الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْجِهَادِ]
ُ: مَصْدَرُ: جَاهَدَ جِهَادًا وَمُجَاهَدَةً مِنْ جَهَدَ: إذَا بَالَغَ فِي قَتْلِ عَدُوِّهِ، وَخَتَمَ بِهِ الْعِبَادَاتِ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرِهِ بِهِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ:«مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ» . فَالْجِهَادُ لُغَةً: بَذْلُ الطَّاقَةِ وَالْوُسْعِ، وَشَرْعًا:(قِتَالُ الْكُفَّارِ) خَاصَّةً بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِمْ (وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَإِلَّا أَثِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَالْخِطَابُ فِي ابْتِدَائِهِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ، ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ بِفِعْلِ غَيْرِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ: قَوْله تَعَالَى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاعِدِينَ غَيْرُ آثِمِينَ مَعَ جِهَادِ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ السَّرَايَا وَيُقِيمُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:{إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
نَسَخَهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حِينَ اسْتَنْفَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ كَمَا يَأْتِي وَلِذَلِكَ هَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابَهُ، لَمَّا تَخَلَّفُوا حَتَّى تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (وَهُوَ) أَيْ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ: (مَا قُصِدَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) كَرَدِّ السَّلَامِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ (كَسَتْرِ عَارٍ وَإِشْبَاعِ جَائِعٍ) وَفَكِّ أَسْرٍ عَلَى قَادِرٍ (مَعَ تَعَذُّرِ بَيْتِ الْمَالِ) عَنْ ذَلِكَ، أَوْ تَعَذُّرِ أَخْذِهِ مِنْهُ لِمَنْعٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَ) مِنْ ذَلِكَ (صَنَائِعُ مُبَاحَةٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا غَالِبًا) لِمَصَالِحِ النَّاسِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ (كَخِيَاطَةٍ وَحِدَادَةٍ وَبِنَاءٍ وَزَرْعٍ وَغَرْسٍ) لِأَنَّ أَمْرَ الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ لَا يَنْتَظِمُ إلَّا بِذَلِكَ، فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ أَهْلُهُ بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ كَانَ طَاعَةً، وَإِلَّا فَلَا (وَ) مِنْ ذَلِكَ إقَامَةُ الدَّعْوَةِ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ (كَدَفْعِ شُبَهٍ بِحُجَّةٍ وَسَيْفٍ) لِمَنْ عَانَدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](وَ) مِنْهُ (أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ) وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ بِشَرْطِهِ. وَالْمَعْرُوفُ: كُلُّ مَا أُمِرَ بِهِ بِهِ شَرْعًا، وَالْمُنْكَرُ: كُلُّ مَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَهُ جَزْمًا، وَشَاهَدَهُ وَعَرَفَ مَا يُنْكَرُ، وَلَمْ يَخَفْ أَذًى، قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّوَهُّمِ، فَلَوْ قِيلَ لَهُ: لَا تَأْمُرْ عَلِيًّا بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَقْتُلُك، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْإِرْشَادِ: مِنْ شَرْطِ الْإِنْكَارِ أَنْ يُعْلَمَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى مَفْسَدَةٍ، قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: إذَا أَمَرْت أَوْ نَهَيْت فَلَمْ يَنْتَهِ فَلَا تَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ
لِيُعْدِيَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ خَوْفَ التَّلَفِ، وَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ شَرْطِهِ أَيْضًا رَجَاءُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَعَدَمُ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ، نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَعَلَى النَّاسِ إعَانَةُ الْمُنْكِرِ، وَنَصْرُهُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَأَعْلَاهُ بِالْيَدِ، ثُمَّ بِاللِّسَانِ، ثُمَّ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ. وَمِنْهُ عَمَلُ قَنَاطِرَ وَجُسُورٍ وَأَسْوَارٍ وَمَسَاجِدَ، لِعُمُومِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، وَكَفَتْوَى (وَتَعْلِيمِ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَ) سَائِرِ عُلُومٍ شَرْعِيَّةٍ كَفِقْهٍ وَأُصُولِهِ وَتَفْسِيرٍ وَفَرَائِضَ وَآلَاتِهَا مِنْ (نَحْوِ حِسَابٍ وَلُغَةٍ) وَنَحْوٍ (وَصَرْفٍ) وَكَقِرَاءَةٍ وَطِبٍّ، قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى ذَكَرَ ابْنُ هُبَيْرَةَ أَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهَذَا غَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ عُلُومٍ مُحَرَّمَةٍ كَكَلَامٍ إذَا تَكَلَّمَ فِيهِ بِالْمَعْقُولِ الْمَحْضِ، أَوْ الْمُخَالِفِ لِلْمَنْقُولِ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِالنَّقْلِ فَقَطْ، أَوْ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ الْمُوَافِقِ لَهُ، فَهُوَ أَصْلُ الدِّينِ، وَطَرِيقَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. وَفَلْسَفَةٍ وَشَعْبَذَةٍ وَتَنْجِيمٍ وَضَرْبٍ بِرَمْلٍ وَحَصًى وَشَعِيرٍ وَكِيمْيَاءٍ (وَعُلُومِ طَبَائِعَ وَسِحْرٍ) وَطَلْسَمَاتٍ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا وَتَلْبِيسَاتٍ، وَحِسَابِ اسْمِ الشَّخْصِ وَاسْمِ أُمِّهِ بِالْجُمَلِ، وَأَنَّ طَالِعَهُ كَذَا وَنَجْمَ كَذَا، وَالْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ بِفَقْرٍ أَوْ غِنًى، وَعِلْمِ اخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَنِسْبَتُهُ لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَذِبٌ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَكَالدَّلَائِلِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْأَحْوَالِ السُّفْلِيَّةِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ فِي كُتُبِ الْأَحْكَامِ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّمُ وَتَعْلِيمُ عِلْمِ نُجُومٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جِهَةٍ وَقِبْلَةٍ وَوَقْتٍ وَمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ كَوَاكِبَ لِأَجْلِ ذَلِكَ (مُسْتَحَبٌّ) كَالْأَدَبِ، وَقَدْ يَجِبُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَخَفِيَتْ الْقِبْلَةُ.
(وَكُرِهَ مَنْطِقٌ مَا لَمْ يُخَفْ فَسَادُ عَقِيدَتِهِ) فَإِنْ خِيفَ حَرُمَ (وَأَشْعَارٌ تَشْتَمِلُ عَلَى غَزْلٍ وَبَطَالَةٍ، وَيُبَاحُ مِنْهَا مَا لَا سُخْفَ فِيهِ غَيْرُ مُنَشِّطٍ عَلَى شَرٍّ، وَمُثَبِّطٍ عَنْ خَيْرٍ) إذْ الشِّعْرُ كَالْكَلَامِ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ، فَيَحْرُمُ مِنْهُ مَا كَانَ هُجْرًا أَوْ فُحْشًا أَوْ تَشْبِيبًا بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ بِأَمْرَدَ أَوْ خَمْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِطْنَابًا فِي مَدْحِ النَّاسِ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَبِفِسْقٍ بِذَلِكَ، وَيُبَاحُ إنْ كَانَ حِكَمًا وَأَدَبًا أَوْ مَوَاعِظَ وَأَمْثَالًا أَوْ لُغَةً يُسْتَشْهَدُ بِهَا عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَوْ مَدِيحًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ لِلنَّاسِ بِمَا لَا كَذِبَ فِيهِ (وَأُبِيحَ عِلْمُ هَيْئَةٍ وَهَنْدَسَةٍ وَعَرُوضٍ) وَقَوَافِي (وَمَعَانٍ وَبَيَانٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: لَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ، إذْ هُوَ كَالنَّحْوِ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى نِكَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
(وَسُنَّ جِهَادٌ بِتَأَكُّدٍ مَعَ قِيَامِ مَنْ يَكْفِي بِهِ) لِلْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَمَعْنَى الْكِفَايَةِ هُنَا: نُهُوضُ قَوْمٍ يَكْفُونَ فِي قِتَالِهِمْ، جُنْدًا كَانَ لَهُمْ دَوَاوِينُ، أَوْ أَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ تَبَرُّعًا، بِحَيْثُ إذَا قَصَدَهُمْ الْعَدُوُّ حَصَلَتْ الْمَنَعَةُ بِهِمْ، يَكُونُ بِالثُّغُورِ مَنْ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ عَنْ أَهْلِهَا، وَيَبْعَثُ الْإِمَامُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَيْشًا يُغِيرُونَ عَلَى الْعَدُوِّ فِي بِلَادِهِمْ.
(وَلَا يَجِبُ) جِهَادٌ (إلَّا عَلَى ذَكَرٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ، فَقَالَ: عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَلِضَعْفِ الْمَرْأَةِ وَخُورِهَا، بِضَمِّ الْخَاءِ: الرَّيْبُ فَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى خُنْثَى مُشْكِلٍ، لِلشَّكِّ فِي شَرْطِهِ (مُسْلِمٌ) كَسَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ (مُكَلَّفٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ، وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ، لِحَدِيثِ:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» (حُرٍّ) ، فَلَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَايِعُ الْحُرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ، وَيُبَايِعُ الْعَبْدَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الْجِهَادِ.
(صَحِيحٍ) أَيْ: سَلِيمٍ مِنْ الْعَمَى وَالْعَرَجِ وَالْمَرَضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] وَكَذَا لَا يَلْزَمُ أَشَلَّ، وَلَا أَقْطَعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَلَا مَنْ أَكْثَرُ أَصَابِعِهِ ذَاهِبَةٌ أَوْ إبْهَامِهِ، أَوْ مَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ بِهِ نَفْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ (وَلَوْ) كَانَ الصَّحِيحُ (أَعْشَى) أَيْ: ضَعِيفَ الْبَصَرِ (أَوْ) كَانَ (مَرِيضًا مَرَضًا يَسِيرًا) لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْجِهَادِ (كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ خَفِيفَيْنِ) وَنَحْوِهِمَا كَالْعَوَرِ.
(وَلَا) يُمْنَعُ مِنْ خُرُوجٍ (أَعْمَى - وَاجِدٌ بِمِلْكٍ أَوْ) وَاجِدٌ (بِبَذْلِ إمَامٍ مَا يَكْفِيهِ) وَيَكْفِي (أَهْلَهُ فِي غَيْبَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] الْآيَةَ. (وَ) أَنْ يَجِدَ (مَعَ) بُعْدِ مَحَلِّ جِهَادٍ (مَسَافَةِ قَصْرِ) فَأَكْثَرَ مِنْ بَلَدِهِ (مَا يَحْمِلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92] الْآيَةَ.
وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَفْضُلَ ذَلِكَ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَحَوَائِجِهِ كَحَجٍّ، وَإِنْ بَذَلَ لَهُ غَيْرُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ مَا يُجَاهِدُ بِهِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَطِيعًا.
(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَالْأَمْرُ بِالْجِهَادِ) يَعْنِي: الْجِهَادَ الْمَأْمُورَ بِهِ (مِنْهُ مَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ) كَالْعَزْمِ عَلَيْهِ (وَالدَّعْوَةِ) إلَى الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعه (وَالْحُجَّةِ) أَيْ إقَامَتِهَا عَلَى الْمُبْطِلِ (وَالْبَيَانِ) أَيْ: بَيَانِ الْحَقِّ، وَإِزَالَةِ الشُّبَهِ (وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ) فِيمَا فِيهِ نَفْعُ الْمُسْلِمِينَ (وَالْبَدَنِ) أَيْ: الْقِتَالِ بِنَفْسِهِ (فَيَجِبُ) الْجِهَادُ (بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ) مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: وَمِنْهُ: هَجْوُ الْكُفَّارِ،
كَمَا كَانَ حَسَّانٌ رضي الله عنه، يَهْجُو أَعْدَاءَهُ صلى الله عليه وسلم.
(وَسُنَّ تَشْيِيعُ غَازٍ) نَصًّا، لِأَنَّ عَلِيًّا شَيَّعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَلَمْ يَتَلَقَّهُ. وَرُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ شَيَّعَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الشَّامِ، وَيَزِيدُ رَاكِبٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يَمْشِي، فَقَالَ لَهُ: مَا تُرِيدُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ إمَّا أَنْ تَرْكَبَ، وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ أَنَا فَأَمْشِي مَعَك، فَقَالَ: لَا أَرْكَبُ، وَلَا تَنْزِلُ إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» .
وَ (لَا) يُسْتَحَبُّ (تَلَقِّيه) أَيْ: الْغَازِي، لِأَنَّهُ تَهْنِئَةٌ لَهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الشَّهَادَةِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ حَجٌّ، وَأَنَّهُ يَقْصِدُهُ لِلسَّلَامِ.
(وَذَكَرَ) أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ (اسْتِحْبَابَ تَشْيِيعِ الْحَاجِّ وَوَدَاعِهِ وَمَسْأَلَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ) وَشَيَّعَ أَحْمَدُ أُمَّهُ بِالْحَجِّ (وَفِي الْفُنُونِ تَحْسُنُ تَهْنِئَةٌ بِقُدُومِ مُسَافِرٍ، كَمَرِيضٍ) تَحْسُنُ تَهْنِئَةُ كُلٍّ بِسَلَامَتِهِ (وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ) لِأَبِي الْمَعَالِي أَسْعَدَ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَجِيهُ الدِّينِ بْنُ الْمُنَجَّى:(تُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ قَادِمٍ وَمُعَانَقَتُهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ) وَنَقَلَ الْإِمَامُ فِي حَجٍّ: لَا، إلَّا إنْ كَانَ قَصَدَهُ، أَوْ ذَا عِلْمٍ أَوْ هَاشِمِيًّا، أَوْ يُخَافُ شَرُّهُ، وَنَقَلَ ابْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمَا: اُكْتُبَا لِي اسْمَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْنَا مِمَّنْ حَجَّ حَتَّى إذَا قَدِمَ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، قَالَ الْقَاضِي: جَعَلَهُ مُقَابَلَةً، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ أَنْ يَبْدَأَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَحْمُولٌ عَلَى صِيَانَةِ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْكِبْرِ.
(وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ جِهَادٌ) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي (كُلِّ عَامٍ مَرَّةً) لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَرَّةً فِي الْعَامِ، وَهِيَ بَدَلُ النُّصْرَةِ فَكَذَا مُبْدِلُهَا (إلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ) لِتَأْخِيرِهِ (كَضَعْفِنَا) مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عَدَدٍ أَوْ عِدَّةٍ، أَوْ قِلَّةِ عَلَفٍ أَوْ مَاءٍ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ انْتِظَارِ مَدَدٍ نَسْتَعِينُ
بِهِ، فَيَجُوزُ تَرْكُهُ بِهُدْنَةٍ وَبِغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ، وَأَخَّرَ قِتَالَهُمْ حَتَّى نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَأَخَّرَ قِتَالَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ بِغَيْرِ هُدْنَةٍ (وَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ لِقِتَالٍ) أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ (فِي عَامٍ وَجَبَ) لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَوَجَبَ مِنْهُ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ (وَنُسِخَ تَحْرِيمُ الْقِتَالِ بِأَشْهُرٍ حُرُمٍ) وَهِيَ رَجَبٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَمُحَرَّمٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وبِغَزْوِهِ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ هَذَا الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَ فِي الْهَدْيِ لَا، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ تَمَامِ غَزْوَةِ هَوَازِنَ، وَهُمْ بَدَءُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِتَالِ، قَالَ: وَيَجُوزُ الْقِتَالُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ دَفْعًا إجْمَاعًا. (وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ) تَعَيَّنَ عَلَيْهِ (أَوْ حُصِرَ) هُوَ (أَوْ) حُصِرَ (بَلَدُهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وَقَوْلُهُ: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15](أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) فِي الْقِتَالِ وَلَوْ بَعْدَ تَعَيُّنٍ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (أَوْ اسْتَنْفَرَهُ) أَيْ: طَلَبَهُ لِلْخُرُوجِ لِلْقِتَالِ (مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ) مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ (تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) الْقِتَالُ (حَيْثُ لَا عُذْرَ) لَهُ (وَلَوْ عَبْدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة: 38] : وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَا يُنْفَرُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ) لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ وَغَيْرِهَا نَصًّا (وَلَوْ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَ) النَّفِيرِ وَ (الْعَدُوُّ