الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واشتغالهم بالعبادات، فإن اشتغالهم بالبحث عن أسرار العلم، كبحث سائمة الدواب عن أسرار الملك.
…
كتاب ذم الغضب والحقد والحسد
اعلم: أن الغضب شعلة من النار، وأن الإنسان ينزع فيه عند الغضب عرق إلى الشيطان اللعين، حيث قال:{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] فإن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي والاشتعال، والحركة والاضطراب. ومن نتائج الغضب: الحقد والحسد، ومما يدل على ذم الغضب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي قال له: أوصني، قال:"لا تغضب"، فردد عليه مراراً، قال:"لا تغضب".
وفى حديث آخر أن ابن عمر رضى الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ماذا يبعدني من غضب الله عز وجل؟ قال:"لا تغضب".
وفى المتفق عليه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
وعن عكرمة في قوله تعالى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] قال: السيد الذي يملك نفسه عند الغضب ولا يغلبه غضبه.
وروينا أن ذا القرنين لقي ملكاً من الملائكة فقال: علمني علماً ازداد به إيماناً ويقيناً، قال: لا تغضب، فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فرد الغضب بالكظم، وسكنه بالتؤدة، وإياك والعجلة، فإنك إذا عجلت أخطأت حظك، وكن سهلاً ليناً للقريب والبعيد، ولا تكن جباراً عنيداً.
وروينا أن إبليس لعنه الله بدا لموسى عليه السلام، فقال يا موسى: إياك والحدة، فإني ألعب بالرجل الحديد كما يلعب الصبيان بالكرة، وإياك والنساء، فإني لم انصب فخاً في نفسي قط أثبت في نفسي من فخ أنصبه بامرأة، وإياك والشح، فإني أفسد على الشحيح الدنيا والآخرة.
وكان يقال: اتقوا الغضب، فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل، والغضب عدو العقل.
وحقيقة الغضب: غليان دم القلب لطلب الانتقام، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلى به دم القلب، وينتشر بى العروق، ويرتفع إلى أعالي البدن، كما يرتفع الماء الذي يغلى في القدر، ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة وكل ذلك يحكى لون ما وراءه من حمرة الدم، كما تحكى الزجاجة لون ما فيها، وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه.
فإن كان الغضب صدر ممن فوقه، وكان معه يأس من الانتقام، تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب، فصار حزناً، ولذلك يصفر اللون، وإن كان الغضب من نظير يشك فيه، تردد الدم بين انقباض وانبساط، فيحمر ويصفر ويضطرب، فالانتقام هو قوت لقوة الغضب.
والناس في قوة الغضب على درجات ثلاث: إفراط، وتفريط، واعتدال.
فلا يحمد الإفراط فيها، لأنه يخرج العقل والدين عن سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار.
والتفريط في هذه القوة أيضاً مذموم، لأنه يبقى لا حمية له ولا غيرة، ومن فقد الغضب بالكلية، عجز عن رياضة نفسه، إذ الرياضة إنما تتم بتسلط الغضب على الشهوة، فيغضب على نفسه عند الميل إلى الشهوات الخسيسة، ففقد الغضب مذموم، فينبغي أن يطلب الوسط بين الطريقين.
واعلم: أنه متى قويت نار الغضب والتهبت، أعمت صاحبها، وأصمته عن كل موعظة، لأن الغضب يرتفع إلى الدماغ، فيغطى على معادن الفكر، وربما تعدى إلى معادن الحس، فتظلم عينه حتى لا يرى بعينه، وتسود الدنيا في وجهه، ويكون دماغه على مثال كهف أضرمت فيه نار، فاسود جوه، وحمى مستقره، وامتلأ بالدخان، وكان فيه سراج ضعيف فانطفأ، فلا يثبت فيه قدم، ولا تسمع فيه كلمة، ولا ترى فيه صورة، ولا يقدر على إطفاء النار، فكذلك يفعل بالقلب والدماغ، وربما زاد الغضب فقتل صاحبه.
ومن آثار الغضب في الظاهر، تغير اللون، وشدة الرعدة في الأطراف، وخروج