الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى حديث آخر من أفراد البخارى: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
وفى حديث آخر من أفراد مسلم أن رجلاً قال: يارسول الله، إن لى قرابة أصلهم ويقطعونى، وأحسن إليهم ويسيئون إلى، وأحلم عنهم ويجهلون على، قال؛ "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولايزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك". والمعنى أنك منصور عليهم، وقد انقطع احتجاجهم عليه بحق القرابة، كما ينقطع كلام من سف المل، وهو الرماد الحار. والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة في صلة الرحم، وفي حقوق الوالدين، وفي تأكد حق الأم.
وأما حقوق الولد، فاعلم أنه لما كانت الطباع تميل إلى الولد لم يحتج إلي تأكيد الوصية به، إلا إنه قد يغلب هوى الوالد للولد، فيترك تعليمه وتأديبه. وقد قال الله تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].
قال المفسرون: معناه: علموهم وأدبوهم.
وينبغى للوالد أن يحسن اسم ابنه، ويعق عنه (1)، فإذا بلغ سبع سنين أمره بالصلاة وختنه، فإذا بلغ زوجه.
وأما حقوق المملوك، فأن يطعمه، ويكسوه، ولا يكلفه ما لا يطيق، ولا ينظر إليه بعين الازدراء، وأن يعفو عن زلله، وليتذكر الله عند زلل نفسه، فيعفو رجاء أن يعفو الله تعالى عنه.
…
باب العزلة
اختلف الناس في العزلة والمخالطة، أيتهما أفضل؟ مع أن كل واحدة منهما لا تنفك عن فوائد وغوائل، وأكثر الزهاد اختاروا العزلة.
وممن ذهب إلي اختيار العزلة: سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وداود
(1) عق عن ولده: إذا ذبح عنه يوم سابعه عقيقه. وأصل العقيقة: الشعر الذي يكون على رأس الصبى حين يولد. أي: شاتين للذكر وشاة للأنثى. انظر كتاب "تحفة المودود بأحكام المولود" لابن قيم الجوزية بتحقيق الاستاذ عبد القادر الأرناؤوط طبع مكتبة دار البيان بدمشق.
الطائي، والفضيل، وبشر الحافي، في آخرين.
وممن ذهب إلى استحباب المخالطة سعيد بن المسيب، وشريح، والشعبي، وابن المبارك في آخرين.
ولكل طائفة فيما ذهبت إليه حجج، ونحن نشير إلى ذلك.
أما حجة الأولين، فقد روى في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال:"رجل يجاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره".
وفي حديث عقبة بن عامر رضى الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟
قال: "املك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك".
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: خذوا بحظكم من العزلة.
وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لوددت أن بيني وبين الناس باباً من حديد، لايكلمنى أحد ولا أكلمه حتى ألقى الله سبحانه.
وقال ابن مسعود رضى الله عنه: كونوا ينابيع العلم، مصابيح الليل، أحلاس البيوت (1) جدد القلوب (2) خُلقان (3) الثياب، تعرفون في أهل السماء، وتخفون على أهل الأرض.
وقال أبو الدرداء رضى الله عنه: نعم صومعة المرء المسلم بيته، يكف لسانه وفرجه وبصره، وإياكم ومجالس الأسواق، فإنها تلهى وتلغى.
وقال داود الطائى: فر من الناس كما تفر من الأسد.
وقال أبو مهلهل: أخذ بيدي سفيان الثوري وأخرجني إلى الجبانة، فاعتزلنا ناحية، فبكى ثم قال: يا أبا مهلهل، إن استعطت أن لا تخالط في زمانك أحداً فافعل، وليكن همك مرمة (4) جهازك.
(1) الأحلاس: جمع حلس، يقال: فلان حلس بيته: إذا كان يقيم فيه ولا يبرحه.
(2)
جدد القلوب: كناية عن عدم الفترة في العبادة.
(3)
خلقان: جمع خلق، يقول: ثوب خلق: إذا كان بالياً.
(4)
المرم: إصلاح ما فسد، ولم ما تفرق.