الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأربعة في اللسان: شهادة الزور، وقذف المحصنات، واليمين الغموس، والسحر.
وثلاثة في البطن: شرب الخمر، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا.
واثنتان في الفرج: الزنا واللواطة.
واثنتان في اليدين: القتل والسرقة.
وواحدة في الرجلين: الفرار من الزحف.
واحدة في جميع البدن، وهى عقوق الوالدين.
وهذا يمكن أن يزاد عليه، وينقص منه، فإن ضرب اليتيم وتعذيبه أكبر من أكل ماله، والله أعلم.
2 ـ فصل في كيفية توزع الدرجات في الآخرة على الحسنات والسيئات في الدنيا
اعلم: أن الناس يتفاوتون في الآخرة، كما يتفاوتون في الدنيا، وينقسمون إلى أربعة أقسام: هالكين، ومعذبين، وناجين، وفائزين.
ومثال ذلك أن يستولي ملك من الملوك على إقليم، فيقتل بعض أهله، ويعذب بعضهم ولا يقتلهم، ويخلى بعضهم، فهم الناجون، ويخلع بعضهم وهم الفائزون.
وإذا كان الملك عادلاً، فلا يقسمهم كذلك إلا باستحقاق، ولا يقتل إلا جاحداً لاستحقاق الملك، معانداً له في أصل الولاية، ولا يعذب إلا من قصَّر في خدمته مع الاعتراف له بالملك، ولا يخلى إلا معترفا له بالملك، ولم يقصر، ولا يخلع إلا على من أبلى عمره في الخدمة والنصرة، وكل واحد من هذه الأقسام يتفاوتون في النعيم والتعذيب على حسب أحوالهم، ويشهد لذلك ما ورد في الحديث أن من الناس من يمر على الصراط كالبرق الخاطف، ومنهم من يبقى في النار سبعة آلاف سنة، وبين اللحظة وسبعة آلاف سنة تفاوت كثير.
وأما اختلاف العذاب بالشدة، فلا نهاية لأعلاه، وأدناه التعذيب بالمناقشة في الحساب، كما أن الملك قد يعذب بعض المقصرين في الأعمال بالمناقشة في
الحساب، ثم يعفو، وقد يضرب بالسياط أو يعذب بغيرها من أنواع العذاب.
وتفاوت منازل أهل السعادة على نحو ذلك في النعيم، فهذه الأمور الكلية معلومة بالنقل ونور المعرفة.
فأما من جهة التفصيل، فنقول: كل من أحكم أصل الإيمان، واجتنب جميع الكبائر، أحسن جميع الفرائض ولم يكن منه إلا صغائر متفرقة لا يصر عليها، فيشبه أن يعفى عنه، فقد نص القرآن على اجتناب الكبائر مكفر للصغائر.
وهذا إما أن يلتحق بالمقربين، أو أصحاب اليمين، وذلك بحسب إيمانه، ويقينه، فإن قل أو ضعف، دنت منزلته، وإن كثر وقوى، علت منزلته.
ثم إن المقربين يتفاوتون بحسب تفاوت معرفتهم بالله تعالى، ودرجات العارفين في المعرفة لا تنحصر، لأن بحر المعرفة لا ساحل له، وإنما يغوص فيه الغواصون بقدر قواهم، فأعلى درجات أصحاب اليمين، أدنى درجات المقربين، هذا حال من اجتنب الكبائر وأدى الفرائض.
فأما من ارتكب، أو أهمل أركان الإسلام، فإنه إن تاب توبة نصوحاً قبل قرب الأجل، التحق بمن لم يرتكب، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والثوب المغسول كالذي لم يتسخ أصلاً.
فأما إن مات قبل التوبة، فأمره خطر، إذ ربما يكون موته على الإصرار سبباً لتزلزل إيمانه، فيختم له بسوء الخاتمة، لا سيما إذا كان إيمانه تقليداً فإنه قابل للانحلال بأدنى شك وخيال، والعارف الموقن أبعد من أن يخاف عليه سوء الخاتمة. ثم إن عذاب الميت عن غير توبة يكون بحسب قبح الكبائر ومدة الإصرار. ثم ينزل البله المقلدون الجنة، وينزل العارفون المستبصرون أعلى عليين، وما ذكرناه من مراتب العباد في المعاد حكم ظاهر الأسباب، يضاهى حكم الطبيب على مريض بأنه يموت لا محالة، ولا يقبل إصلاح العلاج، وعلى مريض آخر بأن عارضه خفيف، وعلاجه هيَّن، فإن ذلك ظن يصيب غالباً، وقد تثوب إلى الهلاك نفسه من حيث لا يشعر الطبيب، وقد يساق إلى ذي العارض الخفيف أجله من حيث لا يطلع عليه، وذلك لأسرار الله تعالى الخفية، وفى أرواح الأحياء غموض للأسباب التي رتبها المسبب، وليس في قوة البشر الوقوف على كنهها، وكذلك الفوز والهلاك في الآخرة لهما أسباب خفية ليس في قوة