الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث الصحيح: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله".
وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل على رجل وهو يموت فقال: "كيف تجدك؟ " قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي. فقال: "ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو، وأمنه من الذي يخاف".
والرجاء عند الموت أفضل، لأن الخوف سوط يساق به، وعند الموت يقف البصر، فينبغي أن يتلطف به، ولأن الشيطان يأتي حينئذ يسخط العبد على الله فيما يجرى عليه، ويخوفه فيما بين يديه، فحسن الظن أقوى سلاح يدفع به العدو.
وقال سليمان التيمى لابنه عند الموت: يا بني! حدثني بالرخص، لعلي ألقى الله تعالى وأنا أحسن الظن به.
23 ـ باب ذكر وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين رضى الله عنهم
اعلم: أن في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة في كل أحواله، ومعلوم أنه ليس في المخلوقين أحد أحب إلى الله تعالى منه، ولم يؤخره الله تعالى حين انقضى أجله.
وقد لقي صلى الله عليه وآله وسلم من الموت شدة، فروى البخاري في "صحيحه" من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركوة أو علبة فيه ماء، فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول:"لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات".
وفى "صحيح البخاري" من حديث أنس رضي الله عنه قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، جعل يتغشاه الكرب، فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرب أبتاه! فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم".
وروى ابن مسعود قال: اجتمعنا في بيت أمنا عائشة رضي الله عنها، فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدمعت عيناه، فنعى إلينا نفسه وقال: مرحباً، حياكم الله بالسلام، حفظكم الله، ورعاكم الله، جمعكم الله، نصركم الله، وفقكم
الله، نفعكم الله، رفعكم الله، سلمكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم ". قلنا: يا رسول الله: متى أجلك؟ قال: " قد دنا الأجل، والمنقلب إلي الله، والى سدرة المنتهى وجنة المأوى، والفردوس الأعلى ". قلنا: يا رسول الله، ففيم نكفنك؟ قال:" في ثيابي هذه إن شئتم، أو يمنية، أو بياض " فقلنا: يا رسول الله! من يصلي عليك؟ وبكينا، فقال:" مهلاً، رحمكم الله، وجزاكم عن نبيكم خيراً، إذا غسلتموني وكفنتموني، فضعوني على سريري هذا على شفير قبرى، ثم اخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي عليّ خليلي وحبيبي جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم ملك الموت، ثم ملائكة كثيرة، ثم ادخلوا عليّ فوجاً فوجاً، فصلوا عليّ وسلموا تسليماً، ولا تؤذوني بتذكية، ولا برنة، ولا بصيحة، وليبدأ بالصلاة عليّ رجال أصحابي، وعلى من تابعني على ديني إلى يوم القيامة، ألا واني أشهدكم أنى قد سلمت على كل من دخل في الإسلام"(1).
ولقد دخل عليه جبريل قبل موته بثلاثة أيام فقال: يا محمد؟ إن الله أرسلني إليك يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ فقال: "أجدنى يا جبريل مغموماً، وأجدنى مكروباً" ثم أتاه في اليوم الثاني، فأعاد الكلام، وأعاد عليه الجواب، ثم جاءه في اليوم الثالث وأعاد عليه الكلام، فأعاد عليه الجواب، فإذا ملك الموت يستأذن، فقال جبريل: يا أحمد! هذا ملك الموت يستأذن عليك، ولم يستأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال:"ائذن له"، فدخل، فوقف بين يديه وقال: إن الله أرسلني إليك: وأمرني أن أطيعك، فإن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"وتفعل يا ملك الموت؟ " قال: كذلك أمرت أن أطيعك. فقال جبريل: يا أحمد! إن الله قد اشتاق إليك. فقال: "فامض لما أمرت به يا ملك الموت"، فقال جبريل عليه السلام: السلام عليك يا رسول الله، هذا آخر موطني في الأرض إنما كنت حاجتي من الدنيا (2).
فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستنداً إلى صدر عائشة رضى الله عنها في
(1) حديث ضعيف جداً رواه ابن سعد في "الطبقات" والطبراني في "الدعاء" والواحدي في "التفسير" بسند واه جداً. انظر "شرح الإحياء" 10/ 290، 291.
(2)
أخرجه الطبرانى من حديث الحسين بن على وفى سنده عبد الله بن ميمون القداح، قال أبو حاتم: متروك، وقال البخاري: ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج بما انفرد به.