الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا دخلت مجلساً فأجلس فيما هو أقرب للتواضع.
ولا تجلس على الطريق، فإذا جلست فغض البصر، وانصر المظلوم، وأرشد الضال.
ولا تبصق في جهة القبلة ولا عن يمينك، ولكن عن يسارك تحت قدمك اليسرى.
واحذر مجالسة العوام، فإن فعلت فعليك بالتغافل عما يجرى من سوء أخلاقهم وترك الخوض في حديثهم. واحذركثرة المزاح فإن اللبيب يحقد عليك في المزح، والسفيه يجترئ عليك.
…
4 ـ باب في حقوق المسلم والرحم والجوار والملك ونحو ذلك
فمن حقوق المسلم: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتجيبه إذا دعاك، وتشتمه إذا عطس، وتعوده إذا مرض، وتشهد جنازته إذا مات، وتبر قسمه، وتنصح له إذا استنصحك، وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب، وتحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك. وجميع هذا منقول في الآثار.
ومنها: أن لا تؤذى أحداً من المسلمين بقول ولا فعل، وأن تتواضع للمسلمين، فلا تتكبر عليهم، ولا تسمع بلاغات الناس بعضهم في بعض، ولا تبلغ بعضهم ما تسمع من بعض.
ومنها: أن لا تزيد في الهجرة على ثلاثة أيام لمن تعرفه، للحديث المشهور في ذلك.
وفى حديث آخر عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمناً فوق ثلاثة أيام، فإذا مرت به ثلاثة أيام فلقيه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا في الأجر، وأن لم يرد عليه فقد برئ المسلم من الهجرة".
واعلم: أن هذه الهجرة إنما هى فيما يتعلق بالدنيا، أما حق الدين، فإن هجران
أهل البدع والأهواء والمعاصى ينبغى أن تدوم، ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق.
ومنها: أن يحسن إلى كل من يقدر أن يحسن إليه من المسلمين ما استطاع، وأن لا يدخل على أحد منهم إلا باذنه، ويستأذن ثلاثاً فإن لم يأذن انصرف.
ومنها: أن يخالق الناس بخلق حسن، وذلك أن يعامل كلاً منهم بحسب طريقته، فإنه متى لقى الجاهل بالعلم، واللاهى بالفقه، والغبى بالبيان، أذى وتأذى.
ومنها: أن يوقر المشايخ، ويرحم الصبيان، وأن يكون مع الخلق كافة طلق الوجه رقيقاً، وأن يفي لهم بالوعد، وينصف الناس من نفسه، ولا يأتى إليهم إلا ما يجب أن يؤتى إليه.
قال الحسن: أوحى الله إلى آدم عليه السلام أربع كلمات، وقال: فيهن جماع الأمر لك ولولدك: واحدة لى، وواحدة لك، وواحدة بينى وبينك، وواحدة بينك وبين الخلق. فأما التى لى: فتعبدنى لا تشرك بى شيئاً. وأما التى لك: فعملك أجزيك به أفقر ما تكون إليه. وأما التى بينى وبينك: فعليك الدعاء وعلى الإجابة. وأما التى بينك وبين الناس: فتصحبهم بالذى تحب أن يصحبوك به.
ومنها زيادة توقير ذوي الهيئات.
ومنها: إصلاح ذات البين، وستر عورات المسلمين.
واعلم: أنه من تأمل ستر الله تعالى على العصاة في الدنيا اقتدى بلطفه، فإنه جعل الشهادة في الزنى أن يشهد أربعة من العدول أنهم شهدوا ذلك كالميل في المكحلة، وهذا لا يتفق، ومن هذا أثر كرمه في الدنيا يرجى منه ذلك في الآخرة.
ومنها: أن يتقى مواضع التهم، صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن به، وألسنتهم عن غيبته.
ومنها أن يشفع لكل من له حاجة من المسلمين إلى من له عنده منزلة، ويسعى في قضاء حوائجهم.
ومنها: أن يبدأ بالسلام كل مسلم قبل أن يكلمه، ومن السنة المصافحة. فقد روى عن أنس رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ما من
مسلمين التقيا، فأخذ أحدهما بيد صاحبه، إلا كان حقاً على الله عز وجل أن يحضر
دعاءهما، وأن لا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما".
وفى حديث آخر: "إذا صافح المؤمن المؤمن نزلت عليهما مائة رحمة، تسعة وتسعون لأبشهما وأحسنهما خلقاً"(1).
ولا بأس بتقبيل يد المعظم في الدين، ولا بأس بالمعانقة. وأما الخذي بالركاب لتوقير العلماء، فقد فعل ذلك ابن عباس بزيد بن ثابت رضى الله عنهما، والقيام على سبيل الإكرام لأهل الفضل حسن، وأما الانحناء فمنهى عنه.
ومنها: أن يصون عرض أخيه المسلم ونفسه وماله عن ظلم الغير، ويناضل دونه وينصره.
ومنها: أنه إذا ابتلى بذي شر، فينبغى أن يجامله ويتقيه، لحديث عائشة رضى الله عنها.
وقال محمد بن الحنفية: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً، حتى يجعل الله عز وجل له فرجاً.
ومنها: أن يجتنب مخالطة الأغنياء، ويختلط بالمساكين، ويحسن إلى الأيتام.
ومنها: عيادة مرضاهم.
ومن آداب العائد: أن يضع يده على المريض، يسأله كيف هو، ويخفف الجلوس، ويظهر الرقة، ويدعو له بالعافية، ويغض البصر عن عورات المكان.
ويستحب للمريض أن يفعل ما أخرجه مسلم في أفراده، من حديث عثمان بن أبى العاص رضى الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ضع يدك على الذي يألمك
من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما
أجد وأحاذر".
وجملة آداب المريض: حسن الصبر، وقلة الشكوى والتضجر، والفزع إلى
(1) قال الحافظ العراقي: رواه البراز في "مسنده" والخرائطي في "مكارم الأخلاق" والبيهقي في "الشعب" وفي إسناده نظر.