الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى لله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغواً، وتفهم معنى ما تتلو، وأحضر التفهم بقلبك عند قولك:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، واستحضر لطفه عند قولك:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وعظمته عند قولك:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وكذلك فى جميع ما تتلو.
وقد روينا عن زرارة بن أبى أوفى رضى الله عنه أنه قرأ فى صلاته: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8] فخر ميتاً، وما ذاك إلا لأنه صور تلك الحال فأثرت عنده التلف.
واستشعر فى ركوعك التواضع، وفى سجودك الذل، لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذى خلقت منه وتفهم منه معنى الأذكار بالذوق.
واعلم: أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظمى المعبود، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون.
فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها، فانه لا يطلع على شئ من ذلك بل ينكر وجوده.
2 ـ فصل في آداب تتعلق بصلاة الجمعة ويوم الجمعة
وهى نحو من خمسة عشر:
أحدها: أن يستعد لها من يوم الخميس وفى ليلة الجمعة، بالتنظيف، وغسل الثياب، وإعداد ما يصلح لها.
الثاني: الاغتسال فى يومها، كما فى الأحاديث فى "الصحيحين" وغيرهما. والأفضل فى الاغتسال أن يكون قبيل الرواح إليها.
الثالث: التزين بتنظيف البدن، وقص الأظفار، والسواك، وغير ذلك مما تقدم من إزالة الفضلات، ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه.
الرابع: التبكير إليها ماشياً.
وينبغى للساعى إلى الجامع أن يمشى بسكون وخشوع، وينوى الاعتكاف في
المسجد إلى وقت خروجه.
الخامس: أن لا يتخطى رقاب الناس ولا يفرق بين اثنين إلا أن يرى فرجة فيتخطى إليها.
السادس: أن لا يمر بين يدي المصلى.
السابع: أن يطلب الصف الأول، إلا أن يرى منكراً أو يسمعه فيكون له فى التأخر عذراً.
الثامن: أن يقطع النفل من الصلاة والذكر عند خروج الإمام، ويشتغل بإجابة المؤذن، ثم بسماع الخطبة.
التاسع: أن يصلى السنة بعد الجمعة إن شاء ركعتين، وإن شاء أربعاً، وإن شاء ستاً.
العاشر: أن يقيم فى المسجد حتى يصلى العصر، وإن أقام إلى المغرب فهو أفضل.
الحادى عشر: أن يراقب الساعة الشريفة التي فى يوم الجمعة بإحضار القلب وملازمة الذكر.
واختلف في هذه الساعة، ففى أفراد مسلم من حديث أبى موسى رضى الله عنه: أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة. وفى حديث آخر: هي ما بين فراغ الإمام من الخطبة إلى أن تقضى الصلاة (1). وفى حديث جابر رضى الله عنه: أنها آخر ساعة بعد العصر. وفى حديث أنس رضى الله عنه قال: التمسوها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس.
وقال أبو بكر الأثرم رحمه الله: لا تخلو هذه الأحاديث من وجهين: إما أن يكون بعضها أصح من بعض، وإما أن تكون هذه الساعة تنتقل فى الأوقات كتنقل ليلة القدر فى ليالي العشر.
(1) أخرجه مسلم (852) فى الجمعة: باب فى الساعة التي فى يوم الجمعة من حديث بن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبى بردة بن أبى موسى، عن أبى موسى. وقد أعل بالانقطاع والاضطراب، أما الانقطاع، فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبية
…
وأما الإضطراب، فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبى بردة من قوله، وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفى، فهم أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد، ولذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب، وحديث جابر أنها أخر ساعة بعدى العصر أخرجه أبو داود (1048) والنسائي 3/ 93،100 وسنده جيد، وصححه الحاكم 1/ 279 ووافقه الذهبى، وصححه أيضا النووي وحسنه الحافظ ابن حجر، ويشهد له حديث أنس الذى أورده المؤلف بعده.
الثاني عشر: أن يكثر من الصلاة على النبى صلى الله عليه وآله وسلم في هذا اليوم، فقد روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"من صلى على فى يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله ذنوب ثمانين سنة"(1).
وإن أحب زاد فى الصلاة عليه الدعاء له، كقوله:"اللهم آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه المقام المحمود الذى وعدته، اللهم اجز نبينا عنا ما هو أهله".
وليضف إلى الصلاة الاستغفار، فانه مستحب فى ذلك اليوم.
الثالث عشر: أن يقرأ سورة الكهف، فقد جاء فى حديث من رواية عائشة رضى الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أحدثكم بسورة ملأ عظمها ما بين السماء والأرض، ولكاتبها من الأجر مثل ذلك، ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينها وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه بعثه الله تعالى أي الليل (2) شاء" قالوا: بلى يا رسول الله: قال "سورة الكهف"(3).
وروى فى حديث آخر: "أن من قرأها فى يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وفى الفتنة".
ويستحب أن يكثر من قراءة القرآن فى يوم الجمعة، وأن يختم فيه أو فى ليلة الجمعة إن قدر.
(1) أورده السخاوي في "القول البديع" ص 194 ونسبه للتيمي في "ترغيبه" وأبي الشيخ ابن حبان في بعض أجزائه، والديلمي في "مسنده" وسنده ضعيف ويغني عنه حديث أوس بن أوس مرفوعًا "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليَّ الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" أخرجه أبو داود (1047) وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (550) والحاكم 1/ 278، ووافقه الذهبي.
وحديث أبى بن كعب قلت: "يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعلك لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير، قلت: النصف، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير، قلت: الثلثين، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير، قلت: النصف، قال ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذاً تكفى همك. ويغفر لك ذنبك" أخرجه الترمذى (2459) وهو حديث صحيح خرجناه فى "جلاء الأفهام فى الصلاة على خير الأنام" لابن القيم طبع مكتبة دار البيان بدمشق. صفحة (45).
(2)
أي جزء من الليل.
(3)
قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" ص 311 بعد أن ذكره: وهو حديث طويل موضوع. ويغني عنه الحديث الذي بعده.