الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى الحديث: إن قراءة الرجل آخر الليل محضورة.
وجاء طاووس إلى رجل وقت السحر فقالوا: هو نائم، فقال: ما كنت أرى أن أحداً ينام وقت السحر.
فإذا فرغ المريد من صلاة السحر، فليستغفر الله عز وجل. وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يفعل ذلك.
4 ـ فصل في اختلاف الأوراد باختلاف الأحوال
اعلم: أن السالك لطريق الآخرة لا يخلو من ستة أحوال: إما أن يكون عابداً، أو عالماً، أو متعلما، أو والياً، أو محترفاً، أو مستغرقا بمحبة الله عز وجل مشغولاً به عن غيره.
الأول: العابد: وهو المنقطع عن الأشغال كلها إلى التعبد، فهذا يستعمل ما ذكرنا من الأوراد، وقد تختلف وظائفه، فقد كانت أحوال المتعبدين من السلف مختلفة، فمنهم من كان يغلب على حاله التلاوة، حتى يختم في يوم ختمة، أو ختمتين، أو ثلاثاً، وكان فيهم من يكثر التسبيح، ومنه من يكثر الصلاة، ومنه من يكثر الطواف بالبيت.
فإن قيل: فما الأولى أن يصرف إليه أكثر الأوقات من هذه الأوراد؟
فاعلم أن قراءة القرآن في الصلاة قائما مع التدبر يجمع الجميع، ولكن ربما عسرت المواظبة على ذلك، والأفضل يختلف باختلاف حال الشخص، ومقصود الأوراد تزكية القلب وتطهيره، فلينظر المريد ما يراه أشد تأثيراً فيه فليواظب عليه، فإذا أحس بملل انتقل عنه إلى غيره.
قال أبو سليمان الدارانى: فإذا وجدت قلبك في القيام فلا تركع، وإذا وجدته في الركوع فلا ترفع.
الثانى: العالم: الذي ينتفع الناس بعلمه في فتوى، أو تدريس، أو تصنيف، أو تذكير، فترتيبه في الأوراد يخالف ترتيب العابد فإنه يحتاج إلى المطالعة في الكتب، والتصنيف والإفادة، فان استغرق الأوقات في ذلك، فهو أفضل ما يشتغل به بعد المكتوبات، وإنما نعنى بالعلم المقدم على العبادة الذي يرغب في الآخرة، ويعين على
سلوك طريقها، والأولى بالعالم أيضاً أن يقسم أوقاته، لأن استغراق الأوقات في العلم لا تصبر عليه النفس، فينبغي أن يخص ما بعد الصبح إلى طلوع الشمس بالأذكار والأوراد على ما ذكرنا، ثم ما بعد طلوع الشمس إلى الضحى في الإفادة والتعليم، فإن لم يكن عنده من يتعلم، صرف ذلك الزمان إلى التفكير في العلوم، فان صفاء القلب بعد الفراغ من الذكر وقبل الاشتغال بهموم الدنيا يعين على التفطن للمشكلات، ثم من ضحوة النهار إلى العصر للتصنيف والمطالعة، لا يترك ذلك إلا في وقت أكل، أو طهارة، أو مكتوبة، أو قيلولة، ومن العصر إلى اصفرار الشمس بسماع ما يقرأ عليه من تفسير، أو حديث، أو علم نافع، ومن الاصفرار إلى الغروب يشتغل بالاستغفار والتسبيح، فيكون ورده الأول من عمل اللسان، والثاني بى عمل القلب بالتفكير، والثالث في عمل العين واليد والمطالعة والنسخ، والرابع بعد العصر صفى عمل السمع لتتروح العين واليد، فان المطالعة والنسخ بعد العصر ربما أضرا بالعين.
وأما الليل: فأحسن قسمة فيه قمسة الشافعي رحمه الله، فانه كان يقسمه ثلاثة أجزاء: الثلث الأول لكتابة العلم، والثاني للصلاة، والثالث للنوم، فأما الصيف، فربما لا يحتمل ذلك، إلا إذا كان أكثر النوم بالنهار.
الثالث: حال المتعلم: فإن المتعلم أفضل من التشاغل بالأذكار والنوافل، وحكم المتعلم حكم العالم في ترتيب الأوراد، لكنه يشتغل بالاستفادة حين يشتغل العالم بالإفادة، وبالتعليق والنسخ حين يشتغل العالم بالتصنيف، فإن كان من العوام كان حضوره مجالس الذكر والعلم والوعظ أفضل من اشتغاله بالأوراد المتطوع بها.
الرابع: الوالي: مثل الإمام، والقاضى، أو المتوفى للنظر في أمور المسلمين، فقيامه بحاجات المسلمين وأغراضهم على وفق الشرع وقصد الإخلاص أفضل من الأوراد المذكورة، لأنه عبادة يتعدى نفعها، فينبغي أن يقتصر في النهار على المكتوبات، ثم يستفرغ باقي الزمان في ذلك، ويقنع بأوراد الليل.
الخامس: المحترف: وهو محتاج إلى الكسب له أو لعياله، فليس له أن يستغرق الزمان في التعبد، بل يجتهد في الكسب مع دوام الذكر، فإذا حصل له ما يكفيه عاود الأوراد.
السادس: المستغرق بمحبة الله سبحانه: فهذا ورده بعد المكتوبات حضور القلب مع الله تعالى، وهو يحركه إلى ما يريد من ورده.