الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة وأسرارها وما يتعلق بها
الزكاة: أحد مباني الإسلام، وقد قرنها الله سبحانه وتعالى بالصلاة، فقال تعالى:{وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة} [البقرة: 43].
أما أنواع الزكاة، وأقسامها، وأسباب وجوبها، فظاهر مشهور في مظانه من كتب الفقه، وإنما نذكر هاهنا بعض الشروط والآداب.
فمن الشروط أن يخرج المنصوص عليه، ولا يخرج القيمة في الصحيح، فإن من أجاز إخراج القيمة إنما تلمح سد الخلة فقط، وسد الخلة ليس هو كل المقصود بل بعضه، فإن واجبات الشرع ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تعبد محض، كرمي الجمار، فمقصود الشرع فيه الابتلاء، بالعمل ليظهر عبودية العبد بفعل ما لا يعقل له معنى، لأن ما يعقل معناه يساعد عليه الطبع ويدعو إليه، فلا يظهر خلوص العبودية به، بخلاف ما ذكرنا.
والقسم الثاني: عكس ذلك، وهو ما لا يقصد منه التعبد، بل المقصود منه حضُّ محض، كقضاء دين الآدميين، ورد المغصوب ونحو ذلك، وكذلك لا تعتبر فيه النية ولا الفعل، بل كيفما وصل الحق إلى مستحقه حصل المقصود وسقط خطاب الشرع، فهذان قسمان لا تركيب فيهما.
وأما القسم الثالث: فهو المركب، وهو أن يقصد منه الأمران جميعاً: امتحان المكلف، وحظ العباد، فيجتمع فيه تعبد رمى الجمار، وحظ رد الحقوق، فلا ينبغي أن ينسى أدق المعنيين وهو التعبد، ولعل الأدق هو الأهم، والزكاة من هذا القبيل، فحظ الفقير مقصود في سد الخلة، وحق التعبد مقصود الشرع في اتباع التفاصيل، وبهذا الاعتبار صارت الزكاة قرينة للصلاة والحج، والله أعلم.
1 ـ فصل في دقائق الآداب الباطنة في الزكاة
اعلم: أن على مريد الآخرة في زكاته وظائف:
الأولى: أن يفهم المراد من الزكاة، وهو ثلاثة أشياء: ابتلاء مدعى محبة الله تعالى بإخراج محبوبه، والتنزه عن صفة البخل المهل، وشكر نعمة المال.
الوظيفة الثانية: الإسرار بإخراجهالكونه أبعد من الرياء والسمعة، وفى الإظهار إذلال للفقير أيضاً، فان خاف أن يتهم بعدم الإخراج أعطى من لا يبالى من الفقراء بالأخذ بين الجماعة علانية، وأعطى غيره سراً.
الوظيفة الثالثة: أن لا يفسدها المن والأذى، وذلك أن الإنسان إذا رأى نفسه محسناً إلى الفقير، منعماً بالإعطاء، ربما حصل منه ذلك، ولو حقق النظر لرأى الفقير محسناً إليه بقبول حق الله الذي هو طهرة له.
وإذا استحضر مع ذلك أن إخراجه للزكاة شكر لنعمة المال، فلا يبقى بينه وبين الفقير معاملة. ولا ينبغي أن يحتقر الفقير لفقره، لأن الفضل ليس بالمال ولا النقص بعدمه.
الوظيفة الرابعة: أن يستصغر العطية، فإن المستعظم للفعل معجب به. وقد قيل: لا يتم المعروف إلا بثلاث: بتصغيره، وتعجيله، وستره.
الوظيفة الخامسة: أن ينتقى من ماله أحله وأجوده وأحبه إليه، أما الحل، فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً. وأما الأجود. فقد قال الله تعالى:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267].
وينبغى أن يلاحظ في ذلك أمرين: أحدهما: حق الله سبحانه وتعالى بالتعظيم له، فانه أحق من اختير له، ولو أن الإنسان قدم إلى ضيفه طعاماً رديئاً لأوغر صدره.
والثاني: حق نفسه، فإن الذي يقدمه هو الذي يلقاه غداً في القيامة، فينبغي أن يختار الأجود لنفسه.
وأما أحبه إليه، فلقوله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].
وكان ابن عمر رضى الله عنهما إذا اشتد حبه لشيء من ماله قربه لله عز وجل وروى: أنه نزل الجحفة وهو شاك، فقال: إني لأشتهى حيتاناً، فالتمسوا له فلم يجدوا حوتا، فأخذته امرأته فصنعته ثم قربته إليه، فأتى بمسكين، فقال ابن عمر رضى الله عنه: خذه، فقال له أهله سبحان الله، قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه، فقال: إن عبد الله يحبه.
وروى أن سائلا وقف بباب الربيع بن خثيم رحمة الله عليه فقال: أطعموه سكراً، فقالوا: نطعمه خبزاً أنفع له فقال: ويحكم أطعموه سكراً، فإن الربيع يحب السكر.
الوظيفة السادسة: أن يطلب لصدقته من تزكو به، وهم خصوص من عموم الأصناف الثمانية، ولهم صفات:
الأولى: التقوى، فليخص بصدقته المتقين، فإنه يرد بها هممهم إلى الله تعالى.
وقد كان عامر بن عبد الله بن الزبير يتخير العباد وهم سجود، فيأتيهم بالصرة فيها الدنانير والدراهم، فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه، فقيل له: ما يمنعك أن ترسل بها إليهم؟ فيقول: أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسول أو لقيني.
الثانية: العلم، فإن في إعطاء العالم إعانة على العلم ونشر الدين، وذلك تقوية للشريعة.
الثالثة: أن يكون ممن يرى الإنعام من الله وحده، ولا يلتفت إلى الأسباب إلا بقدر ما ندب إليه من شكرها، فأما الذي عادته المدح عند العطاء، فانه سيذم عند المنع.
الرابعة: أن يكون صائناً لفقرة، ساترا لحاجته، كاتما للشكوى، كما قال تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273].
وهؤلاء لا يحصلون في شبكة الطالب إلا بعد البحث عنهم، وسؤال أهل كل محلة عمن هذه صفته.
الخامسة: أن يكون ذا عائلة، أو محبوساً لمرض أو دين، فهذا من المحصرين، والتصدق عليه إطلاق لحصره.
السادسة: أن يكون من الأقارب وذوى الأرحام، فإن الصدقة عليهم صدقة وصلة، ولك من جمع من هذه الخلال خلتين أو أكثر، كان إعطاؤه أفضل على قدر ما جمع.