المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌يا للمصيبة ! أطلق عبد المحسن بك السعدون رصاصة على قلبه في - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٨

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 76

- ‌سنتنا الثامنة

- ‌يا للمصيبة

- ‌الآمال الهاوية

- ‌الدواخل والكواسع في العربية

- ‌اليأمور

- ‌رسالة في النابتة

- ‌مندلي

- ‌لواء الكوت

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 77

- ‌خزائن بسمى القديمة

- ‌أعلام قصيدة أخت الوليد بن طريف

- ‌العربية مفتاح اللغات

- ‌القفص والغرشمارية والكاولية

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌الحروف العربية الراسية

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌تاريخ اليهود

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهرة في العراق وما جاوره

- ‌العدد 78

- ‌رسالتان تاريخيتان

- ‌من هو القرصوني

- ‌لواء العمارة

- ‌اليحمور واليامور

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌العربية مفتاح اللغات

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌نظم شمس الدين عبد الله محمد بن جابر الأندلسي

- ‌عني بنشرها صديقنا المذكور

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 79

- ‌الفتوة والفتيان قديما

- ‌لواء البصرة

- ‌محمود العنتابي الأمشاطي

- ‌القريض في فن التمثيل

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌الدولة القاجارية وانقراضها

- ‌دار شيعان

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 80

- ‌إلى عكبرى وقنطرة حربي

- ‌القصر الذي بالقلقة

- ‌صفحة من تاريخ أسر بغداد

- ‌مجلة المجمع العلمي العربي وأوهامها

- ‌الأسر المنقرضة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 81

- ‌الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية

- ‌لواء كركوك

- ‌مصطلحات حقوقية

- ‌قبر راحيل

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌محلة المأمونية وباب الأزج والمختارة

- ‌أسرة الحاج الميرزا تقي السبزواري

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌111 - كتاب التيجان في ملوك حمير

- ‌عن وهب بن منبه رواية أبن هشام

- ‌طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيين في

- ‌حيدر آباد الدكن

- ‌سنة 1347 في ص496 ص بقطع الثمن الصغير

- ‌تاريخ وقائع الشهرية في العراق وما جاوره

- ‌العدد 82

- ‌أحمد باشا تيمور

- ‌نظرة في المجلة الألمانية ومجاوراتها الساميات

- ‌تحققات تاريخية

- ‌القمامة أو كنيسة القيامة

- ‌البرثنون في كتب العرب

- ‌العمارة والكوت

- ‌بيت عراقي قديم

- ‌ألفاظ يافثية عربية الأصل

- ‌في مجلة المجمع العلمي العربي

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاورها

- ‌العدد 83

- ‌دار المسناة

- ‌رسالة لأبي عثمان

- ‌تحققات تاريخية

- ‌الفلحس

- ‌صفحة من مؤرخي العراق

- ‌القرب في اللغة

- ‌لواء أربل

- ‌اللغة العامية العراقية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌الحكومة العراقية والمخطوطات

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 84

- ‌نقد لسان العرب

- ‌العمارة والكوت

- ‌ترجمات التوراة

- ‌بيت الشاوي

- ‌في مجلة المجمع العلمي العربي

- ‌رسالة إلى أبي عبد الله

- ‌القيالة عند العرب

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 85

- ‌إلى شبيبة العراق

- ‌المائن أو الممخرق

- ‌آلتون كوبري في التاريخ

- ‌لواء السليمانية

- ‌أرض السليمانية في التاريخ القديم

- ‌تذنيب في تخطئة معلمة الإسلام

- ‌نظرة في المقاومات العراقية

- ‌نقد لسان العرب

- ‌الأسناية ومعناها

- ‌قبر العازر

- ‌كوت العمارة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاروه

الفصل: ‌ ‌يا للمصيبة ! أطلق عبد المحسن بك السعدون رصاصة على قلبه في

‌يا للمصيبة

!

أطلق عبد المحسن بك السعدون رصاصة على قلبه في نحو الساعة العاشرة إلا ربعاً من مساء ال 13 من تشرين الأول المنصرم فتردد صداها في الديار الضادية اللسان ولا يزال يتردد إلى هذه الساعة، بل سيتردد إلى آخر الدهر للأسباب التي حملته على هذا الانتحار الذي لم يسبق له مثيل.

ونحن ندرج هنا ما كتبه صديقنا الفاضل سليم حسون في (العالم العربي) ثم نشفعه بما كتبه الشيخ علي الشرقي في جريدة (البلاد) وقد جاد علينا صاحبها بإعارته إيانا صورة الراحل العظيم مع مثال ابنه المتغرب في انكلترة لتلقي العلوم وابنه الآخر واصف بك الدارس في بغداد ورسم فهد باشا السعدون والد فقيدنا العظيم، فنشكر صاحب (البلاد) على هداياه ومكارم أخلاقه.

قبل الانتحار وبعده

1 -

قبل الفاجعة بيوم واحد

أخبرنا بعض زملاء المغفور له عبد المحسن بك السعدون انه كان بعد عصر نهار الثلاثاء (12 - 11 - 29) في بناية حزب التقدم يتكلم على عادته، في حديث خاص مع جماعة من الرفقاء وهم خالد بك سليمان، وعز الدين النقيب، وعبد الرحمن المطير، وزامل المناع.

ثم دار الحديث حول الجلسة النيابية التي كانت قد عقدت قبل يوم، واشتدت فيها المعارضة العنيفة على المنهاج الوزاري، فبدأ التأثر يلوح على وجه المرحوم، ويمحو من ثغره الابتسامة اللطيفة المعتادة وإذا به رحمه الله يقول في ضيق وهدوء:(انتم يا حزب الأكثرية، لم تعاونوني في الجلسة النيابية الأخيرة!).

فقالوا له: (لقد تذاكرنا في الحزب، وقررنا موافقين على جواب خطاب العرش. . . وكانت هيئة الحزب العامة معكم. . . فقررت التصويت على قبول

ص: 2

جواب الخطاب. . . وهكذا تم، ولم ير أفراد الحزب من الموافق أن يدافعوا عنكم فأنكم كنتم أقوياء وقد ظهرت النتيجة في التصويت. . .)

فقيد الوطن

(صورة) المغفور له فخامة الوزير الأعظم عبد المحسن بك السعدون

قال رحمه الله (نعم ولكني كنت أحب أن يتكلم بعضكم ويرد على المعارضة لأن الناس - كما تعلمون - عقولهم في عيونهم!. . .)

ثم تبدل الحديث وشرع رحمه الله يبحث في شأن جنينة بناية الحزب ووجوب تزيينها بالزهور، وأرسل في طلب زهور مزروعة في الأواني من بيت سركيس فجيء بما طلب. ثم ذهب إلى النادي العراقي كعادته.

2 -

في نهار الأربعاء، قبل ساعة الانتحار

في عصر الأربعاء - يوم الانتحار - كان رحمه الله في بناية الحزب وجرى له مع رفاقه حديث خاص، أشبه بالحديث الذي ذكرناه أعلاه وكان التأثر أيضاً باديا على ملامحه، ثم ذهب وإياهم إلى النادي العراقي مشياً.

ولعب (لعبة الرامي) مدة قليلة من الزمن، وفي أثناء اللعب تقدم إليه خالد سليمان، وقال له:(أنا رائح إلى البيت، أتحب أن نروح سوية؟) أجابه المرحوم: (كلا أنا أريد أن أبقى هنا، بضع دقائق أيضاً).

وقاربت الساعة أن تدق الثامنة (زوالية) مساء. . . فضحك المرحوم ملاحظا خالدا وقال: (كان خالد معي في المدرسة ولكنه كان له شوارب كبيرة).

فقال خالد ضاحكا: (أي نعم كانت شواربي كشوارب (قوجاغلي) الذي كان يلف شواربه حول أذنيه)!

وضحك الجميع في أنس وطرب، وذهب خالد بك إلى البيت في محلة البتاوين، على طريق بيت السعدون في الكرادة الشرقية.

3 -

آخر طعام وكلام مع العائلة

بعد أن قام خالد بك سليمان ببضع دقائق، ترك عبد المحسن بك أيضاً النادي وعاد إلى داره، وتعشى مع حضرة قرينته وابنته الكبرى الآنسة عائدة (وعمرها 15 سنة) وابنه واصف (وعمره 11 سنة) وابنته الصغيرة نجلاء (وعمرها 9 سنوات).

ص: 4

(صورة) واصف بك السعدون النجل الأصغر للفقيد

وكان حديثه مع قرينته وأولاده في ذلك العشاء الأخير، على جانب عظيم من اللطف لم يسبق مثيل!. . . من ذلك أنه قال لزوجته:(ما بالك لا تقيمين مأدبة شاي لقرينة المعتمد السامي؟)

قالت: (أنا منحرفة المزاج منذ 12 يوما، وطباخنا قد ترك وظيفته، ولا أحب اشتراء الحلويات من السوق، إنما أوثر أن تصنع في البيت عادة. . . ولهذا السبب أرجوك أن تعذرني الآن. . .)

فابتسم وقال على سبيل المداعبة والملاطفة (أنك لا تقبلين فكري!).

قالت (وكيف لا أقبل فكرك؟ أنا دائما أقبل فكرك!).

قال: (أي نعم أنا أقر بهذا، وبأنك تعملين دائما بحسب فكري!. .)

وكذلك داعب أولاده ولاطفهم بمزيد الشفقة كأنه يودعهم وهم لا يدركون!.

ص: 5

4 -

آخر كتاب كتبه لابنه وللأمة جمعاء

ثم دخل إلى مكتبه الكائن إزاء غرفة الطعام ودخلت العائلة والأولاد إلى إحدى غرف الحرم.

وظل رحمه الله في مكتبه مدة من الزمن كتب في أثنائها كتاب وصيته إلى نجله علي بك الدارس في معهد (برمنكهام) في إنكلترا، والله وحده يعلم العواطف العجيبة الفائقة الوصف التي بها تخيل ابنه أمام عينيه في ساعة الانتحار، فكلمه بقلبه. فضلا عما قاله له بقلمه المرتجف في تلك الدقيقة الرهيبة التي كانت آخر مسافة بين حياته الفانية وحياته الأبدية الخالدة.

5 -

الكتاب الخالد الذي أصبح ميثاق الأمة العراقية

هذه هي ترجمة كتاب الوصية الذي كتبه فقيد الوطن لنجله علي بك:

(صورة) علي بك السعدون ممثل الأمة العراقية في كتاب الوصية

ص: 6

عيني ومدار استنادي بني علي:

اعف عني من أجل الجناية التي ارتكبتها، لأني سئمت هذه الحياة وضجرت منها، لم أر

من حياتي لذة ولا ذوقاً ولا شرفاً، الأمة تنتظر الخدمة، الإنكليز لا يوافقون، ليس لي ظهير، العراقيون الذين يطالبون الاستقلال ضعفاء وعاجزون وبعيدون كثيراً عن الاستقلال، هم عاجزون عن تقدير نصائح أمثالي من أصحاب الشرف، يظنونني خائناً للوطن وعبداً للإنكليز، ما أعظم هذه المصيبة! أنا الفدائي لوطني الأكثر إخلاصاً قد صبرت على أنواع الإهانات وتحملت أنواع المذلات، وما ذلك إلا من أجل هذه البقعة المباركة التي عاش فيها آبائي وأجدادي مرفهين.

يا بني أن نصيحتي الأخيرة لك هي:

(1)

أن ترحم أخوتك الصغار الذين سيبقون يتامى، (وتحترم والدتك) وتخلص لوطنك.

(2)

أن تخلص للملك فيصل وذريته إخلاصاً مطلقاً.

أعف عني يا بني علي!

عبد المحسن السعدون

وكان رحمه الله قد أرسل إلى نجله علي بك في النهار عينه بكتابين آخرين مسجلين ولكن أحدهما كان من الآنسة عائدة ابنته الكبرى.

6 -

الانتحار

بعد كتابة الكتاب خرج رحمه الله من مكتبه وأخذ يصعد إلى الطابق الأعلى، فرأته حضرة قرينته يمشي ويصعد منزعجاً انزعاجاً غريباً، وقالت بعد الفاجعة ما ملخصه:

(ما رأيته قط يمشي مثل تلك المشية، فساورني الرعب فتبعته إلى غرفة النوم فرأيته (يحشو) المسدس! فركضت مسرعة إليه وقلت له: أواه! ماذا تعمل؟ ولأي سبب تعمل هذا؟ فقال لي: دعيني! قلت: لا والله لا يمكن أن أدعك! فان كنت تريد أن تعمل شيئاً فاقتلني، اقتلني أولاً يا سيدي!. . . قال: دعيني وإلا قتلتك!. . . فصحت به مذعورة باكية: اقتلني! وقبضت على يده فحاول التملص مني، وتوجه إلى باب الشرفة (البالكون) فأوشك أن يصل الشرفة وأنا ماسكة يده اليسرى، وفي اعتقادي أني مانعته بهذه المسكة. ولكن - ويا للأسف - كان المسدس في جيبه الأيمن وهو قابض عليه بيمناه وأنا غائبة عن رشدي، وما أفقت إلا وصوت الطلقة النارية يدوي في الشرفة وكانت رجله الواحدة في الغرفة والأخرى في

الشرفة، فوقع على الحضيض!)

ص: 7

وعلى صوت الطلق الناري أسرع الشرطي أمين الذي في دار الفقيد العظيم، فرفعه ووضعه في فراشه في الغرفة، وتراكض الأولاد فتواقعوا هم ووالدتهم عليه يقبلون يديه ورجليه ويبكون.

7 -

بعد الانتحار

أسرعت الابنة الكبيرة الآنسة عائدة إلى التلفون فطلبت الدكتور خياط، وكذلك أسرع الآخرون فأرسلوا يطلبون عبد العزيز بك القصاب وخالد بك سليمان وغيرهما، وحيث أن دار عبد العزيز بك القصاب قريبة جداً من دار الفقيد وصل عبد العزيز بك عاجلاً إلى المحل فجثا عند سرير الفقيد الجليل، وعبد العزيز بك يتخيل أن المغفور له يتنفس بعد وأن عينيه تتحركان. . . فكان يعانق الجثة ببكاء مر، وذعر فائق يريد أن يصد الموت!. . . والظاهر أن عبد العزيز بك كانت عينه تخدعه - على ما ذكر الأطباء - لأن الطلقة أماتت الفقيد العظيم حالاً إذ أصابت مركز القلب.

وحضر الدكتور خياط مدير الصحة العام على جناح السرعة فعاين القتيل وتأكد أنه مائت.

8 -

حضور الأصدقاء والوزراء والأطباء

قدم خالد بك سليمان فرأى عبد العزيز بك والدكتور خياط في دار الفقيد فصاح عبد العزيز قائلاً: (لقد أضعنا عبد المحسن!. . .).

وتقدم خالد إلى السرير، فرأى العائلة تبكي بلا شعور فبكى وبكى الجميع ولطموا وناحوا! وهتفت الآنسة عائدة تقول لخالد:(هات قلبك يا سيدي حتى نضعه في صدر بابا لعله يفيق!. . .).

وكان الولد الصغير واصف وأخته الطفلة نجلاء (يمسدان) رجل والدهما ويحاولان بهذا أن يعيدا إليه الحركة!.

وأما السيدة قرينته فكانت واقعة على رجليه تقبلهما وتبكي حتى فقدت الشعور.

ووصل حينئذ ناجي باشا السويدي وشقيقه توفيق بك وياسين باشا الهاشمي فاشتركوا في النحيب والتوديع. . .

وقر الرأي على إخراج العائلة والأولاد من الغرفة وإبقائهم في غرفة أخرى

ص: 8

وإسعافهم خوفاً من أن يذوبوا تماماً من شدة الألم.

ثم حضر الطبيبان البريطانيان الدكتور دنلوب (مدير المستشفى الملكي) والدكتور وود من (مدير العمليات في المستشفى المذكور)، فعاينا الجثة، وتفقدا المسدس (وهو من طراز براونيك) وتفرسا في فوهة الجرح، وأخذا يسألان أسئلة شتى فقال لهما عبد العزيز بك أن لا يتوهما فإن الفقيد قد انتحر، وقد كتب كتاباً قبل الانتحار.

على أن عبد العزيز بك كان قد نزل - قبل وصول الأطباء - إلى مكتب الفقيد فرأى محفظته المتضمنة الأوراق الرسمية مفتوحة، وفوق الأوراق كتاب الوصية وقد تركه المرحوم على هذه الصورة ليجلب نظر الدقة إليه.

فقرأه عبد العزيز بك وقدمه إلى الحاضرين فرأوه وقرءوه باكين خاشعين!.

وقدم كذلك رستم بك حيدر (رئيس الديوان الملكي والسكرتير الخاص لجلالة الملك) والعين أصف بك قاسم آغا والنائب محمود صبحي بك الدفتري والنائب خير الدين أفندي العمري، والحاج سليم بك مدير الشرطة العام وجميل بك المدفعي متصرف لواء بغداد: وأحمد بك الراوي مدير شرطة لواء بغداد، وحسين بك أفنان مدير التشريفات. . .

ووصلنا نحن أيضاً، إلى محل الفاجعة ورأينا الجميع يبكون بتوجع شديد فاشتركنا معهم ولا نذكر أننا رأينا في حياتنا مثل هذا الهول أو مثل تلك المناحة (القلبية).

9 -

شهادة الوزراء وغيرهم

أما الوزراء فحالما رأوا الكتاب وقرءوه قرروا أن يسجلوا شهاداتهم فيه.

فكتب توفيق بك السويدي في آخر الكتاب ما يلي: (هذا الكتاب قد وجد موضوعاً في أوراق البيك الخاصة، وقد تلي أمامنا، وأخذت صورة منه من قبل الشرطة، وهذا هو أصل الكتاب 13 - 14 تشرين الثاني 1929).

وذيل هذه الشهادة بإمضائه، أما الهاشمي باشا فكتب تحت الشهادة ما يلي:(وهذا الذي تضمن أكبر برهان عن عظمة التضحية التي قام بها رجل العراق وفقيده).

وذيل الهاشمي باشا هذه الشهادة بإمضائه، وكذلك أمضى كل من ناجي باشا

ص: 9

السويدي، وعبد العزيز بك القصاب، وخالد بك سليمان وجميل بك المدفعي، والحاج سليم بك، وأحمد بك

الراوي. . . ليحي ذكر عبد المحسن السعدون وتضحيته الوطنية العجيبة في قلب كل عراقي! انتهى كلام سليم حسون.

عبد المحسن بك السعدون

قربان الاستقلال وضحية الحرية

ولد في ناصرية المنتفق في حوالي سنة 1297 هجرية (1880م) وعاش 51 عاماً، والده فهد باشا الذي توفي في سنة 1313 هجرية وعبد المحسن بك يوم ذاك في فروق (الآستانة) يدرس مع أخيه عبد الكريم بك. وله من الأخوة

ص: 10

ما عدا عبد الكريم بك، عبد الرزاق بك وهو الولد البكر لفهد باشا وعمره اليوم 65 سنة، ومحمد بك وعمره 56 سنة، وعبد العزيز بك وعمره 50، وحامد بك وعمره 45، وعبد اللطيف بك وعمره 42، وعبد الهادي بك وعمره 40، وعبد الرحمن بك وعمره 36، وحمدي بك وعمره 34، وعبد المجيد بك وعمره 33 سنة والأم التي أنجبت عبد المحسن بك من علية بيوت آل السعدون ومن الأميرات السعدونيات، وهي كريمة فيصل التركي آل رشيد. . . ترعرع في حضن الشرف والإمارة وبقي في بلاد المنتفق حتى بلغ من العمر 13 سنة.

وكانت قد تأسست في فروق مدرسة أبناء الزعماء والأشراف فرغب السلطان عبد الحميد إلى فهد باشا في أن يرسل نخبة أبنائه إلى فروق لينتسبوا إلى تلك المدرسة وبالطبع كان المقصد من هذه الرغبة سياسياً فاختار فهد باشا من بين أولاده عبد المحسن بك ولكن عبد المحسن أستوحش أن يفارق حي الأمراء ونوادي الشيوخ نازحاً مغترباً إلى فروق فتطوع أخوه عبد الكريم بك إلى مرافقته وحينئذ اطمأنت نفسه ورضي بأخيه سلوى عن الأهل والوطن وتوجها معاً إلى الآستانة ولما خرجا من تلك المدرسة دخلا المدرسة الحربية العالية فخرجا منها ضابطين في الجيش واختارهما السلطان عبد الحميد مرافقين له في بلاطه (المابين) وبقيا كذلك إلى إعلان الدستور وترقيا في أثناء ذلك في الجندية إلى رتبة (بيك باشي) ولكنهما استقالا من (كذا) الجندية بعد سقوط عبد الحميد وانخرطا في سلك الاتحاديين.

ورجع عبد الكريم إلى الوطن وبقي عبد المحسن بك في فروق وكان قد أقترن بعقيلة نبيلة

تركية من عائلة ضاربة في الشرف وطيب المحتد أنجبت له شبلين علي بك وعمره 19 سنة وهو الآن في جامعة برمنكهام في إنكلترا. وواصف بك وهو صبي له 9 سنوات (كذا) من العمر.

وانتخب نائباً عن لواء المنتفق في مجلس المبعوثين التركي وهكذا بقي ممثلاً للعراق ومحافظاً على النيابة في الدورات الانتخابية ووقعت كارثة الحرب العظمى وهو في فروق وبعد الهدنة أقفل آتياً إلى بلاده وما عتم أن كر راجعاً إلى فروق لتسوية شؤونه لأنه أعتزم على أن يقطن في العراق ويلازم تربة وطنه المقدس حياً وميتاً وفي 1922 عاد إلى العراق وتجول بين البصرة وبلاد المنتفق وكوت

ص: 11

الإمارة قليلاً فعين وزيراً للعدلية في الوزارة النقيبية الثانية ثم وزيراً للداخلية في الوزارة النقيبية الثالثة ثم تولى رياسة الوزارة فنظم وزارته الأولى ثم صار رئيساً للمجلس التأسيسي ثم وزيراً للداخلية في وزارة الهاشمي ثم نظم وزارته الثانية وأسس حزب التقدم الذي لم يزل - إلى آخر ساعة - رئيسه وحامل مبادئه ثم استقال عن (كذا) رياسة الوزارة وانتخب رئيساً لمجلس النواب في دورتين ثم نظم وزارته الثالثة فحل المجلس النيابي وباشر بإجراء انتخاب نواب أنشط وأكثر دربة من نواب المجلس المنحل وذلك تمهيداً لما يريد أن ينهض به من المطالبة بحقوق البلاد.

ولما يئس من الحصول على مطاليب البلاد (رفس الكرسي) واستقال من الوزارة كاحتجاج على التصلب الذي كان يلاقيه في حصول تلك الآمال وكم بذلت جهود وقطعت وعود في سبيل حمله على عدم الاستقالة فلم تطب نفسه لأنه لم يجد فيها بصيصاً لسراج الأمل وهكذا مضت الاستقالة فانتخب رئيساً لمجلس النواب ومن هذا التاريخ بدأت مظاهر التأثر والقنوط تبدو عليه ولكنه كان يغطيها برزانته وابتسامته العذبة وكم حاول أن يغادر العراق وينجو بذلك القلب المثخن بالجراح إلى الآستانة ولكن المقامات العالية حركت نخوته وإخلاصه واستنبضت عرقه الكريم وناشدته بالعروبة والوفاء لها فتحول عن سفر الآستانة إلى نزهة صيفية قصيرة يقضيها في ربوع لبنان وتوجه إلى لبنان وكانت حالة البلاد السياسية متضعضعة تتطلب سياسياً حازماً حنكته التجارب والأبصار شاخصة إلى عبد المحسن والثقة تحوم حوله مرفرفة وهو تحت شجرة الأرز اللبنانية في هذه الظروف

وتفتحت بعض الشقوق من السياسة المصمتة فأرسلت بصيصاً من شعاع الأمل وذلك أثر تقلد وزارة العمال الشؤون البريطانية فاجتذب عبد المحسن بك من لبنان اجتذاباً وعلى أثر حضوره العاصمة كلف تنظيم وزارته الرابعة.

فاشترط في قبولها إعطاء الوعد الصريح من المراجع العالية للحليفة بإلغاء المعاهدات والاتفاقيات وإعطاء العراق كرسياً في مجلس عصبة الأمم بدون قيد أو شرط والدخول في مفاوضات لعقد معاهدة جديدة على أساس الاستقلال التام وأن يسعف في بنود المعاهدة إسعافا يمكن للعراق من الوقوف على قدميه في

ص: 12

عام 1932 فلاقى تنشيطاً ومساعدة جدية من السر كلايتن صديق العرب العاطف على قضيتهم مساعدة أنبضت البرق بين بغداد ولندن ورنت أسلاكه بتقارير كلايتن الطافحة بأحقية المطالب العراقية حتى تساهلت تلك المراجع التي كانت متصلبة وطيرت النبأ الطيب الذي نغصه القدر المفاجئ بوفاة السر كلايتن في أهم وقت وأدق ظروف الحاجة إليه فتسلم السعدوني ذلك الربح السياسي ومسك عليه بكلتا يديه ونظم وزارته الرابعة وبين يديه مصباح الأمل والرجاء يشع بزيت التجربة والحذق السياسي وقد راعى في تأليف وزارته هذه قضية البلاد أكثر من الاعتبارات الحزبية فنهض في حفلة مراسم تنظيم الوزارة ويده مملوءة بالربح السياسي. . .

1 -

الحداد في العاصمة (عن العالم العربي بتصرف قليل)

أمر صاحب حضرة الجلالة بتعطيل جميع الدواوين فعطلت من الساعة 11 من صباح الدفنة إلى المساء. وما عتمت الأسواق أن أقفلت حوانيتها ورفع كثيرون من أصحاب المحلات أعلاماً سوداً وكذلك فعل أصحاب المحلات التجارية الكبرى.

2 -

التشييع والدفن

اشتركت العاصمة كلها بتشييع جثمان الفقيد على اختلاف أجناس أهاليها وطبقاتهم وقد انتشروا من دار الفقيد الكبير إلى مرقد الكيلاني.

وفي الساعة الثانية ونصف بعد ظهر ال 14 من شهر ت2 (1929) انتظمت المواكب مراعية المنهاج الذي نهجته الحكومة، فمثل جلالة الملك المعظم سمو الأمير غازي ولي عهد العراق، ومثل حكومة الدولة البريطانية فخامة نائب المعتمد السامي فساروا وراء

الجنازة بثيابهما الرسمية وتلاهما كبار الدولة طبقات طبقات.

وكانت الجنازة الكريمة ملفوفة بالعلم العراقي وموضوعة على مركبة مدفع وكان السير بها هادئاً جداً على نغم الموسيقى الحربية الشجي وعلى جانبي طريق الموكب صفوف الجنود من مشاة وخيالة تتبعهما الشرطة.

وفي الساعة الرابعة ونصف وصل الموكب إلى المرقد الكيلاني فاخذ الجنازة المحامون وحملوها على أكتافهم وأدخلوها الحضرة الكيلانية فصلى عليها أصحاب السماحة النقيب والمفتي والعلماء، ثم تقدم الخطباء وأبنوا الفقيد أحسن تأبين وفي الآخر دفن الجثمان في مقبرة الحضرة الكيلانية بين دوي المدافع وبكاء الكبار وعويل الصغار ومستنزلين الرحمات الواسعة على تربته الطيبة.

ص: 13