الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ الْهَدْيُ يَتَعَيَّنُ بِقَوْلِهِ هَذَا هَدْيٌ]
(فَصْلٌ)(الْهَدْيُ يَتَعَيَّنُ بِ) قَوْلِهِ: (هَذَا هَدْيٌ) لِاقْتِضَائِهِ الْإِيجَابَ، فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ (أَوْ بِتَقْلِيدِهِ) النَّعْلَ وَالْعُرَى وَآذَانَ الْقُرَبِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ هَدْيًا (أَوْ) بِ (إشْعَارِهِ بِنِيَّتِهِ) أَيْ: الْهَدْيِ، لِقِيَامِ الْفِعْلِ الدَّالِ عَلَى الْمَقْصُودِ مَعَ النِّيَّةِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ، وَيَأْذَنُ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ (وَ) تَتَعَيَّنُ (أُضْحِيَّةٌ بِ) قَوْلِهِ:(هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) أَيْ: وَيَتَعَيَّنُ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ بِقَوْلِهِ: هَذَا، أَوْ: هَذِهِ (لِلَّهِ، أَوْ) : هَذِهِ (صَدَقَةٌ، وَنَحْوُهُ مِنْ أَلْفَاظِ النَّذْرِ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُهُ (فِيهِمَا) أَيْ: الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ.
(وَيَتَّجِهُ: لَا) يَتَعَيَّنُ هَدْيٌ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ وَنَحْوُهُ (إنْ قَالَهُ نَحْوُ مُتَلَاعِبٍ) كَمَازِحٍ، إذْ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا.
(وَيَدِينُ) مُدَّعٍ عَدَمَ التَّعْيِينِ بِقَوْلِ أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ حُكْمًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَا تَعْيِينَ) لِهَدْيٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ (بِنِيَّةِ) ذَلِكَ حَالَ (شِرَاءٍ) لِأَنَّ التَّعْيِينَ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَعْيِينَ (بِسَوْقٍ) مَعَ نِيَّةِ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ أَوْ إشْعَارٍ، لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ (كَإِخْرَاجِهِ مَالًا لِصَدَقَةٍ بِهِ) فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ لِلْخَبَرِ (وَمَا تَعَيَّنَ) مِنْ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ (جَازَ نَفْلٌ فِيهِ وَشِرَاءُ خَيْرٍ مِنْهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ نَفْعِ
الْفُقَرَاءِ بِالزِّيَادَةِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَالْإِبْدَالُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ. (وَيَصِيرُ) مَا اشْتَرَاهُ (مُعَيَّنًا بِمُجَرَّدِ شِرَائِهِ) اكْتِفَاءً بِالتَّعْيِينِ الْأَوَّلِ (وَ) جَازَ (إبْدَالُ لَحْمِ) مَا تَعَيَّنَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ (بِخَيْرٍ مِنْهُ) لِحَظِّ الْفُقَرَاءِ، وَ (لَا) يَجُوزُ إبْدَالُ مَا تَعَيَّنَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ أَوْ لَحْمِهِمَا (بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ) بِمَا (دُونَهُ) إذْ لَا حَظَّ فِي ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُهُ) أَيْ: مَا تَعَيَّنَ (فِي دَيْنٍ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتٍ) كَعِتْقِ مَعِيبٍ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (وَذَبْحٌ) وُجُوبًا (بِوَقْتِ أُضْحِيَّةٍ) وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مُقَامَهُ فِي أَكْلٍ وَصَدَقَةٍ وَهَدِيَّةٍ (وَإِنْ عَيَّنَ فِيهِمَا) أَيْ: الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (مَعْلُومَ عَيْبِهِ، تَعَيَّنَ) كَمَا لَوْ نَذَرَهُ (وَكَانَ قُرْبَةً) يُثَابُ عَلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْهُ لَحْمًا (لَا أُضْحِيَّةً) - قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ حَدَثَ بِهَا، أَيْ: بِالْمُعَيَّنَةِ أُضْحِيَّةً، عَيْبٌ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ وَنَحْوِهِ، أَجْزَأَهُ، ذَبْحُهَا، وَكَانَتْ أُضْحِيَّةً - (مَا لَمْ يَزُلْ عَيْبُهُ) الْمَانِعُ مِنْ الْإِجْزَاءِ (قَبْلَ ذَبْحٍ) فَيُجْزِئُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ.
(وَيَتَّجِهُ: لَا إنْ عَيَّنَ) هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً (نَحْوَ ضَبٍّ) كَضَبُعٍ (وَظِبَاءٍ) مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْ الْوُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ، وَحُكْمُهُ كَنَذْرٍ، فَلَوْ ذَبَحَهُ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ، وَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ جَازَ، وَلَهُ ثَوَابُهُ لَحْمًا لَا أُضْحِيَّةً، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ بَدَلِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، لِفَسَادِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيَمْلِكُ) مَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا يَجْهَلُهُ وَعَيَّنَهُ
(رَدَّ مَا عَلِمَ عَيْبَهُ بَعْدَ تَعْيِينِهِ، أَوْ) أَيْ: وَيَمْلِكُ (أَخْذَ أَرْشِهِ، وَهُوَ) أَيْ: الْأَرْشُ (كَفَاضِلِ قِيمَةٍ فِيمَا يَأْتِي) قَرِيبًا (وَلَوْ بَانَتْ مَعِيبَةً) مُعَيَّنَةً (مُسْتَحَقَّةً، لَزِمَهُ بَدَلُهَا) نَصًّا (اعْتِبَارًا بِمَا فِي ظَنِّهِ) .
(وَ) يُبَاحُ لِمُهْدٍ وَمُضَحٍّ أَنْ (يَرْكَبَ) هَدْيًا وَأُضْحِيَّةً مُعَيَّنَيْنِ (لِحَاجَةٍ فَقَطْ بِلَا ضَرَرٍ) لِحَدِيثِ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَسَاكِينِ بِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ، لِلْحَدِيثِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِهَا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ (وَيَضْمَنُ النَّقْصَ) بِرُكُوبِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهَا (وَحَرُمَ) رُكُوبُهَا (بِلَا حَاجَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَوَلَدُ مُعَيَّنَةٍ) ابْتِدَاءً، أَوْ عَمَّا فِي ذِمَّةٍ مِنْ هَدْيٍ أَوْ أُضْحِيَّةٍ (كَهِيَ، وَلَوْ) كَانَ (حَادِثًا) بِأَنْ حَدَثَ بَعْدَ تَعْيِينِهَا، (فَيُذْبَحُ مَعَهَا إنْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ، وَلَوْ عَلَى ظَهْرِهَا (أَوْ) أَمْكَنَ (سَوْقُهُ) إلَى الْمَنْحَرِ (وَإِلَّا) يُمْكِنْ حَمْلُهُ، وَلَا سَوْقُهُ (فَ) هُوَ (كَهَدْيٍ عَطِبَ) فَيَذْبَحُهُ مَوْضِعَهُ، وَيَأْتِي.
(وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُ) أَيْ: وَلَدِهَا، وَلَمْ يَضُرَّهَا، وَلَا يُنْقِصُ لَحْمَهَا، لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّهَا، وَلَا وَلَدَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَضَرَّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا (حَرُمَ، وَ) عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِهِ، فَإِنْ شَرِبَهُ (ضَمِنَهُ) لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذٍ.
(وَ) يُبَاحُ أَنْ (يَجُزَّ صُوفَهَا) أَيْ: الْمُعَيَّنَةَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً (وَنَحْوَهُ) كَوَبَرِهَا (لِمَصْلَحَةٍ) لِانْتِفَاعِهَا بِهِ (وَيَتَصَدَّقُ)
بِهِ نَدْبًا (أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ كَجِلْدٍ) لِلِانْتِفَاعِ بِهِ دَوَامًا، فَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ أَنْفَعَ لَهَا لِيَقِيَهَا حَرًّا أَوْ بَرْدًا، حَرُمَ جَزُّهُ كَأَخْذِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا. (وَإِنْ أَتْلَفَهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ (أَجْنَبِيٌّ) غَيْرُ صَاحِبِهَا (أَوْ) أَتْلَفَهَا (صَاحِبُهَا ضَمِنَهَا) مُتْلِفُهَا (بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلِفَ) كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ (تُصْرَفُ فِي مِثْلِهَا كَهَدْيٍ) مُعَيَّنٍ (أُتْلِفَ أَوْ عَابَ بِفِعْلِهِ) أَيْ: صَاحِبِهِ (أَوْ تَفْرِيطِهِ) وَلَوْ كَانَ مَا عَيَّنَهُ زَائِدًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ شَاةٌ، فَعَيَّنَ عَنْهَا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فَتَلِفَتْ، أَوْ تَعَيَّبَتْ، يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ نَظِيرَ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، فَفِي الْمُغْنِي لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَجَبَتْ بِتَعْيِينِهِ، وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَسَقَطَتْ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ هَدْيًا تَطَوُّعًا، ثُمَّ تَلِفَ (بِخِلَافِ قِنٍّ تَعَيَّنَ لِعِتْقٍ) بِأَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ (فَأَتْلَفَهُ) مَالِكُهُ أَوْ غَيْرُهُ (فَلَا) يَلْزَمُهُ صَرْفُ قِيمَتِهِ فِي مِثْلِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ حَقٌّ لِلرَّقِيقِ، وَقَدْ هَلَكَ.
(وَإِنْ فَضَلَ) مِنْ قِيمَةِ الْمُعَيَّنِ (عَنْ شِرَاءِ الْمِثْلِ شَيْءٌ) لِنَحْوِ رُخْصٍ عَرَضَ (اشْتَرَى بِهِ) أَيْ: الْفَاضِلِ (شَاةً أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ، أَوْ) سُبْعَ (بَقَرَةٍ) إنْ بَلَغَ (فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ) ثَمَنَ شَاةٍ أَوْ سُبْعِ بَدَنَةٍ، أَوْ بَقَرَةٍ (تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ بِلَحْمٍ يَشْتَرِي بِهِ) أَيْ: بِالْفَاضِلِ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ مَا شَرَاهُ يُجْزِئُ فِي أُضْحِيَّةٍ، بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّدَقَةِ بِهِ (كَأَرْشِ جِنَايَةٍ فِي نُقْصَانِهَا) أَيْ: الذَّبِيحَةِ، وَتَقَدَّمَ.
(وَلَوْ مَرِضَتْ) أُضْحِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ (فَخَافَ) صَاحِبُهَا (عَلَيْهَا) مَوْتًا (فَذَبَحَهَا، فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا (وَلَوْ تَرَكَهَا) بِلَا ذَبْحٍ (فَمَاتَتْ، فَلَا) شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا، لِأَنَّهَا كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُفَرِّطْ (وَعَكْسُهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ، (هَدْيُ، فَلَوْ عَطِبَ) كَتَعِبَ (بِطَرِيقٍ هَدْيُ وَاجِبٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِنِيَّةٍ دَامَتْ)
أَيْ: اسْتَمَرَّتْ، أَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ صُحْبَةَ الرِّفَاقِ (ذَبَحَهُ مَوْضِعَهُ) وُجُوبًا، لِئَلَّا يَمُوتَ (فَلَوْ فَرَّطَ) بِأَنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ (ضَمِنَهُ) بِقِيمَتِهِ يُوَصِّلُهَا (لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إيصَالُهَا إلَيْهِمْ، بِخِلَافِ مَا عَطِبَ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ يَشْتَرِي بِهَا بَدَلَهُ، وَإِنْ فَسَخَ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ قَبْلَ ذَبْحِهِ فَعَلَ بِهِ مَا شَاءَ (وَسُنَّ غَمْسُ نَعْلٌ) الْهَدْيِ الْعَاطِبِ الْمُقَلَّدِ بِهِ (بِعُنُقِهِ فِي دَمِهِ وَضَرْبُ صَفْحَتِهِ بِهَا) أَيْ: النَّعْلِ الْمَغْمُوسَةِ فِي دَمِهِ (لِيَأْخُذَهُ الْفُقَرَاءُ، وَحَرُمَ أَكْلُهُ وَ) أَكْلُ (خَاصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ: الْهَدْيِ الَّذِي عَطِبَ غَيْرَ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ (كَمَا مَرَّ) لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ شَيْءٌ مِنْهَا فَخَشِيتَ عَلَيْهِ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهُمَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ:«وَتُخْلِيهَا وَالنَّاسَ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَإِنَّمَا مُنِعَ السَّائِقُ وَرُفْقَتُهُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي الْحِفْظِ، فَيُعْطِبَ لِيَأْكُلَ هُوَ وَرُفْقَتُهُ مِنْهُ، فَلَحِقَتْهُ التُّهْمَةُ فِي عَطْبِهِ لِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ (وَيُجْزِئُ ذَبْحُ مَا) أَيْ: هَدْيٍ (تَعَيَّبَ لَا بِتَفْرِيطِهِ مِنْ وَاجِبٍ) بِالتَّعْيِينِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ جَرَّ بَقَرَةً بِقَرْنِهَا إلَى الْمَنْحَرِ فَانْقَلَعَ، (كَتَعْيِينِهِ مَعِيبًا، فَبَرِئَ) مِنْ عَيْبِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:«ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ، فَأَصَابَ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَإِنْ عَيَّنَهُ) أَيْ: عَيَّنَ صَحِيحًا فَتَعَيَّبَ بِلَا فِعْلِهِ وَلَا تَفْرِيطِهِ (عَنْ) دَمٍ (وَاجِبٍ سَلِيمٍ بِذِمَّتِهِ كَفِدْيَةٍ) وَهِيَ الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ مِنْ هَدْيِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ، وَمَا وَجَبَ بِتَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ (وَ) كَدَمٍ (مَنْذُورٍ) بِذِمَّتِهِ (تَعَيَّنَ) ذَلِكَ
الْمُتَعَيَّبُ (وَلَمْ يُجْزِهِ) ذَبْحُهُ عَمَّا بِذِمَّتِهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِذِمَّتِهِ دَمٌ صَحِيحٌ، فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ دَمٌ مَعِيبٌ، وَيَعُودُ الْوُجُوبُ إلَى الذِّمَّةِ، كَمَا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ، فَاشْتَرَى بِهِ مَكِيلًا، ثُمَّ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَعَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمْ تَبْرَأْ مِنْ الْوَاجِبِ بِالتَّعْيِينِ عَنْهُ، كَالدَّيْنِ يَضْمَنُهُ ضَامِنٌ، أَوْ يَرْهَنُ بِهِ رَهْنًا، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالضَّامِنِ، وَالرَّهْنُ مَعَ بَقَائِهِ بِذِمَّةِ الْمَدِينِ فَمَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الضَّامِنِ، أَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ، بَقِيَ الْحَقُّ فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ، وَيَحْصُلُ التَّعْيِينُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِالْقَوْلِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ بِذِمَّتِهِ دَمٌ وَاجِبٌ (نَظِيرُهُ) أَيْ: نَظِيرُ مَا تَعَيَّبَ (سَلِيمًا وَلَوْ زَادَ) الَّذِي عَيَّنَهُ (عَمَّا) أَيْ: عَنْ الَّذِي (بِذِمَّتِهِ كَبَدَنَةٍ عُيِّنَتْ) أَيْ: كَأَنْ عَيَّنَهَا (عَنْ شَاةٍ) فَتَعَيَّبَتْ الْبَدَنَةُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ نَظِيرُ الَّتِي تَعَيَّبَتْ، لِتَعَلُّقِ الْوَاجِبِ بِهَا، فَلَزِمَهُ مِثْلُهَا، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ (وَكَذَا لَوْ سُرِقَ) الْمُعَيَّنُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ (أَوْ ضَلَّ أَوْ غُصِبَ) فَيَلْزَمُهُ نَظِيرُهُ، وَلَوْ زَادَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا فَعَطِبَ أَوْ مَاتَ، فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ، وَإِنْ نَحَرَهُ جَازَ أَكْلُهُ مِنْهُ، وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ، لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ) أَيْ: الْعَاطِبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالضَّالِّ وَالْمَغْصُوبِ (لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَحْرِ بَدَلِهِ أَوْ تَعْيِينِهِ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَهْدَتْ هَدْيَيْنِ، فَأَضَلَّتْهُمَا، فَبَعَثَ إلَيْهَا ابْنَ الزُّبَيْرِ بِهَدْيَيْنِ، فَنَحَرَتْهُمَا، ثُمَّ عَادَ الضَّالَّانِ فَنَحَرَتْهُمَا، وَقَالَتْ: هَذِهِ سُنَّةُ الْهَدْيِ وَلِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِذَبْحِ غَيْرِهِ بَدَلَهُ.