الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجبلة، فلا يلتفت إلى دعواه، وقد بالغت في الكشف عن هذا كله في كتابى المسمى بـ " تلبيس إبليس " فلم أر التطويل هاهنا، والله أعلم.
باب آداب المعيشة وأخلاق النبوة
اعلم: أن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، والأعمال نتائج الأخلاق، والآداب رشح المعارف، وسرائر القلوب هى مغارس الأفعال ومنابعها، وأنوار السرائر هى التى تشرق على الظواهر فتزينها وتحليها. ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه، ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية، لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية.
وقد أسلفنا جملة من الآداببما يغنى عن إعادتها هاهنا، لكن نقتصر في هذا الباب على شىء من آداب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخلاقه لنجمع مع جمع الآداب تأكيد الإيمان بمشاهدة أخلاقه الكريمة التى يشهد آحادها بأنه أكرم الخلق وأعلاهم مرتبة وأجلهم قدراً، فكيف بمجموعها؟.
سئلت عائشة رضى الله عنه الله، عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، يغضب لغضبه ويرضى لرضاه، ولما كمل الله تعالى خلقه أثنى عليه فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 5] فسبحان من أعطى ثم أثنى.
وهذه جملة من محاسن أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم، وصفته:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحلم الناس، واسخي الناس، وأعطف الناس. وكان يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويخدم في مهنة أهله.
وكان أشد حياء من العذراء في خدرها.
وكان يجيب دعوة المملوك، ويعود المرضى، ويمشى وحده، ويردف خلفه، ويقبل الهدية، ويأكلها، ويكافئ عليها، ولا يأكل الصدقة، ولا يجد من الدقل (1) ما يملأ بطنه، ولم يشبع من خبز بر ثلاثة أيام تباعاً.
وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع.
(1) الدقل: أراد التمر.
وكان يأكل ما حضر، وما عاب طعاماً قط.
وكان لا يأكل متكئاً، ويأكل مما يليه.
وكان أحب الطعام إليه اللحم، ومن الشاة الكتف، ومن البقول الدباء، ومن الصبغ الخل، ومن التمر العجوة.
وكان يلبس ما وجد، مرة برد حبرة، ومرة جبة صوف.
ويركب تارة بعيراً وتارة بغلة، وتارة حماراً، ويمشى مرة راجلاً حافياً.
وكان يحب الطيب، ويكره الريح الخبيثة.
ويكرم أهل الفضل، ويتألف أهل الشرف.
ولا يجفو على أحد، ويقبل معذرة المعتذر إليه.
يمزح ولا يقول إلا حقاً، يضحك في غير قهقهة، لا يمضى عليه وقت في غير عمل لله تعالى، أو فيما لابد منه من صلاح نفسه.
وما لعن امرأة ولا خادماً قط.
وما ضرب أحداً بيده قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله.
وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله.
وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما، إلا أن يكون مأثماً أو قطيعة رحم، فيكون أبعد الناس منه.
وقال أنس رضى الله عنه: خدمته عشر سنين، فما قال لى: أف قط، ولا قال لشىء فعلته: لم فعلته، ولا لشىء لم أفعله: لا فعلت كذا؟
ومن صفته في التوراة: محمد رسول الله، عبدى المختار، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.
وكان من خلقه أنه يبدأ بالسلام من لقيه، ومن فاره بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف. وما أخذ أحد يده فأرسل يده حتى يرسلها الآخذ.
وكان يجلس حيث ينتهى به المجلس مختلطاً بأصحابه كأنه أحدهم، فيأتى الغريب فلا يدرى أيهم هو حتى يسأل عنه.
وكان طويل السكوت، فإذا تلكم لم يسرد كلامه، بل يتثبت فيه ويكرره ليفهم. وكان يعفو مع القدرة، ولا يواجه أحداً بما يكره.
وكان أصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، ومن رآه بديهة هابة، ومن خالطه معرفة أحبه، وكان أصحابه إذا تكلموا في أمر الدنيا تحدث