الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيعان (1) لا تمسك ماء ولاتنبت كلأ، فذلك مثل من َفقُه فى دين الله ونفعه الله بما بعثنى به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به" أخرجاه فى "الصحيحين".
فانظر رحمك الله إلى هذا الحديث ما أوقعه على الخلق، فإن الفقهاء أولي الفهم، كمثل البقاع التي قبلت الماء فأنبتت الكلأ، لأنهم علموا وفهموا، وفرعوا وعلَّموا. وغاية الناقلين من المحدثين الذين لم يرزقوا الفقه والفهم، أنهم كمثل الأجادب التي حفظت الماء فانتفع بما عندهم، وأما الذين سمعوا ولم يتعلموا ولم يحفظوا، فهم العوام الجهلة.
وقال الحسن رحمه الله: لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم.
وقال معاذ بن جبل رضى الله تعالى عنه: تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاده، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس فى الوحدة، والصاحب فى الخلوة.
وقال كعب رحمه الله: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: أن تعلم يا موسى الخير وعلمه للناس، فإني منور لمعلم الخير ومتعلمه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم.
1 ـ فصل [طلبُ العلمِ فريضةُُ]
قد روى عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه أحمد فى "العلل"(2).
قال المصنف رحمه الله تعالى: اختلف الناس فى ذلك.
فقال الفقهاء: هو علم الفقه، إذ به يعرف الحلال والحرام.
وقال المفسرون والمحدثون: هو علم الكتاب والسنة، إذ بهما يتوصل إلى العلوم كلها.
(1) جمع قاع وهى الأرض المستوية.
(2)
وابن ماجه في "سننه" رقم (224) وهو حديث حسن بطرقه كما قال الحافظ المزي.
وقالت الصوفية: هو علم الإخلاص وآفات النفوس.
وقال المتكلمون: هو علم الكلام. إلى غير ذلك من الأقوال التي ليس فيها قول مرضى، والصحيح أنه علم معاملة العبد لربه.
والمعاملة التي كلفها على ثلاثة أقسام:
اعتقاد، وفعل، وترك.
فإذا بلغ الصبى، فأول واجب عليه تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناها وإن لم يحصل ذلك بالنظر والدليل، لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم اكتفى من أجلاف العرب بالتصديق من غير تعلم دليل، فذلك فرض الوقت، ثم يجب عليه النظر والاستدلال.
فإذا جاء وقت الصلاة وجب عليه تعلم الطهارة والصلاة، فإذا عاش إلى رمضان وجب عليه تعلم الصوم، فإن كان له مال وحال عليه الحول وجب عليه تعلم الزكاة، وإن جاء وقت الحج وهو مستطيع وجب عليه تعلم المناسك.
وأما التروك: فهو بحسب ما يتجدد من الأحوال، إذ لا يجب على الأعمى تعلم ما يحرم النظر إليه، ولا على الأبكم تعلم ما يحرم من الكلام، فإن كان فى بلد يتعاطى فيه شرب الخمر ولبس الحرير، وجب عليه أن يعرف تحريم ذلك.
وأما الاعتقادات: فيجب علمها بحسب الخواطر، فإن خطر له شك فى المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة، وجب عليه تعلم ما يصل به إلى إزالة الشك. وإن كان فى بلد قد كثرت فيه البدع، وجب عليه أن يتلقن الحق، كما لو كان تاجراً فى بلد شاع فيه الربا، وجب عليه أن يتعلم الحذر منه.
وينبغى أن يتعلم الإيمان بالبعث والجنة والنار.
فبان بما ذكرنا أن المراد بطلب العلم الذى هو فرض عين: ما يتعين وجوبه على الشخص.
فأما فرض الكفاية: فهو علم لا يُستغنى عنه فى قِوَام أمور الدنيا، كالطب إذ هو ضروري فى حاجة بقاء الأبدان على الصحة، والحساب، فإنه ضروري فى قسمة المواريث والوصايا وغيرها.
فهذه العلوم لو خلا البلد عمن يقوم بها حَرِجَ أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الباقين.
ولا يُتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفاية، فإن أصول الصناعات أيضاً من فروض الكفاية، كالفلاحة والحياكة، بل الحجامة فإنه لو خلا البلد عن حَجَّام لأسرع الهلاك إليهم، فإن الذى أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله.
وأما التعَّمق فى دقائق الحساب، ودقائق الطب وغير ذلك، فهذا يعد فضله، لأنه يستغنى عنه (1).
وقد يكون بعض العلوم مباحاً، كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها، وتواريخ الأخبار.
وقد يكون بعضها مذموماً، كعلم السحر، والطلسمات، والتلبيسات.
فأما العلوم الشرعية فكلها محمودة، وتنقسم إلى أصول، وفروع، ومقدمات ومتممات.
فالأصول: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع الأمة، وآثار الصحابة.
والفروع: ما فهم من هذه الأصول من معان تنبهت لها العقول حتى فهم من اللفظ الملفوظ وغيره، كما فهم من قوله:"لا يقضى القاضي وهو غضبان" أنه لا يقضى جائعاً.
والمقدمات: هي التي تجرى مجرى الآلات، كعلم النحو واللغة، فإنهما آلة لعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
والمتممات: كعلم القراءات، ومخارج الحروف، وكالعلم بأسماء رجال الحديث وعدالتهم وأحوالهم، فهذه دهى العلوم الشرعية، وكلها محمودة.
(1) بل هو من الفروض الكفائية التي يجب على المسلمين أن يتقنوها، ولا تقوى شوكة المسلمين، ولا تقوم لهم قائمة إلا بالإسلام والعلم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.