الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ثلاث ختمة ومنهم من كان يختم في كل أسبوع، ومنهم من كان يختم في كل شهر، اشتغالا بالتدبر أو بنشر العلم، أو بتعليمه، أو بنوع من التعبد غير القراءة، أو بغيره من اكتساب الدنيا.
وأولى الأمر: ما لا يمنع الإنسان من أشغاله المهمة، ولا يؤذيه في بدنه، ولا يفوته معه الترتيل والفهم.
قال ابن عباس رضى الله عنهما: لأن أقرأ البقرة وآل عمران، وأرتلهما وأتدبرهما أحب إلى من أن اقرأ القرآن كله هذرمة (1) من وجد خلسة في وقت، فليغتنم كثرة القراءة ليفوز بكثرة الثواب، فقد كان عثمان رضى الله عنه يقرأ القرآن في ركعة يوتر بها، وكان الشافعي رحمه الله يختم في رمضان ستين ختمه.
وأما الدوام: فليكن على قدر الإمكان، كما أشرنا إليه.
واستحب بعضهم إذا ختم بالنهار أن يختم في ركعتي الفجر أو بعدهما، وإذا ختم بالليل أن يختم في ركعتي المغرب أو بعدهما ليستقبل بالختمة أول الليل وأول النهار.
وقال ابن مسعود رضى الله عنه: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة.
وكان أنس رضى الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا.
2 ـ فصل [في تحسين الصوت]
ويستحب تحسين القراءة، وإذا لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع، فأما القراءة بالألحان، فقد كرهها السلف.
ويستحب الإسرار بالقراءة. وقد جاء في الحديث: "فضل قراءة السر على قراءة العلانية كفضل صدقة السر على صدقة العلانية"(2)، إلا أنه ينبغي أن يسمع نفسه.
ولا بأس بالجهر في بعض الأوقات لمقصود صحيح، إما لتجويد الحفظ، أو
(1) الهذرمة: السرعة في القراءة والكلام.
(2)
لم يرد بهذا اللفظ، وهو في معنى الحديث الصحيح "الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة" أخرجه أبو داود (1333) والترمذي (2920) من حديث عقبة بن عامر، وإسناده صحيح، فإن إسماعيل ابن عياش رواه عن بحير بن سعد الحمصي وهو من أهل بلده وروايته عنهم مستقيمة.
ليصرف عن نفسه الكسل والنوم، أو ليوقظ الوسنان (1).
فأما حكم القراءة في الصلاة، ومقدار ما يقرأ في صلاة الفرض، وموضع الجهر والإسرار فذلك معروف مشهور في كتب الفقه.
ومن كان عنده مصحف ينبغي له أن يقرأ فيه كل يوم آيات يسيرة لئلا يكون مهجوراً.
وينبغى لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه بى إيصال معاني كلامه إلى أفهامهم، وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه ويتدبر كلامه، فإن التدبر هو المقصود من القراءة، وإن لم يحصل التدبر إلا بترداد الآية، فليرددها، فقد روى أبو ذر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قام ليلة بآية يرددها {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] وقام تميم الداري رضي الله عنه بآية وهي قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21] وكذلك قام بها الربيع بن خثيم رحمة الله عليه ليلة.
وينبغى للتالي أن يستوضح من كل آية ما يليق بها، ويتفهم ذلك، فإذا تلا قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: 1] فليعلم عظمته ويتلمح قدرته في كل ما يراه.
وإذا تلا: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58] فليتفكر في نطفة متشابهة الأجزاء، كيف تنقسم إلى لحم وعظم، وعرق وعصب، وأشكال مختلفة من رأس ويد، ورجل، ثم إلى ما ظهر فيها من الصفات الشريفة كالسمع، والبصر، والعقل، وغير ذلك، فيتأمل هذه العجائب.
وإذا تلا أحوال المكذبين فليستشعر الخوف من السطوة إن غفل عن امتثال الأمر.
وليتخلى التالي من موانع الفهم، مثل أن يخيل الشيطان إليه أنه ما حقق تلاوة الحرف ولا أخرجه من مخرجه، فيكرره التال، فيصرف همته عن فهم المعنى. ومن ذلك أن يكون التالي مصراً على ذنب، أو متصفاً بكبر، أو مبتلى بهوى
(1) الوسن: النعاس، والوسنان: كثير النعاس.
مطاع، فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصداه، فهو كالجرب على المرآة، يمنع من تجلى الحق، فالقلب مثل المرآة، والشهوات مثل الصدأ، ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة، والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل الجلاء للمرآة.
وينبغى لتالي القرآن أن يعلم أنه مقصود بخطاب القرآن ووعيد، وأن القصص لم يرد بها السمر (1) بل العبر، فليتنبه لذلك، فحينئذ يتلو تلاوة عبد كاتبه سيده بمقصود.
وليتأمل الكتاب ويعمل بمقتضاه، فإن مثل العاصي إذا قرأ القرآن وكرره، كمثل من كرر كتاب الملك وأعرض عن عمارة مملكته وما أمر به في الكتاب فهو مقتصر على دراسته، مخالف أوامره، فلو ترك الدراسة مع المخالفة كان أبعد من الاستهزاء واستحقاق المقت.
وينبغى أن يتبرأ من حوله وقوته، وأن لا يلتفت إلى نفسه بعين الرضى والتزكية فإن من رأى نفسه بصورة التقصير، كان ذلك سبب قربه.
…
(1) أي الحديث والخبر.