الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المكاتبة والمذاكرة
ماء السمرمر
جواباً عن كتابكم الكريم المؤرخ في 8 - 6 - 1930 وفيه السؤال عن (ماء السمرمر). أقول قال صاحب (مرآة البلدان) 4: 229 و 230 ما هذا تعريب نصه: (زعم بعض المؤرخين والكتبة أن اثر ماء هذه العين هو دفع الجراد بواسطة طير السار (السمرمر). قيل أن في قرب جبل (دنا) وهو من الجبال المشهورة جبلا شامخاً بين (فارس) والعراق العجمي وهذا الجبل بوضعه الطبيعي يشبه قنطرة وقعت على عمودين ويجر من سفحه نهر كبير وتنبع عين من جبل (دنا) وتجري على الجبل (أي على القنطرة المذكورة) ومن طرفيه يتصل إلى النهر، ومتى انتشر الجراد وخيف من فساده يأتي إليها رجل ويأخذ إناء من ماءها وشرط هذا العمل: - 1 - أن ينوي رش الماء على الأرض التي ظهر فيها الجراد ويقول بلفظه أريد أن يأتي (السار) إلى هذه الأرض والناحية - 2 - وان لا يضع الإناء على الأرض) اهـ.
(أقول وهذا السبب في تعليقه بمئذنة جامع حلب كما في تاريخها. وإذا فعل ذلك يأتي على أثره طير السار وهو طير صغير يدفع الجراد). وقال صاحب مرآة البلدان وفي سنة 1066هـ زار الشاه عباس الصفوي هذه العين وعين ماء أخرى في ناحية قزوين اهـ.
أقول: يسمى مكانها (برغان) وما جاء في معجم سميث ص 212 والظاهر انه مقيم في ديار ماذي في واد من أودية جبال الأهواز المعروف بوادي المسرقان (بفتح الميم وإسكان السين وضم الراء وفتح القاف وفي الآخر نون) لعله تحريف حدث من تشابه كلمة (برغان) التي تكتب بالقاف أيضاً (بمسرقان)
إذا قلنا أن طير السار يقيم على الأغلب في جوار العين التي فيها ماؤه.
ولما ورد إلى كتابك الكريم، اتفق أن زارني الدكتور (أمير) اعلم عضو البرلمان الفارسي واحد متخرجي جامعة (باريس) الكبرى وهو عائد من درس أسباب الزلزلة التي حدثت في سلمان، ومعه دكتران من أصحابه، وفخامة حاكم زنجان، ميرزا جعفر خان نوري موفق الدولة. ولما كان قصدي أن اسند الجواب إلى المصادر الصحيحة، دار البحث معه أولا من
ناحية وجود سبب طبيعي لجلب هذا الماء طير السمرمر إليه وكشفه، فانتهى البحث أن تحقق أولا هل تحقق هذا الإثر لهذا الماء، وهل جربه الثقاب أم لا. فبعث فخامة حاكم زنجان بكتاب إلى حاكم قزوين وطلب منه تحقيق الأمر من ثقاب قزوين وهاك نص تعريب الجواب الواصل من قزوين بقلم بعض الثقاب وقد جرب بنفسه تأثير هذا الماء:
فخامة حاكم قزوين!
جواباً عن كتابم في شأن (ماء السار) أي السمرمر أقول: وان توفقت في خاصية ماء هذه العين مع ما شاهدت من الآثار، فإني أبين لكم ما جربته بنفس:
في سنة 1348هـ لما هجم الجراد على قوى قزوين الجنوبية استقر رأي جماعة من الأشراف أن يدفع بماء السار) والعين واقعة في جنوب قزوين الغربي ولأجل ذلك توجهت أنا وحاكم قزوين السابق ورئيس البلدية إلى (سكرتاب) والعين واقعة ميل منها ثم انتخبنا جماعة من شيوخ القرية الصالحين فذهبوا وملئوا إناءين من مائها وجئنا بهما بالشروط المقررة من عدم نظر حاملهما إلى الوراء وعدم وضع الإناء على الأرض، وصينا ماء أحد الإناءين على حوض دار الحكومة وبعد ثلاثة أيام ورد طير السار أسراباً.
وماء الإناء الآخر رش على مزارع قرية (قاقزان) وبعد أربعة أيام ورد الطير وافترس الجواد عن آخره.
خادم الدين صدر الإسلام
ثم نوجه نظركم الدقيق إلى أن قول باين سميث في ص 2012 في معجمه (والارميون إذا قالوا ماذي أرادوا بها في اغلب الأحيان جبال الأهواز وما
والاها) اشتباه على ارجح في نظرنا لان مملكة ماذي المشهورة في اصطلاح جغرافيي العرب كابن حوقل والمقدسي وغيرهما بالجبل أو بلاد الجبال هي العراق العجمي وليست جبال الأهواز.
ويدل عليه قول (استرابون) الجغرافي اليوناني الشهير أن ميديا أو ماذي تقسم إلى ماذي الكبيرة وعاصمتها (اكباتان) أي (همذان) وذكر حدود تلك المملكة (أي ماذي الكبيرة) بما يحصل منها اليوم إنها تحد من طرف الشمال (بجيلان) و (مازندران) ومن الشرق ببلاد (اري) طبرستان ومن الجنوب بجبال كرند ولرستان الحالية ومن المغرب ببلاد الأرمن وأما (ماذي الصغيرة) فهي على ما ذكر تنطبق حدودها على أذربيجان وكانت تسمى
(تروباتين) وقد فضل القول فيها (استرابون) في كتابه في الجغرافية وقد ذكرها (بلينوس) الحكيم الطبيعي المعروف في كتب العرب باسم (سلساس) المصحف الذي هو صاحب التأليف في علم الطبيعة والنجوم والجغرافية وغيرها وهو أيضاً ذكر أن حدها الجنوبي (فارس وخوزستان) والثانية معروفة ب (سوزيانة) في لسان قدماء الجغرافيين.
وكان تعريب كلام زكريا بن محمد بن محمود القزوبني صاحب كتاب عجائب المخلوقات وتعريب كلام حمد الله المستوفي في القزويني منقولاً في مقالتنا ثم ورد الجزء الثامن من لغة العرب ورأينا في جواب الأستاذ النفيسي غنى عنه.
زنجان: أبو عبد الله الزنجاني
نزيب ونصيبين
جاء في مجلتكم (ج 8 ص 624 لهذه السنة) عند البحث نصيبين ونزيب أن نصيبين: (. . . واقعة على الفرات واشتهرت في سنة 1893 بانتصار إبراهيم باشا على الترك). وهذا سهو ظاهر. إذ أن البليدة التي انتصر قربها جيش إبراهيم هي (نزيب) وهي قرب عينتاب (كذا. لعله يريد عين تاب) في الشمال الشرقي من حلب. وأما نصيبين فاشهر من أن تذكر من بلاد الجزيرة في الشمال الغربي من الموصل والجنوب الشرقي من ماردين بعيدة عن الفرات بعداً شاسعاً.
الدكتور داود الجلبي
(ل. ع) كان علينا أن نذكر أن العرب عرفوا ثلاث مدن باسم نصيبين كما قال ياقوت: إحداهما في الجزيرة وهي أشهرهن. والثانية نصيبين الفرات أو نصيبين الروم. والثالثة نصيبين سورية وهي التي يسميها الترك نصيب وبعضهم يجاري الإفرنج فيقول نزيب وبيدنا أطلس عثماني طبع في استنبول سنة 1323 واسمه: (ممالك عثمانية جبب اطلاسي) لصاحبه (تجار زاده إبراهيم حلمي) وقد جاء في الخريطة الخاصة بجلب (الخريطة 30) اسم (نصيب) وهذا يدل دلالة صريحة على أن الترك كانوا يقولون (نصيب) تميزاً لها من (نصيبين) وأما (نزيب) فهو اقبح الأسماء لأنه مأخوذ عن الإفرنج وهذا لا يجوز لنا وكيف يجوز أن نسمي بلادنا باسامي نأخذها عن الإفرنج أو الترك أو غيرهم من الامم؟ فنحن لا نوافق حضرة الدكتور على هذا العمل لأنه يطمس فؤاد قوميتنا اهـ.
حبة الشرق هي البلجية
وجاء في الصفحة نفسها (اعني ج 8 ص 624) وتكرر في (ج 9 ص 708) أن حبة الشرق تسمى بالعربية (العد) و (الوحص). وليس كذلك. فالعد والوحص والتقطير أو النفاطير كلها تعني حب الشباب، ويقابلها باصطلاح الإفرنج أو وهي بثور. أما حبة الشرق فهي قرحة في معظم أدوارها والفرق بين البثرة والقرحة معلوم عند أربابه (كدا) وسميت حبة الشرق (البلحية) أو (القرحة البلحية) نسبة إلى البلح بالتحريك وهو لغة تمر النخل بين الخلال والبسر، وفي بعض البلدان كمصر هو التمر بعينه. ومن المعلوم أن هذه القرحة تكثر في اغلب البقاع التي يكثر فيها النخل فتوهموا وجود ملازمة بينهما وبين التمر. ومن (القرحة البلحية) اخذ الترك تسميتهم فقالوا:(خرما جيباني) ومعناه دمل التمر.
(ل. ع) لم يذكر حضرة الدكتور سنده في أن (العد) و (الوحص) و (التفاطير) شيء واحد. وعندنا أن الذي أستزله هو أن الترك ذكروا في معاجم الطبية مقابلا لا كنة، الفرنسية هذه الألفاظ:(عد، اركنلك، حب البلوغ (يموزده ظهور أيدن سيولجه لر)(عن لغات طب، فرانسزجه دن تركجه يه - اثر جميت طبيهء عثمانية - ص 11) ثم جاءت سائر المعاجم ونقلت عن هذا المعجم ما فيه المفردات الطبية. ونحن نعلم أن الترك غي ثقة في كلامنا. وكيف يكون (العد): (اكنة). والعد على ما في اللسان: بثريكون في الوجه، عن ابن جني. وقيل: العد والعدة: البثر يخرج على وجوه الملاح. قال: قد استكمت العد، فأقبحه، أي ابيض رأسه من القيح فافضحه حتى تمسح عنه قيحه. قال: والقيح، بالباء: الكسر اهـ. فأنت ترى من هذا التفصيل أن العد ليس بالتفاطير بل حبه الشرق. وهناك لهذه التسمية وهو أن العد (بضم الاول) معناه المعدود كما
أن جلب الرحل (بضم الجيم) معناه حنو أو ما انحنى منه المحني منه (راجع المخصص 15: 75 إلى 99) وسمي عداً لان أيامه معدودة أي سنة يسميه كثيرون حب السنة والفرس سالك وهي منحوتة من (سال يك) أي سنة واحدة.
وأما سبب تسمية هذه الحبة بالوحص، فلأن الوحص لغة في الوهص والوحص والوهص والوهس والوهز واحد، وهو شدة الغمز على ما ذكره صاحب اللسان، وسبب هذه التسمية واضح لان هذه الحبة تبقى أثراً في الجلد على ما هو مشهور عنها. أما النفاطير أو التفاطير فقد صرح الشارح بقوله: (هي البثر الذي يخرج في وجه الغلام والجارية. قال
الشاعر:
نفاطير الجنون بوجه سلمى
…
قديماً لا تفاطير الشباب
والبثر عند الأقدمين من السلف لم يكن محصوراً بمعنى التنفط، بل ورد عندهم بمعنى الورم والدمل والخراج والقرح، أي أن معناه كان واسعاً. وعندنا شواهد على ذلك وإنما أهملناها لشهرتها وحرصاً على الوقت وتوفيراً للمكان في المجلة.
أما أن حبة الشرق (تكثر في اغلب البقاع التي يكثر فيها النخل) فينقضه وجودها في بلاد ليس فيها نخيل كدلهي وأصفهان وبنجاب وحلب إلى غيرها من الديار. وهناك ما هو بالعكس فان البصرة وثغور خليج فارس كثيرة النخل والحبة فيها مجهولة.
وتسمية الترك لهذه الحبة (خرما جيباني) بمعنى دمل التمر هو حديث الوضع. والدليل أن معجم الجمعية الطبية التركية الذي ذكرناه فويق هذا يقول (ص 117): (حلب جيباني ياخود حبه السنة) ولم يذكر ما ذكر حضرته. وفي المعجم الفرنسي التركي لا ندون ب. طنغر وكرقور سنابيان في المادة المذكورة: (قمعولهء حلب، حلب جيباني) ولم نجد من قال خرما جيباني ولعل ذلك في كلام بعض عوام الترك في الموصل وكركوك والسليمانية وأنحائها.
والبلحية بالحاء المهملة لا وجود لها في الكتب الطبية، فضلا عن كتب اللغة والأدب ووجودها في قانون ابن سينا من خطأ الطبع بلا أدنى شك إذ مطبوعات مصر مشهورة بكثرة السقط والوهم بخلاف ما يطبع اليوم. وابن سينا لم يعش في بلاد كان فيها التمر أو البلد حتى يرى الصلة الوهمية بين الحبة وما توهم إنها البلحية، إنما أبوه كان من بلخ ثم انتقل منها إلى بخاري. وبلخ يومئذ مشهورة بقرحة تعرف باسمها أي بلخية (بالباء الموحدة واللام والخاء المعجمة) فتسميته القرحة باسم المدينة التي كان يسمع عنها من أبيه شيئاً كثيراً هي اقرب إلى الحق من تسميتها بالبلحية ثم لو فرضنا أن ابن سينا وضع من عنده البلحية لسماها عوام مصر. ومثل ابن سينا لا يضع ألفاظاً يأخذها من السنة عوام مصر!!! على إننا نظن أن البلحية (بالحاء المهملة) خطأ بلا ريب، لان الناشر كان يفهم البلحية بالمهملة وما كان يفهم البلخية بالمعجمة. ولهذا طبعها بالصورة التي يعرفها ويسمعها. أما البلخية بالمعجمة التي هي اللفظ الصحيحة والتي لا غبار عليها كما تقف عليها في جوابنا
هذا فذكرها العرب وعلماؤهم منصوصاً عليها بالخاء المعجمة فأين النص الصريح من الاستنتاج
الوهمي. ثم هيهات أن تكون البلحية دملة الشرق، إذ وصفها لا يتفق أبداً ووصف حبة بلادنا، فهي ليست بها ونحن نستبعد أن تكون إياها وان لم نكن من أبناء اسكولابيوس ولعل البلخية هي دملة الحلاف المعروفة عند الإفرنج باسم هذا رأينا نعرضه على الأطباء فلعلهم يجلون هذه القرحة البلخية المنسوبة إلى مدينة بلخ لا إلى البلح بمعنى التمر. (ولا يجوز أن يترك المنقول إلى ما ليس بمنقول) (ابن أبي الحديد 382: 3) اهـ.
وقد ورد ذكر البلحية في قانون ابن سينا (طبعة المطبعة العامرة ج 3 ص 288) حيث قيل: (والبلحية من جنس السعفة الرديئة وربما كان سببها لسعاً مثل البعوض الخبيث). حيى (كذا. لعلها حيا) الله ابن سينا وإضرابه. فقد أيد فن الطب الحديث قولهم إذ تحقق أن سب البلحية لسع نوع من البعوض.
(ل. ع) وجود البلخية بالمعجمة لهذه الحبة لو صحت لا ينفي وجود سائر لسمائها وهل يجهل حضرة الدكتور كثرة المرادفات في لساننا؟.
وجاء تعريف البلحية في المعلمة الطبية العربية الموسومة ببحر الجواهر للهروي هكذا: (البلحية هي قروح مع بثور وخشكريشات وسيلان صديد وهي متولدة من عض بق البلح. ولذا سميت به). أن هذا الوصف ينطبق تمام الانطباق على حبة الشرق ولا يدع مجالا للشك (كذا) غير أن بحر الجواهر هذا لم يطبع إلى الآن على ما اعلم سوى في الهند (كذا. لعله يريد في سوى الهند) وفي هذه الطبعة الهندية وردت كلمتا البلحية والبلح بصورة البلخية والبلخ بخاء معجمة. ويظهر أن هذا من جهل النسلخ. فالتبس من هنا البلح أي التمر ببلخ إحدى مدن تركستان وهي ضمن مدن أفغانستان الآن.
يظهر أن هذا الالتباس قديم وقد تمكن في الكتب وفي أدمغة الأطباء القدماء الذين أتوا بعد عصر ابن سينا وأبعدهم عن حقيقة المراد بهذا المرض وجعلهم يخبطون في تعرفه خبط عشواء. ففي شرح الأسباب لنفيس بن عوض ما نصه: (البلخية سميت بها لكثرة حدوثها في بلد بلخ. وهي قروح مع بثور وخشكريشات وسيلان صديد. وهي من جنس السعفة الردية. ولذلك تأكل ما حولها بالفساد ويحدث معها الخفقان والغشي لوصول خبثها وعفونتها بطريق الشرايين إلى القلب. وربما كان سببها لسع دويبة مثل البعوض الخبيث والرتيلاء.
وعلاجها علاج السعفة الرديئة. وينفعها خاصة أن تطلى بالطين والخل دائماً حتى يجففها قشراً
قشراً وينتهي إلى العظم الصحيح). يرى أن المؤلف اخذ كلام ابن سينا القائل: (البلحية من جنس السعفة الرديئة وربما كان سببها لسعاً مثل البعوض الخبيث) فأضاف عليه (كذا) وحشاه ونسب المرض إلى أن بلخ مسوقاً بنقطة الخاء.
ومنه اخذ داود الانطاكي مع تحوير (كذا). فقد جاء في تذكرته (طبعة مصر ج 2 ص 38): (وأما البلخية وهي بثور وجدت أولا ببلخ ثم تقلت كالحب الذي وجد بالفرنجة فسمي فسببها حرارة غريبة دفعتها الغريزية عن القلب فقرحت ما حولها من غشاء الأضلاع والصدور ومن ثم يصحبها غشي وخففان وقد يتآكل منها حجاب الصدر فتقتل فمتى اسود الخارج أو احمر فلا علاج) اهـ.
إن هذين التعريفين مضطربان جداً لا يمكن أن يميز الطبيب ما أراد بهما صاحباهما أراد القرح الحلاقية (قروح السفليس) أم تسوس الأضلاع (من عصية كوخ) أم الجمرة الحميدة أم الجمرة الخبيثة.
ولا يمكنني الآن اكثر من مراجعة سائر الكتب الطبية التي تركها لنا السلف لأني في بغداد وكتبي في الموصل. ومن المحتمل إننا إذا أكثرنا المراجعة نجدهم قد كتبوها (بلخية) بالخاء المعجمة. لان الالتباس قد وقع قديماً. ولكن هذا لا يعني أن البلخية هي الصحيحة. وأني ارجح (البلحية) بالتحريك وبحاء مهملة للأسباب الآتية:
أولا - أن حبة الشرق تكون في الغالب في البلاد ذات النخيل فيظهر انهم توهموا مناسبة بين البلح (التمر) وبين هذه القرحة فسموها بالقرحة البلحية أو لأنهم علموا إنها متولدة من عض بق عرفوه باسم (بق البلح) كما جاء في تعريف بحر الجواهر أعلاه إذ قال: (. . . وهي متولدة من عض بق البلح ولذا سميت به).
(ل. ع) راجع ما كتبناه في دفع هذا الوهم إذ هناك بلاد كثيرة النخل وليس فيها هذه الحبة.
ثانيا - لو أراد صاحب بحر الجواهر بلده بلخ لما قال (بق البلخ) بل قال (بق بلخ) لان بلخ لا تدخلها الألف واللام.
(ل. ع) أن الأعاجم كثيراً ما يدخلون (آل) على الأعلام الخالية منها فليراجع هذه المجلة 8: 382 وعمران بغداد للسيد محمد صادق الحسيني (في ص 5 و 9 إلى غيرها)
ثالثا - عرف ابن سينا البلحية بأنها من جنس السعفة الرديئة. ومعلوم انهم يقصدون بالسعفة أمراض جلد الرأس والوجه. وحبة الشرق أو الأخت، كما يسميها العراقيون، تظهر في الوجه على الأغلب.
(ل. ع) السعفة في كتب الطب: قروح في أصول شعر الهدب تجعله محرقاً كأصول سعف النخل تذكرة داود) وفي اللسان: السعفة: قروح في رأس الصبي. وقيل: هي قروح تخرج بالرأس، ولم يخص به رأس صبي ولا غيره. وقال كراع: داء يخرج بالرأس ولم يعنيه. وقد سعف (على المجهول) فهو مسعوف. وقال أبو حاتم: السعفة يقال لها داء الثعلب تورث القرع. والثعالب يصيبها هذا الداء فلذلك نسب إليها) فأين السعفة من حبة الشرق؟.
رابعاً - أن ابن سناتركي عاش في تركستان وتجول فيها وفي إيران كثيراً فهو اعرف الأطباء ببلاده سيما (كذا) ما يخص الأمراض. فلو كانت هذه القرحة منسوبة لبلخ لما تأخر عن ذكر ذلك.
(ل. ع) ونحن نقول: أن حبة الشرق معروفة في العراق منذ اقدم الازمنة، واشتهر في العراق أطباء لا يحصون لكثرتهم ولم نجد من قال إنها معروفة فيه أو سماها باسم اشتهرت به. أفهذا دليل ينقض جودها في سابق الزمن؟ ولم نجد من سماها بحبة حلب سوى الإفرنج. فما يقول حضرته؟ ونحن لا نظن أن كلمة (بلحية) صحيحة ولو كانت كذلك لذكر ابن سينا منسوبة إلى البلح لوجودها في البلاد التي يكثر فيها البلح. وإنما نفضل رأي من يقول أنها بلخية لان جماعة من الأطباء ذكروا أنها منسوبة إلى بلخ المدينة المشهورة بنص صريح. ولم يصرح أحد أنها منسوبة إلى البلخ بمعنى التمر فالنص يقتل الوهم والاستنتاج
والتخريج وما كان من هذا القبيل.
خامساً - يفهم من تعريف نفيس بن عوض وداود الانطاكي لبلخيتهما انهما أرادا أما الصموغ والقروح الحلاقية (الإفرنجية) أو تسوس الأضلاع أو الجمرة الحميدة أو الجمرة الخبيثة. وهذه كلها أمراض منتشرة في جميع العالم منذ القدم لا يمكن حصرها ونسبتها لبلدة بلخ.
(ل. ع) لكن قد ينسب شيء إلى بلد دون بلد آخر لعله نجهلها فقد ذكر العرب: طواعين الشام، وطحال البحرين، وحمى خيبر، وعرق مكة، ووباء مصر، وبرسام العراق، والنار
الفارسية إلى غيرها. وهي موجودة في بلاد أخرى. اهـ.
سادساً - لم نسمع في زماننا بقرحة خاصة ببلخ ولم نقرأ في كتب الطب الحديث شيئاً من هذا القبيل. مع أن أطباء هذا العصر ذكروا أمراضاً خاصة ببعض بقع من أواسط أفريقيا (كذا) وأقصى الشرق والغرب كالفرمبوازية وقدم مادورا والبري بري وغيرها وغيرها مما لم يذكره الأقدمون.
(ل. ع) ذكر السيوطي في كتابه الكنز المدفون والفلك المشحون المطبوع في المطبعة العثمانية في مصر في سنة 1303 ص 128 في عرض كلامه على ما خص به كل بلد: (قروح بلخ) بعد أن ذكر قبيل ذلك (دمامل الجزيرة) التي هي عندنا ما نسميها بالأخوات والوحص والعد فاشتهار بلخ بقروحها نسف ما بناه الدكتور من أوله إلى آخره من غير أن يبقى منه أثراً.
سابعاً - كثرة تكرار الغلط في النسخ لا يكون دليلا على صحته. فأنك لا تكاد تجد نسخة من كتب الطب القديم إلا وفيها كلمة (قرانيطس) بالقاف و (شقاقلوس) بقافين حين أن الصحيح هو (فرانيطس) بالفاء، وشفاقلوس) بفاء بعد الشين. لأنهما كلمتان يونانيتان
و (ل. ع) وبهذا الدليل ننكر عليه عدم وجود البلخية ولا نسلم له بأنها البلحية. وهذه أن وجدت بهذا اللفظ والضبط ليست أبداً بحبة الشرق في شيء أي أن البلحية غير البلخية وغير دمامل الجزيرة.
ثامناً - تسمية الترك لحبة الشرق (خرما جيباني) يدل على انهم ترجموا (القرحة البلحية) ترجمة من القديم.
(ل. ع) بينا ضعف هذا القول قبل هذا فليراجع. اهـ.
هذا ما عن لي في هذا الباب. وأني أرجو من المطالعين أن يأيدوني (كذا) في هذا الرأي إذا استحسنوه وجدوه صحيحاً أو يرشدونا للصحيح.
الدكتور داود الجلبي
رد تهمة وقعت من غير قصد
كان الدكتور ف. كرنكو قد كتب في هذه المجلة (8: 450) كلاماً حول ترجمة القوصونيين التي كنت نشرتها في مجلة عينها جاء فيه: (إن القوصوني منسوب إلى الأمير قوصون. .
وهو أحد السلاطين الجراكسة في مصر، وكان من مألوف العادة أن المماليك يتخذون اسامي مواليهم في النسبة).
فأراد الفاضل عبد الله مخلص أن يصحح كلمة جاءت في هذا الكلام فقال: (في ج 9 ص 699 من هذه السنة) ما نصه: (أما هذه النسبة فكمأ قال الدكتور سالم (يريد الدكتور فريتس كرنكو) ترجح أن يكون إلى قوصون الرجل أحد أمراء دولة المماليك لا من سلاطينها كما زل به قلم الدكتور الجلبي. . .) فيظهر أن حضرة الكاتب كتب ما كتب ولم تكن أمامه المجلة وخانته ذا كرته فنسب إلى كلام غيري وبرأ قائله.
أما أنا فكنت نقلت القوصونيين ولم أتصد لتعريف قوصون. فليراجع كلامي.
على أني اشكر الفاضل عبد الله مخلص على تتبعاته وإتحافنا بفقرات من تاريخ ابن اياس تخص الموضوع وتزيده إيضاحاً. بارك الله فيه.
الدكتور داود الجلبي
الأب انستاس ولحن الحديث
جاء في لغة العرب (8: 631): (ونحن نرى بين الأدباء السادة من إذا تعرض لمثل هذا التأليف، عثر عثرات هائلة، فلا عجب بعد هذا، إذا زلت السيدات، وهفون هفوات. فذلك مما يستحسن فيهن، فقد قال أسماء
الفزاري (كذا):
منطق رائع وتلحن أحيا
…
ناً وخير الحديث ما كان لحناً)
فيرى الأب صاحب المجلة أن المقصود من هذا البيت اللحن الذي هو الغلط في الكلام، ولكن أساتذة الأدب نبهوا على هذا البيت، واللحن المستحسن من المرأة هو الظرف، والفطنة، والكناية، واللغز، لا اللحن الذي هو خلاف الصواب. وأول من أشار إلى هذا المعنى في تأليفه السيد المرتضى:
قال يحيى بن علي المنجم: قال: حدثني أبي قال: قلت للجاحظ: أني قرأت في فصل من كتابك المسمى بكتاب البيان والتبيين (1: 82 من طبعة المطبعة السلفية) إنما يستحسن من النساء اللحن في الكلام، واستشهد ببيتي مالك بن أسماء الفزاري:
وحديث ألذه هو مما
…
ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا
…
ناً وأحلى الحديث ما كان لحنا
قال هو كذلك فقلت: أما سمعت بخبر هند ابنة أسماء بن خارجة مع زوجها الحجاج، حين لحنت في كلامها، وهي عنده. فقال تلحنين وأنت شريفة في بيت قيس؟ قالت: أما سمعت قول أخي مالك لامرأته الأنصارية؟ قال: ما هو؟ قالت: قال:
وحديث. . . الخ
قال لها الحجاج: إنما عنى أخوك: أن المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام إلى غير الظاهر بالمعنى، لتستر معناه، وتوري عنه وتفهمه من أرادت بالتعريض كما قال الله عز وجل:(ولتعرفنهم في لحن القول) ولم يرد أخوك الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد. فوجم الجاحظ ساعة، ثم قال: لو سقط إلي هذا الخبر اولا، قلت ما تقدم. فقلت له: فأصلحه. فقال الآن، وقد سار به الكتاب في الآفاق.
وفي الحديث: (لعل أحدكم يكون ألحن بحجة من بعض) أي افطن لها وأغوص بها، إنما يسمى التعريض لحنا، لأنه ذهاب بالكلام إلى خرف جهته.
فهذا خلاصة هذا الفصل ومن أراد التوسع فعليه بكتب الأدب، فلا عتب
على الأب بعد هذا فقد سبقه إليه أمام البيان الجاحظ.
الشطرة: ر. ش
(لغة العرب) كنا قرأنا كل ذلك في كتب الأدب. ولكن المقام الذي وجدنا فيه مقام يوجب علينا اتخاذ أحد المعنيين المذكورين في كتب الأدب دون الآخر. وقد ذكر الجاحظ في البيان والتبيين (في 1: 82 من طبعة المطبعة السلفية)
كلاماً طويلاً ترسل فيه ترسلا، بين فيه أن اللحن واللثغة وبعض كتاب الصبيان تستحسن في البنات في بعض الأحوال وتستقبح في أحوال أخرى. إذن فالتمسك بمعنى دون معنى يعد من سقط المتاع وما كان في نيتنا أن ندرج هذا الاعتراض لضعفه، إلا أن وقوع مثله ونظائره في خلد بعضهم أهاب بنا إلى درجة ورده خوفاً من أن يسري هذا الوهم وأشباهه إلى قوم لا يتبصرون في ما يقرءون، ولا يميزون ما يطالعون.
كوت العمارة وليس كوت الإمارة
ليعقوب أفندي نعوم سركيس جلد في تتبع الاخبار، وتمحيص الحوادث، ومن حسنات يراعته انه إذا تناول مبحثاً من المباحث، يوفيه حقه من التهذيب والتحقيق بصورة لا يترك
معها مجالا لمدقق، ولا قولا لباحث، وهذا ما يشكر عليه.
ومن مباحثه الحديثة الشائقة: (العمارة وكوت العمارة)، وقد أصاب كبد الحقيقة بقوله:(كوت العمارة وليس كوت الإمارة). ولما كنت أحد الكتاب الذين تتبعوا هذا البحث، ودونوا عنه نتفاً من وصف ومشاهدات كبار الرحالين والمؤرخين، في القرن الماضي. رأيت أن اذكر ما فات حضرة الكاتب المدق:
جاء في كتاب بين النهرن وآشور لمؤلفه فرازر ص 29 - 30 الطبعة الثانية، في مدينة ادنبرج عام 1842 ما تعريبه:
(بعد أن يجري دجلة بين خرائب طيسفون وسلوقية يندفق في ارض غريلية عميقة ويصب في مستنقع أيضاً. ولا تختلف ضفتاه عن ضفتي الفرات. وهناك على طول النهر تلال ورواب تمثل مساكن الأقدمين، ويتخللها مضارب العرب،
وأكواخهم، وعدة قرى كبيرة، وأعظمها كوت العمارة وقد أطلق اسمها (أب البلدة) على ذلك النهر حتى القرنة حيث يقترن النهران العظيمان ويتألف منهما شط العرب).
بغداد: رزوق عيسى
في الأمالي اللغوية
3 -
قال السيوطي في 2: 199 من المزهر: (أردت أن أجدد إملاء اللغة واحييه بعد دثوره فأمليت مجلساً واحداً (في سنة 872 كما ظهر لنا) فلم أجد له حملة ولا من يرغب فيه فتركته وآخر من علمته أملي على طريقة اللغويين أبو القاسم الزجاجي له أمال كثيرة في مجلد ضخم وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ولم اقف على آمال لا حد بعده) قلنا: أملي بعد الزجاجي الشريف المرتضى وفي آخر أماليه: (هذا آخر مجلس أملاه الشريف المرتضى علم الهدى ذو المجدين أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي رضي الله عنه ثم تشاغل بأمور الحج) وقال ابن خلكان في 1: 365) من وفياته عنه. (وله الكتاب الذي سماه الدرر والغرر وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كبير وتوسع في الاطلاع على العلوم) ثم قال: (وكانت ولادته في سنة سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وتوفي يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين وأربعمائة ببغداد ودفن في داره عشية
ذلك النهار) قلنا: ثم نقل قبره إلى كربلاء.
4 -
وورد في (5: 95) من لغة العرب قول الرصافي: (وأما آخره كالسالم) والصواب: (فكالسالم) لان جواب (أما) يربط بالفاء كائناً ما كان وورد في ص 347 قوله: (الفعل المضارع هو ما دل على حدث مقترن بزمان الحال أو الاستقبال) والصواب أن يقول: (مقترن بزمن الماضي مثل: لم يذهب ولما يذهب أو الحال مثل: ما يذهب وأنني لأذهب. أو الاستقبال نحو: سأذهب ولن يذهب أو كلا الأخيرين نحو: اذهب) فهذا هو الصحيح. وفي ج 1 ص 217 من المزهر: والمضارع كذلك وهو مشترك بين الحال والاستقبال) ولم يذكر مشاركة الماضي فيه ولكن تعريفه مقارب.
مصطفى جواد