيني) ثم صحفها يعقوب وقال: بنيمين (أي أبن اليمين) وقضت راحيل أنفاسها في مثيرها بالقرب من بيت لحم. فشاد يعقوب على قبرها بناية كانت تشاهد إلى العهد الذي كتبت هذه الآية من سفر الخلق.
أما اليوم فهو (في سنة 1922م) مقام مربع حسن عليه قبة بنين في سنة 1679 بذيل طويل ذاهب إلى الشرق بناه السر موزس منتفيوري والقبر في