الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ، وَلَا حَرَجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَمَا سَمِعْته سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ أَوْ يَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ عَلَى بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهِمَا إلَّا قَالَ: افْعَلُوا، وَلَا حَرَجَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ) كَانَ (عَالِمًا) لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَعْضُ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«وَلَا حَرَجَ» ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إثْمَ وَلَا دَمَ فِيهِ (لَكِنَّ السُّنَّةَ تَقْدِيمُ رَمْيٍ فَنَحْرٍ فَحَلْقٍ فَطَوَافٍ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
[فَصْلٌ لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ]
(فَصْلٌ)
(لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ، يَحْصُلُ أَوَّلُهُمَا بِاثْنَيْنِ) مِنْ ثَلَاثَةٍ: (رَمْيٍ وَحَلْقٍ، وَطَوَافِ) إفَاضَةٍ، فَلَوْ حَلَقَ وَطَافَ، ثُمَّ وَطِئَ وَلَمْ يَرْمِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِوَطْئِهِ، وَدَمٌ لِتَرْكِهِ الرَّمْيَ، وَحَجُّهُ صَحِيحٌ. (وَ) يَحْصُلُ (ثَانِيهِمَا) أَيْ: التَّحَلُّلَيْنِ (بِمَا بَقِيَ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (مَعَ سَعْيٍ) لِتَمَتُّعٍ، سَوَاءٌ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ، أَوْ لَا، وَيَحْصُلُ التَّحْلِيلُ (لِمَنْ لَمْ يَسْعَ) مِنْ مُفْرِدٍ وَقَارِنٍ (قَبْلَ) ذَلِكَ بِالسَّعْيِ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ، لِأَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ (فَإِنْ كَانَ) أَيْ: وُجِدَ مِنْ الْمُفْرِدِ أَوْ الْقَارِنِ سَعْيٌ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ (لَمْ تُسَنَّ إعَادَتُهُ) أَيْ: السَّعْيِ (كَ) مَا لَا تُسَنُّ إعَادَةُ (سَائِرِ الْأَنْسَاكِ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
(وَيَخْطُبُ إمَامٌ) أَوْ نَائِبُهُ (نَدْبًا بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، خُطْبَةً يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ، وَيُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ) كُلُّهَا أَيَّامَهُ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ» يَعْنِي بِمِنًى، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ:«سَمِعْت خُطْبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَهُوَ) أَيْ: يَوْمُ
النَّحْرِ (يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ (لِكَثْرَةِ أَفْعَالِ حَجٍّ بِهِ، مِنْ وُقُوفٍ بِمَشْعَرٍ حَرَامٍ، وَدَفْعٍ مِنْهُ لِمِنًى، وَرَمْيٍ وَنَحْرٍ، وَحَلْقٍ، وَطَوَافِ إفَاضَةٍ، وَرُجُوعٍ لِمِنًى) لِيَبِيتَ بِهَا، وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ، وَلِهَذَا «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(ثُمَّ يُفِيضُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ لَمْ يَدْخُلَاهَا) أَيْ: مَكَّةَ (قَبْلَ) وُقُوفِهِمَا بِعَرَفَةَ (لِلْقُدُومِ) نَصًّا، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ «فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَقَ، ثُمَّ طَافَ طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» ، فَحَمَلَهُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ لِحَجِّهِمْ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ، فَلَا يَسْقُطُ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ)، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ، كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابِهِ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا (وَ) مَا قَالَهُ الْمُوَفَّقُ، اخْتَارَهُ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَجَبٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَيَطُوفُ لِلْقُدُومِ (بِرَمَلٍ) وَاضْطِبَاعٍ، ثُمَّ لِلزِّيَارَةِ، (وَ) يَطُوفُ (مُتَمَتِّعٌ) لِلْقُدُومِ (بِلَا رَمَلٍ) وَلَا اضْطِبَاعٍ (ثُمَّ) يَطُوفُ (لِلزِّيَارَةِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مِنًى، فَيَزُورُ الْبَيْتَ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى (وَهِيَ) أَيْ: الزِّيَارَةُ، يُسَمَّى طَوَافُهَا طَوَافَ (الْإِفَاضَةِ) لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَهَا، وَلَمَّا كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى، يُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ الزِّيَارَةِ.
(وَيُعَيِّنُهُ) أَيْ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ (بِالنِّيَّةِ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكَالصَّلَاةِ، يَكُونُ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام طَافَ كَذَلِكَ «وَقَالَ: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَهُوَ) أَيْ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ (رُكْنٌ لَا يَتِمُّ حَجٌّ إلَّا بِهِ) قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا حَائِضٌ، قَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، كَانَتْ حَابِسَتَهُمْ، فَيَكُونُ الطَّوَافُ حَابِسًا لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ.
(وَوَقْتُهُ) ، أَيْ أَوَّلُهُ (مِنْ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمَنْ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ قَبْلُ (وَإِلَّا) يَكُنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ (فَ) وَقْتُهُ (بَعْدَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ قَبْلَهُ (وَ) فِعْلُهُ (يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ:«أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: طَوَافَ الزِّيَارَةِ (عَنْ أَيَّامِ مِنًى، جَازَ) لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ (وَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ: تَأْخِيرِ الطَّوَافِ (كَ) تَأْخِيرِ (السَّعْيِ) لِمَا سَبَقَ (ثُمَّ يَسْعَى مُتَمَتِّعٌ) لِحَجِّهِ، وَلَا يَكْتَفِي بِسَعْيِهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ كَانَ لِعُمْرَتِهِ (وَ) يَسْعَى (مَنْ لَمْ يَسْعَ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ) مِنْ مُفْرِدٍ وَقَارِنٍ، وَمَنْ سَعَى مِنْهُمَا، لَمْ يَعُدَّهُ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّطَوُّعُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَنْسَاكِ، إلَّا الطَّوَافَ، لِأَنَّهُ صَلَاةٌ.
(ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ لِمَا أَحَبَّ، وَيَتَضَلَّعُ، وَيَرُشُّ عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ) لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «كُنْت جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ جِئْت؟