الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتيسر له العدول إلى غيرها، ومن حضرت له نية في المباح، ولم تحضر في فضيلة فالمباح أولى، وانتقلت الفضيلة إليه.
مثال ذلك أن تحضره نية الأكل والنوم ليتقوى بذلك على العبادة ويريح بدنه ولم تنبعث نيته في الحال إلى الصلاة والصوم، فالأكل والنوم أفضل، بل لو ملّ العبادة لكثرة مواظبته عليها، وعلم أنه لو رفه ساعة مباح عاد نشاطه، فذلك أفضل من التعبد حينئذ.
قال علي عليه السلام: روحوا القلوب، واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان.
وقال بعضهم: روحوا القلوب تعي الذكر.
وهذه دقائق لا تدركها إلا بممارسة العلماء، فإن الحاذق في الطب قد يعالج المحرور باللحم مع حرارته، ويستبعد ذلك القاصر في الطب، وإنما يبتغى به أن تعود قوته ليتحمل المعالجة، وكذلك الخبير بالقتال، قد يفر من بين يدي قرنه حيلة منه، ليستجره إلى مضيق، فسلوك طريق الله تعالى كله حرب مع الشيطان، ومعالجة للقلب، والمبصر الموفق يقف في تلك الطريق على لطائف من الحيل يستبعدها الضعفاء، فلا ينبغي لهم ما خفي عليهم، بل يسلمون لأصحاب الأحوال إلى أن ينكشف لهم أسرار ذلك، أو ينالوا ذلك المقام.
11 ـ الفصل الثاني في الإخلاص وفضيلته وحقيقته ودرجاته
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 4]، وقال:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3] وغير ذلك من الآيات.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضى الله عنه: "أخلص دينك يكفك القليل من العمل"(1).
(1) ضعيف أخرجه ابن أبى الدنيا في "الإخلاص" والحاكم في "المستدرك" من حديث معاذ، وفيه ضعف وانقطاع.
وفى حديث أنس رضى الله عنه أنه قال: "إذا كان يوم القيامة جاءت الملائكة بصحف مختمة، فيقول الله عز وجل: ألقوا هذا، واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك ما كتبنا إلا ما كان، فيقول: إن هذا كان لغيري، ولا أقبل اليوم إلا ما كان لى".
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الملائكة يرفعون عمل العبد فيكثرونه ويزكونه، فيوحي الله تعالى إليهم، أنتم حفظة على عمل عبدى، وأنا رقيب على ما في نفسه، إن عبدى لم يخلص في عمله، فاجعلوه في سجين، ويصعدون بعمل العبد يستقلونه، فيوحي الله إليهم: إنكم حفظة على عمل عبدى، وأنا رقيب على ما في نفسه فضاعفوه واجعلوه في عليين".
ويروى عن الحسن قال: كانت شجرة تعبد من دون الله، فجاء إليها رجل فقال: لأقطعن هذه الشجرة، فجاء إليها ليقطعها غضباً لله، فلقيه الشيطان في صورة إنسان فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع الشجرة التي تعبد من دون الله، قال: إذا أنت لم تعبدها، فما يضرك من عبدها؟ قال: لأقطعنها، فقال له الشيطان: هل لك بما هو خير لك من ذلك لا تقطعها ولك ديناران إذا أصبحت عند وسادتك، قال فمن لى بذلك؟ قال: أنا لك، فرجع فأصبح فوجد عند وسادته دينارين، ثم أصبح بعد فلم يجد شيئاً، فقام غضبان ليقطعها، فتمثل له الشبطان في صورته، فقال ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله، قال كذبت، مالك إلى قطعها سبيل، فذهب ليقطعها، فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد يقتله، ثم قال له أتدرى من أنا؟ فأخبره أنه الشيطان، وقال: جئت أول مرة غضباً لله، فلم يكن لى عليك سبيل، فخدعتك بالدينارين فتركتها، فلما فقدتهما جئت غضباً للدينارين فسلطت عليك.
وكان معروف الكرخى يضرب نفسه ويقول: يا نفسي أخلصي وتخلصي.
وقال أبو سليمان: طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى.
وحكى أن رجلاً كان يخرج في زي النساء، فيحضر حيث يحضرون من عرس، أو مأتم، فاتفق أنه حضر يوماً موضعاً فيه مجمع النساء، فسرقت درة، فصاحوا، أغلقوا الباب حتى نفتش، ففتشوا واحدة واحدة حتى بلغت النوبة إلى الرجل وإلى امرأة معه، فدعا الله بالإخلاص وقال: إن نجوت من هذه الفضيحة لا أعود إلى مثل هذا، فوجدت الدرة مع تلك المرأة فصاحوا: أطلقوا الحرة، فقد وجدنا الدرة.