الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم من يؤذن ويظن أن ذلك لله، ولو أذن غيره في غيبته، أشتد عليه ذلك وقال: قد زاحمني في مرتبتي.
ومنهم من يجاور بمكة أو المدينة وقلبه متعلق ببلاده، وقول الناس: فلان مجاور بمكة أو المدينة، ثم إنه يجاور ويطمع في أوساخ الناس، وقد يجمع ذلك ويشح به ويجتمع له جملة من المهلكات. وما من عمل إلا وفيه آفات، فمن لم يعرفها وقع فيها، ومن أراد أن يعرفها، فلينظر في كتابنا هذا، فينظر في آفات الرياء الحاصل في العبادات من الصوم والصلاة وفى جميع القربات في الأبواب المرتبة في هذا الكتاب، وإنما الغرض الآن الإشارة إلى مجامع ما سبق.
وفرقة أخرى زهدت في المال، وقنعت بالدون من اللباس والطعام، وقنعت من المسكن بالمساجد، فظنت أنها أدركت رتبة الزهاد، وهم مع هذا شديدو الرغبة في الرياسة والجاه، فقد تركوا أهون الأمرين وباؤوا بأعظم المهلكين.
وفرق أخرى حرصت على النوافل، ولم تعتن بالفرائض، فترى أحدهم يفرح بصلاة الضحى وصلاة الليل، ولا يجد للفريضة لذة. ولا يحرص على المبادرة إليها في أول الوقت، وينسى قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل:"ما تقرب المتقربون إلا بمثل أداء ما افترضت عليهم"(1).
الصنف الثالث: المتصوفة
.
والمغرورون منهم فرق:
فرقة منهم اغتروا بالزي والنطق والهيئة، فتشبهوا بالصادقين من الصوفية بالظاهر، ولم يتعبوا أنفسهم في المجاهدة والرياضة، ثم هم يتكالبون على الحرام والشبهات
(1) جزء من حديث طويل أخرجه البخاري 11/ 292، 296 من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى قال: من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشىء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" والمراد بالولي: العالم المواظب على طاعة الله ورسوله، المخلص في عبادته، وقد اتفق العلماء ممن يعتد بقوله أن هذا مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته. وقال أبو سليمان الخطابي: هذه أمثال، والمعنى توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء، وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه، ويحفظه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه، ومن النظر إلى ما نهى الله عنه ببصره، ومن البطش فيما لا يحل له بيده، ومن السعي إلى الباطل برجله.
وأموال السلاطين ويمزق بعضهم أعراض بعض إذا اختلفوا في غرض، وهؤلاء غرورهم ظاهر.
ومثالهم مثال عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال من المقاتلين تثبت أسماؤهم في الديوان، ويقطع كل واحد منهم قطراً من أقطار الأرض، فاشتاقت نفسها إلى ذلك، فلبست درعاً ووضعت على رأسها مغفراً، وتعلمت من رجز الأبطال أبياتاً، وتعلمت زيهم وجمع شمائلهم، ثم توجهت إلى العسكر، فكتب اسمها في ديوان الشجعان، فلما حضرت في ديوان العرض، أمرت بتجريد المغفر والدرع لينظر ما تحته وتمتحن بالمبارزة، فلما جردت إذا هي عجوز ضعيفة زمنة، فقيل لها: جئت تستهزئين بالملك وأهل حضرته، خذوها وألقوها بين أيدي الفيل، فألقيت إليه.
فهكذا يكون حال المدعين التصوف في القيامة إذا كشف عنهم الغطاء، وعرضوا على الحاكم الأكبر الذي ينظر إلى القلب لا إلى المرقعات والزي.
وفرقة أخرى ادعت علم المعرفة، ومشاهدة الحق، ومجاورة المقامات والأحوال، والوصول إلى القرب، ولا يعرفون من تلك الأمور إلا الأسماء، فترى أحدهم يرددها ويظن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين، فهو ينظر إلى الفقهاء والمحدثين وأصناف العلماء بعين الازدراء، فضلاً عن العوام، حتى إن بعض العامة يلازمهم الأيام الكثيرة، ويتلقف منهم تلك الكلمات المزيفة، ويرددها كأنه يتكلم عن الوحى، ويحتقر في ذلك جميع العلماء والعباد، ويقول: إنهم محجوبون عن الله، وإنه هو الواصل إلى الحق، وإنه من المقربين، وهو عند الله من الفجار المنافقين، وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين، لم يحكم علماً ولم يهذب خلقاً، ولم يراقب قلباً سوى اتباع الهوى وحفظ الهذيان.
وفرقة منهم طووا بساط الشرع، ورفضوا الأحكام، وسووا بين الحلال والحرام، وبعضهم يقول: إن الله مستغن عن عملي فلم أتعب نفسي؟
وبعضهم يقول: لا قدر للأعمال بالجوارح، وإنما النظر إلى القلوب، وقلوبنا والهة بحب الله تعالى، وواصلة إلى معرفته، وإنما نخوض في الدنيا بأبداننا، وقلوبنا عاكفة في الحضرة الربانية، فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب، ويزعمون انهم قد تراقوا عن رتبة العوام، واستغنوا عن تهذيب النفس بالأعمال البدنية، وأن الشهوات