الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قيل: إذا أثنى على الرجل معاملوه بى الحضر ورفقاؤه في السفر فلا تشكوا في صلاحه.
وينبغى له أن يودِّع رفقاءه وإخوانه المقيمين، ويلتمس أدعيتهم، ويجعل خروجه بكرة يوم الخميس، وليصل بى منزله ركعتين قبل الخروج منه ويستودع أهله وماله، ويستعمل الأدعية والأذكار والمأثورة عند خورجه من منزله، وفى ركوبه ونزوله، وهى مشهورة صفى كثير من الكتب في مناسك الحج، وكذلك جميع المناسك من الإحرام، والطواف والسعى، والوقوف بعرفة، وغير ذلك من أعمال الحج يأتى فيها بما ذكر من الأذكار والدعوات والآداب، وكل ذلك مستوفى في كتب الفقه وغيرها، فليطلب هناك.
1 ـ فصل في الآداب الباطنة والإشارة إلى أسرار الحج
اعلم: أنه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتجرد والانفراد لخدمته، وقد كان الرهبان ينفردون في الجبال طلباً للأنس بالله، فجعل الحج رهبانية لهذه الأمة.
فمن الآداب المذكورة، أن يكون خالياً في حجه من تجارة تشغل قلبه وتفرق همه، ليجتمع على طاعة الله تعالى، وأن يكون أشعث أغبر، رث الهيئة، غير مستكثر من الزينة.
وينبغى أن يتجنب ركوب المحمل إلا من عذر، كمن لا يستمسك على الزاملة (1)
فإن النبى صلى الله عليه وآله وسلم حج على راحلة وتحته رحل رث.
وفى حديث جابر رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال:"إن الله عز وجل يباهي بالحاج الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادى، أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، أشهدكم أنى قد غفرت لهم".
وقد شرف الله تعالى بيته وعظمه، ونصبه مقصداً لعباده، وجعل ما حوله حرماً له تفخيماً لأمره، وتعظيماً لشأنه، وجعل عرفة كالميدان على فنائه.
واعلم: أن في كل واحد من أفعال الحج تذكرة للمتذكر، وعبرة للمعتبر.
(1) هو البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع.
فمن ذلك: أن يتذكر بتحصيل الزاد زاد الآخرة من الأعمال، وليحذر أن تكون أعماله فاسدة من الرياء والسمعة فلا تصحبه ولا تنفعه، كالطعام الرطب الذي يفسد في أول منازل السفر، فيبقى صاحبه وقت الحاجة متحيراً، فإذا فارق وطنه ودخل البادية وشهد تلك العقبات، فليتذكر بذلك خروجه من الدنيا بالموت إلى ميقات القيامة وما بينهما من الأهوال.
ومن ذلك: أن يتذكر وقت إحرامه وتجرده من ثيابه، إذا لبس المحرم الإحرام لبس كفنه، وأنه سيلقى ربه على جزى مخالف لزي أهل الدنيا، وإذا لبى فليستحضر بتلبيته إجابة الله تعالى إذ قال:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]، وليرج القبول، وليخش عدم الإجابة، وكذلك إذا وصل إلي الحرم ينبغي أن يكون الرجاء غالباً، لأن الكرم عميم، وحق الزائر مرعى، وذمام المستجير لا يضيع.
ومن ذلك: إذا رأى البيت الحرام استحضر عظمته في قلبه، وشكر الله تعالى على تبليغه رتبة الوافدين إليه، وليستشعر عظمة الطواف به، فإنه صلاة، ويعتقد عند استلام الحجر أنه مبايع لله على طاعته، ويضم إلى ذلك عزيمته على الوفاء بالبيعة، وليتذكر بالتعلق بأستار الكعبة والالتصاق بالملتزم لجأ المذنب إلى سيده وقرب المحب.
وأنشد بعضهم في ذلك:
ستور بيتك نيل الأمن منك وقد
…
علقتها مستجيراً أيها الباري
وما أظنك لما أن علقت بها
…
خوفاً من النار تنجيني من النار
وها أنا جار بيت أنت قلت لنا
…
حجوا إليه وقد أوصيت بالجار
ومن ذلك: إذا سعى بين الصفا والمروة، ينبغي أن يمثلها بكفتي الميزان، وتردده بينهما شفى عرصات القيامة، أو تردد العبد إلى باب دار الملك، إظهاراً لخلوص خدمته، ورجاء الملاحظة بعين رحمته، وطمعاً في قضاء حاجته.
وأما الوقوف بعرفة: فاذكر بما ترى فيه من ازدحام الخلق، وارتفاع أصواتهم واختلاف لغاتهم موقف القيامة، واجتماع الأمم في ذلك الموطن، واستشفاعهم.
فإذا رميت الجمار: فاقصد بذلك الانقياد للأمر، وإظهار الرق والعبودية، ومجرد الامتثال من غير حظ النفس.
وأما المدينة: فإذا لاحت لك فتذكر أنها البلدة التي اختارها الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وشرع إليها هجرته، وجعل فيها بيته، ثم مثل في نفسك مواضع أقدام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند تردده فيها، وتصور خشوعه وسكينته، فإذا قصدت زيارة القبر، فأحضر قلبك لتعظيمه، والهيبة له، ومثل صورته الكريمة في خيالك، واستحضر عظيم مرتبته في قلبك، ثم سلم عليه، واعلم انه عالم بحضورك وتسليمك، كما ورد في الحديث.
***