الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال حذيفة رضى الله عنه: وددت أن لى إنساناً يكون في مالي، ثم أغلق علىَّ بابى، فلا يدخل على أحد حتى ألحق بالله عز وجل.
وكان مجرى الدمع في خد ابن عباس رضى الله عنه كالشراك البالي.
وقالت عائشة رضى الله عنها: ياليتنى كنت نسياً منسياً.
وقال على رضى الله عنه: والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم. لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله تعالى، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله عز وجل، مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين.
12 ـ ذكر خوف التابعين ومن بعدهم
قال هرم بن حيان: وددت والله أنى شجرة أكلتني ناقة، ثم قذفتني بعراً، ولم أكابد الحساب يوم القيامة، إنى أخاف الداهية الكبرى.
وكان على بن الحسين إذا توضأ اصفَّر وتغير، فيقال: ما لك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
وكان محمد بن واسع يبكى عامة الليل لا يكاد يفتر.
وكان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، ويبكى حتى تجرى دموعه على لحيته. وبكى ليلة فبكى أهل الدار، فلما تجلب عنهم العبرة قالت فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعال، فريق في الجنة، وفريق في السعير. ثم صرخ وغشى عليه.
ولما أراد المنصور بيت المقدس، نزل براهب كان ينزل به عمر بن عبد العزيز فقال له: أخبرني بأعجب ما رأيت من عمر. فقال: بات ليلة على سطح غرفتي هذه وهو من رخام، فإذا أنا بماء يقطر من الميزاب، فصعدت فإذا هو ساجد، وإذا دموع عينه تنحدر من الميزاب.
وقد روينا عن عمر بن العزيز وفتح الموصلي أنهما بكيا الدم.
وقال إبراهيم بن عيسى اليشكرى: دخلت على رجل بالبحرين قد اعتزال الناس، وتفرغ لنفسه، فذاكرته شيئاً من أمر الآخر، وذكر الموت. قال: فجعل يشهق حتى خرجت نفسه.
وقال مسمع: شهدت عبد الواحد بن زيد وهو يعظ، فمات يومئذ في ذلك المجلس أربعة أنفس.
وكان يزيد بن مرشد يبكى كثيراً ويقول: والله لو تواعدني ربى أن يسجنني في الحمام، لكان حقي أن لا أفتر من البكاء، فكيف وقد تواعدني أن يسجنني في النار إن عصيته؟!
وقال السري السقطي: إنى لأنظر كل يوم إلى أنفى مخافة أن يكون قد اسود وجهي.
فهذه مخاوف الملائكة والأنبياء والعلماء والأولياء، ونحن أجدر بالخوف منهم، ولكن ليس الخوف بكثرة الذنوب ولكن بصفاء القلوب وكمال المعرفة، وإنما أمنا لغلبة جهلنا وقوة قساوتنا، فالقلب الصافي تحركه أدنى مخافة، والقلب الجامد تنبو عنه كل المواعظ.
قال بعض السلف: قلت لراهب: أوصني، فقال: إن استطعت أن تكون بمنزلة رجل قد احتوشته السباع والهوام، فهو خائف حذر يخاف أن يغفل فيفترسنه، أو يسهو فينهشنه، فهو مذعور فافعل. قلت: زدني. فقال: الظمآن يجزيه من الماء أيسره. وما ذكره هذا الراهب من تقدير شخص احتوشته السباع والهوام، فهو حقيقة في حق المؤمن، فان من نظر إلى باطنه بنور بصيرته، رآه مشحوناً بالسباع والهوام، كالغضب، والحقد، والحسد، والكبر، والعجب، والرياء، وغير ذلك، وكلهن ينهشه ويفترسنه إن سها عنهن، إلا أنه محجوب عن مشاهدتها، فإذا انكشف الغطاء ووضع في القبر، عاينها متمثلة حيات وعقارب يلدغنه، وإنما هي صفاته الحاضرة الآن، فمن أراد أن يقهرها قبل الموت ويقتلها فليفعل، وإلا فليوطن نفسه على لدغها لصميم قلبه، فضلاً عن ظاهر بشرته والسلام.
أخر كتاب الخوف.
***