الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِتَابَةِ) ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْمُرْتَدِّ، (لَا إنْ كَذَّبَ يَهُودِيٌّ بِعِيسَى) ، فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّهِ مُوسَى عليه السلام.
[فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
ِ (وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ أَبَى) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (بَذْلَ جِزْيَةٍ، أَوْ) أَبَى (الصَّغَارَ، أَوْ) أَبَى (الْتِزَامَ حُكْمِنَا) ، سَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَوْ لَا، وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِهَا حَاكِمُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قِيلَ: الصَّغَارُ: الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا، (أَوْ قَاتَلَنَا مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ أَهْلِ حَرْبٍ) ، لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمَانِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْقِتَالِ، (أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا) لَا لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا، لِصَيْرُورَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ، (أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ) ، لِمَا " رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ أَرَادَ اسْتَكْرَاهُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ عَلَى الزِّنَا، فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ، فَأَمَرَ بِهِ، فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ".
(وَيَتَّجِهُ) : لَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ زَوْجَتَهُ رَجْعِيًّا، فَأَسْلَمَتْ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَوَطِئَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ، (لَا) يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ بِوَطْئِهِ لَهَا (زَمَنَ عِدَّتِهَا مِنْهُ، وَلَمْ يُسْلِمْ) لِلشُّبْهَةِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَإِنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُقُوعَ طَلَاقٍ قَطُّ، فَشُبْهَتُهُ أَقْوَى مِنْ شُبْهَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا مُتَّجِهٌ. (أَوْ)، أَيْ: وَكَذَا لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ إذَا (لَاطَ بِمُسْلِمٍ) ، وَإِنْ كَانَ اللِّوَاطُ أَفْحَشَ مِنْ الزِّنَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ، وَالطِّبَاعُ تَنْفِرُ مِنْهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ، بَلْ قَالُوا فِي
الْحُدُودِ: إنَّهُ كَالزِّنَا، وَكَذَلِكَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ الشَّافِعِيُّ قَاسَهُ عَلَى الزِّنَا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، (أَوْ أَصَابَهَا)، أَيْ: وَطِئَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَةَ (بِاسْمِ نِكَاحٍ) لَا إنْ أَصَابَهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ عَنْهَا لِلشُّبْهَةِ. (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي زِنَاهُ)، أَيْ: الذِّمِّيِّ مِنْ حَيْثُ نَقْضُ الْعَهْدِ (أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْمُسْلِمِ بَلْ يَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ) ، وَالِاشْتِهَارُ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَفِيهِ شَيْءٌ.
(أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا) ، لِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمُقْتَضَى الذِّمَّةِ مِنْ أَمْنِ جَانِبِهِ (أَوْ تَجَسَّسَ أَوْ آوَى جَاسُوسًا) ، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ، (أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ ذَكَرَ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ)، أَيْ: الْإِسْلَامَ، (أَوْ رَسُولَهُ) صلى الله عليه وسلم (بِسُوءٍ) . (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) ذَكَرَ (نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ) - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، بِسُوءٍ. قَالَ تَعَالَى:{لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] ، وَهَذَا فِي حَقِّ نَبِيِّنَا وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْتَرِفُونَ بِنُبُوَّتِهِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَنْ جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ فَلَا يَظْهَرُ، وَطَائِفَةُ السَّمَارَةِ لَهُمْ حَطٌّ وَتَسَلُّطٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، لَا سِيَّمَا سَيِّدَنَا دَاوُد وَابْنَهُ سُلَيْمَانَ عليهما السلام وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ السُّوءُ مَنْسُوبًا إلَى التَّوْرَاةِ، فَإِنَّ فِيهَا أَنَّ يَهُوذَا ضَاجَعَ ابْنَتَهُ وَلُوطًا ضَاجَعَ ابْنَتَيْهِ، وَهَذَا مِنْ افْتِرَائِهِمْ وَتَبْدِيلِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِذِكْرِهِمْ بِذَلِكَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَذِيَّةٌ لَنَا، وَفِي ضِمْنِهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّنَا، وَهَضْمٌ لِدِينِنَا كَمَا
لَا يَخْفَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(فَإِنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ، فَقَالَ لَهُ: كَذَبْت، قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: يُقْتَلُ، أَوْ)، أَيْ: وَيُنْتَقَضُ عَهْدُ مَنْ (تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ) عَمْدًا. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ ". (وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ (مَعْصُومٍ) ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِقَتْلِ مُرْتَدٍّ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ أَوْ قَاتِلٍ مَعْصُومٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ فَتَنَهُ)، أَيْ: فَتَنَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ (عَنْ دِينِهِ) ، لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَاتَلَهُمْ.
وَ (لَا) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ (بِقَذْفِهِ)، أَيْ: الذِّمِّيُّ مُسْلِمًا، (وَ) لَا بِ (إيذَائِهِ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفِهِ) نَصًّا. كَإِبْطَالِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَطَمَهُ
(وَلَا إنْ أَظْهَرَ) الذِّمِّيُّ (مُنْكَرًا، أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ) ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ، وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ فِيهِ غَضَاضَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا بِسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ.
(وَلَا) يُنْتَقَضُ بِنَقْضِ عَهْدِهِ (عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ) الْبَالِغِينَ الْمَوْجُودِينَ، لِأَنَّ النَّقْضَ وُجِدَ مِنْهُ دُونَهُمْ، فَاخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ، فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ وَلَوْ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ وَوَلَدَتْهُ
بَعْدَ النَّقْضِ، فَإِنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَيُسْبَى، لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأَمَانِ لَهُ وَإِنْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ اخْتَصَّ حُكْمُ النَّقْضِ بِالنَّاقِضِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضُوا لَكِنْ خَافَ مِنْهُمْ النَّقْضَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ، لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ لِحَقِّهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْأَمَانِ وَالْهُدْنَةِ، فَإِنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ)، أَيْ: الْمُنْتَقَضِ عَهْدَهُ. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ نَائِبُهُ) عِنْدَ غَيْبَتِهِ، لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَوْ قَالَ: تُبْت، كَأَسِيرٍ) حَرْبِيٍّ بَيْنَ رِقٍّ وَقَتْلٍ وَمِنْ فِدَاءٍ، لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ قَدَرْنَا عَلَيْهِ بِدَارِنَا بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَلَا عَهْدٍ وَلَا شُبْهَةَ ذَلِكَ، أَشْبَهَ اللِّصَّ الْحَرْبِيَّ، وَمَالُهُ فَيْءٌ، لِأَنَّ الْمَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِمَالِكِهِ حَقِيقَةً وَقَدْ اُنْتُقِضَ عَهْدُ الْمَالِكِ فِي نَفْسِهِ، فَكَذَا فِي مَالِهِ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَمَان مُوَضَّحًا.
(وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ) لِنَقْضِ الْعَهْدِ (إنْ أَسْلَمَ، وَلَوْ كَانَ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم)، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ ".
(وَيَتَّجِهُ) : إنَّمَا يَحْرُمُ قَتْلُ سَابِّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، إنْ كَانَ سَبَّهُ (بِغَيْرِ قَذْفٍ) ، وَأَمَّا قَاذِفُهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ، وَيَأْتِي فِي الْقَذْفِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَكَذَا) يَحْرُمُ (رِقُّهُ)، أَيْ: مَنْ أَسْلَمَ، لِأَنَّهُ عَصَمَ نَفْسَهُ بِإِسْلَامٍ لِلْخَبَرِ، (لَا إنْ رُقَّ قَبْلَ) إسْلَامِهِ، فَلَا يَزُولُ رِقُّهُ بِهِ بَلْ يَسْتَمِرُّ.
وَإِنْ كَانَ عَلَى مَنْ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ جِنَايَاتٌ مِنْ قَتْلٍ وَدِيَةٍ وَدُيُونٍ اُسْتُوْفِيَتْ مِنْهُ، لِأَنَّهَا حُقُوقُ آدَمِيِّينَ،
فَلَا تَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ. (وَقِيلَ: يُقْتَلُ سَابُّهُ) صلى الله عليه وسلم (بِكُلِّ حَالٍ) وَإِنْ أَسْلَمَ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالسَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ، (وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ (وَقَالَ) الشَّيْخُ: (إنْ سَبَّهُ) صلى الله عليه وسلم (حَرْبِيٌّ، ثُمَّ تَابَ بِإِسْلَامِهِ، قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ إجْمَاعًا)، لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ السَّابِقَيْنِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ ": وَالدَّلَالَةُ عَلَى انْتِقَاضِ عَهْدِ الذِّمِّيِّ لِسَبِّهِ اللَّهَ أَوْ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ أَوْ رَسُولَهُ وَوُجُوبِ قَتْلِهِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ إذَا أَتَى بِذَلِكَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَمَّا الْكِتَابُ، فَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعَ، أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] . . . إلَى قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَلَا يَجُوزُ الْإِمْسَاكُ عَنْ قَتْلِهِمْ إلَّا إذَا كَانُوا صَاغِرِينَ حَالَ إعْطَائِهِمْ الْجِزْيَةَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ مِنْ حِينِ بَذْلِهَا وَالْتِزَامِهَا إلَى تَسْلِيمِهَا وَإِقْبَاضِهَا، فَإِنَّهُمْ إذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ وَشَرَعُوا فِي الْإِعْطَاءِ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ إلَى أَنْ يُقْبِضُونَاهَا، فَيَتِمُّ الْإِعْطَاءُ، فَمَتَى لَمْ يَلْتَزِمُوهَا أَوْ الْتَزَمُوهَا أَوَّلًا وَامْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُونُوا مُلْتَزِمِينَ لِلْجِزْيَةِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْطَاءِ لَمْ يُوجَدْ وَإِذَا كَانَ الصَّغَارُ حَالًّا لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ، فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ سَبَّ نَبِيِّنَا فِي وُجُوهِنَا، وَشَتَمَ رَبَّنَا عَلَى رُءُوسِ الْمَلَأِ، وَطَعَنَ فِي دِينِنَا فِي مَجَامِعِنَا، فَلَيْسَ بِصَاغِرٍ، لِأَنَّ الصَّاغِرَ: الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ، وَهَذَا فِعْلُ مُتَعَزِّزٍ مُرَاغِمٍ، بَلْ هَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنْ الْإِذْلَالِ لَنَا وَالْإِهَانَةِ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الصَّغَارُ: الذُّلُّ وَالضَّيْمُ، وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ إظْهَارَ
السَّبِّ وَالشَّتْمِ لِدِينِ الْأُمَّةِ، الَّذِي بِهِ اُكْتُسِبَ شَرَفَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَيْسَ فِعْلُ رَاضٍ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَإِذَا كَانَ قِتَالُهُمْ وَاجِبًا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ يَكُونُوا صَاغِرِينَ، وَلَيْسُوا بِصَاغِرِينَ، كَانَ الْقِتَالُ مَأْمُورًا بِهِ، وَكُلُّ مَنْ أُمِرْنَا بِقِتَالِهِ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّا إذَا كُنَّا مَأْمُورِينَ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نَعْقِدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ بِدُونِهَا، وَلَوْ عُقِدَ لَهُمْ كَانَ ذَلِكَ فَاسِدًا، فَيَبْقَى ذَلِكَ عَلَى الْإِبَاحَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.
(وَقَالَ: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ دِيوَانَ الْمُسْلِمِينَ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ.
(وَقَالَ: إنْ جَهَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللَّهِ) ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، (عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِالْقَتْلِ أَوْ بِمَا دُونَهُ) ، لِإِتْيَانِهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَ (لَا) يُعَاقَبُ بِذَلِكَ (إنْ قَالَهُ سِرًّا) فِي نَفْسِهِ.
(وَإِنْ قَالَ) ذِمِّيٌّ: (هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ الْكِلَابُ أَوْلَادُ الْكِلَابِ إنْ أَرَادَ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عُوقِبَ عُقُوبَةً تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ) عَنْ أَنْ يَعُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّنِيعِ (وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْعُمُومِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ وَوَجَبَ قَتْلُهُ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
(وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ، فَحَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ، ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ فَكَذِمِّيٍّ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ دُونَ ذُرِّيَّتِهِ.
وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ زُنَّارٍ، وَلَا يَشْتَرِيهِ مُسْلِمٌ لَهَا، لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكُفْرِ، وَلَا يَأْذَنُ الْمُسْلِمُ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ أَمَتِهِ كَذَلِكَ أَنْ تَخْرُجَ إلَى عِيدٍ أَوْ تَذْهَبَ إلَى عِيدٍ أَوْ تَذْهَبَ إلَى بَيْعَةٍ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ذَلِكَ.