الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 ـ فصل [في تقسيم آفات الكبر]
واعلم: أن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلاثة درجات:
الأولى: أن يكون الكبر مستقراً في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيراً من غيره، إلا أنه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلا أنه قد قطع أغصانها.
الثانية: أن يظهر لك بأفعاله من الترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، والإنكار على من يقصر في حقه، فترى العالم يصعر (1) خده للناس، كأنه معرض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنه مستقذر لهم، وهذان قد جهلا ما أدب الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، حين قال:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215].
الدرجة الثالثة: أن يظهر الكبر بلسانه، كالدعاوى والمفاخر، وتزكية النفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره، وكذلك التكبر بالنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملاً.
قال ابن عباس: يقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك، وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى. قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13}.
وكذلك التكبر بالمال، والجمال، والقوة، وكثرة الأتباع، ونحو ذلك، فالكبر بالمال أكثر ما يجرى بين الملوك والتجار ونحوهم.
والتكبر بالجمال أكثر ما يجرى بين النساء، ويدعوهن إلى التنقص والغيبة وذكر العيوب.
وأما التكبر بالأتباع والأنصار، فيجرى بين الملوك بالمكاثرة بكثرة الجنود، وبين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين.
وفي الجملة فكل ما يمكن أن يعتقد كمالاً، فإن لم يكن في نفسه كمالاً، أمكن أن
(1) صعر خده وصاعره: أي أماله من الكبر، ومنه قوله تعالى (ولا تصعر خدك للناس) وقول المتلمس:
وكنا إذا الجار صعر خده
…
أقمنا له من خده فتقوما
يتكبر به، حتى إن الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمرة والفجور، لظنه أن ذلك كمال.
واعلم: أن التكبر يظهر في شمائل الإنسان، كصعر وجهه، ونظره شزراً، وإطراق رأسه، وجلوسه متربعاً ومتكئاً، وفى أقواله، حتى في صوته ونغمته، وصيغة إيراده الكلام، ويظهر ذلك أيضاً في مشيه وتبختره، وقيامه وقعوده وحركاته وسكناته وسائر تقلباته.
ومن خصائل المتكبر، أن يحب قيام الناس له.
والقيام على ضربين:
قيام على رأسه وهو قاعد، فهذا منهي عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبواً مقعده من النار". وهذه عادة الأعاجم والمتكبرين.
الثاني: قيام عند مجيء الإنسان، فقد كان السلف لا يكادون يفعلون ذلك.
قال أنس: لم يكن شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك.
وقد قال العلماء: يستحب القيام للوالدين والإمام العادل، وفضلاء الناس، وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل، فإذا تركه الإنسان في حق من يصلح أن يفعل في حقه، لم يأمن أن ينسبه إلى إهانته، والتقصير في حقه، فيوجب ذلك حقداً.
واستحباب هذا في حق القائم لا يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك، ويرى أنه ليس بأهل لذلك.
ومن خصال المتكبر: أن لا يمشى إلا ومعه أحد يمشى خلفه.
ومنها أن لا يزور أحداً تكبراً على الناس.
ومنها أن يستنكف من جلوس أحد إلى جانبه أو مشيه معه.
وقد روى أنس رضى الله عنه قال: كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتنطلق به في حاجتها.
وقال ابن وهب: جلست إلى عبد العزيز بن أبى رواد، وإن فخذى لتمس فخذه