الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ إذَا جَاءَ قَالَ: يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ: طَائِرٌ صَغِيرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَلَا جَزَاءَ فِيمَا حَرُمَ مِنْ نَحْوِ صَيْدٍ وَشَجَرٍ) وَحَشِيشٍ، قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَكَمُوا فِيهِ بِجَزَاءٍ، لِجَوَازِ دُخُولِهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَلِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِأَدَاءِ النُّسُكِ وَذَبْحِ الْهَدَايَا، فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الضَّمَانُ، وَلَا مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُهُ.
(وَحَرَمُهَا: بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ) نَصًّا، وَهُوَ:(مَا بَيْنَ ثَوْرٍ: جَبَلٌ صَغِيرٌ يَمِيلُ) لَوْنُهُ (إلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ)، أَيْ: الِاسْتِطَالَةِ فِيهِ، وَهُوَ (خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَعَيْرٌ)، وَهُوَ:(جَبَلٌ مَشْهُورٌ بِهَا)، أَيْ: بِالْمَدِينَةِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا:«حَرَمُ الْمَدِينَةِ: مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إلَى عَيْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَذَلِكَ) أَيْ: الْحَدُّ الْمَذْكُورُ: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاللَّابَةُ: الْحَرَّةُ، وَهِيَ: أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ.
(وَ «جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَالْحِمَى: الْمَكَانُ الْمَمْنُوعُ مِنْ الرَّعْيِ.
[بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَغَيْرِهِ]
(يُسَنُّ) دُخُولُهَا (نَهَارًا) ، لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام، (مِنْ أَعْلَاهَا)، أَيْ: مَكَّةَ، (مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ، مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، مَصْرُوفٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمَطَالِعِ " وَيُعْرَفُ الْآنَ بِبَابِ الْمُصَلَّى.
(وَ) سُنَّ خُرُوجٌ مِنْ مَكَّةَ (مِنْ أَسْفَلِهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كُدَيٍّ) بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّنْوِينِ، عِنْدَ ذِي طَوَى، بِقُرْبِ شِعْبِ الشَّامِيِّينَ.
(وَ) سُنَّ
(دُخُولُ الْمَسْجِدِ) الْحَرَمِ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) ، وَبِإِزَائِهِ الْبَابُ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ ارْتِفَاعَ الضُّحَى، وَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ عَنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، ثُمَّ دَخَلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ.
قَالَ فِي " أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ ": يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهِ: بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، وَمِنْ اللَّهِ، وَإِلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك.
(فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ)، أَيْ: عَلِمَ بِهِ، يَشْمَلُ الْأَعْمَى، وَمَنْ فِي ظُلْمَةٍ (رَفَعَ يَدَيْهِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَأَى الْبَيْتَ، رَفَعَ يَدَيْهِ» وَقَوْلُ جَابِرٍ: " مَا كُنْت أَظُنُّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا إلَّا الْيَهُودَ ". الْحَدِيثَ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
رُدَّ بِأَنَّهُ قَوْلُ جَابِرٍ عَنْ ظَنِّهِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ.
(وَقَالَ) بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ: (" اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْك السَّلَامُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ،) كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ ذَلِكَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ. وَالسَّلَامُ الْأَوَّلُ: اسْمُ اللَّهِ، وَالثَّانِي، مَنْ: أَكْرَمْته بِالسَّلَامِ، وَالثَّالِثُ: السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ.
(اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَعْظِيمًا)، أَيْ: تَبْجِيلًا، (وَتَشْرِيفًا)، أَيْ: رِفْعَةً وَعُلَا، (وَتَكْرِيمًا) : تَفْضِيلًا، (وَمَهَابَةً) : تَوْقِيرًا، وَإِجْلَالًا، (وَبِرًّا) بِكَسْرِ الْبَاءِ: هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، (وَزِدْ مَنْ عَظَّمَهُ وَشَرَّفَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا، وَمَهَابَةً وَبِرًّا) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَرْفُوعًا.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ عِزِّ جَلَالِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إنَّك دَعَوْت إلَى حَجِّ بَيْتِك الْحَرَامِ) ، سُمِّيَ بِهِ لِانْتِشَارِ حُرْمَتِهِ، وَأُرِيدَ بِتَحْرِيمِهِ سَائِرُ الْحَرَمِ، (وَقَدْ جِئْتُك لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ) ، ذَكَرَهُ الْأَثْرَمُ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ.
قَالَ فِي " الْفُرُوعِ: «وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَى
مَا يُحِبُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ» «وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ» (وَيَرْفَعُ رَجُلٌ بِذَلِكَ) الدُّعَاءِ (صَوْتَهُ) كَالتَّلْبِيَةِ، (وَمَا زَادَ مِنْ الدُّعَاءِ فَحَسَنٌ) ، لِأَنَّ تِلْكَ الْبِقَاعَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ، (وَيَدْنُو مِنْ الْكَعْبَةِ بِخُضُوعٍ وَخُشُوعٍ) ، لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ، (ثُمَّ يَطُوفُ ابْتِدَاءً)، أَيْ: قَبْلَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، (نَدْبًا)
(وَهُوَ)، أَيْ: الطَّوَافُ: (تَحِيَّةُ الْكَعْبَةِ، وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ: الصَّلَاةُ، وَتُجْزِئُ عَنْهَا)، أَيْ: عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (رَكْعَتَاهُ)، أَيْ: الطَّوَافُ (بَعْدَهُ) ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّوَافُ، لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ، وَهَذَا تَفْصِيلُهُ.
(فَإِنْ أُقِيمَتْ) صَلَاةٌ (مَكْتُوبَةٌ، أَوْ ذَكَرَ) فَرِيضَةً (فَائِتَةً، أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ، قَدَّمَهَا) عَلَى الطَّوَافِ، لِاتِّسَاعِ وَقْتِهِ، وَأَمْنِ فَوَاتِهِ.
(وَيَنْوِي مُتَمَتِّعٌ بِطَوَافِهِ الْعُمْرَةَ، وَهُوَ)، أَيْ: الطَّوَافُ، (رُكْنٌ) مِنْ أَرْكَانِهَا.
(وَ) يَنْوِي (مُفْرِدٌ) بِطَوَافِهِ الْقُدُومَ، (وَ) كَذَا يَنْوِي (قَارِنٌ) بِطَوَافِهِ (الْقُدُومَ، وَهُوَ: الْوُرُودُ، وَهُوَ سُنَّةٌ) فَتُسْتَحَبُّ الْبَدَاءَةَ بِهِ، (وَيَضْطَبِعُ بِرِدَائِهِ) اسْتِحْبَابًا، (غَيْرَ حَامِلِ مَعْذُورٍ فِي كُلِّ أُسْبُوعِهِ) نَصًّا، وَإِنَّمَا شُرِعَ الِاضْطِبَاعُ فِي هَذَا الطَّوَافِ (فَقَطْ) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُوا مِنْ الْجِعْرَانَةِ، فَرَمَلُوا فِي الْبَيْتِ، وَجَعَلُوا أَرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، ثُمَّ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمْ الْيُسْرَى» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَأَشَارَ إلَى صِفَةِ الِاضْطِبَاعِ بِقَوْلِهِ:(فَيَجْعَلُ مِنْ وَسَطِهِ)، أَيْ: الرِّدَاءِ، (تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَ) يَجْعَلُ (طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ) ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ مُضْطَبِعًا» ، (وَيَبْتَدِئُ طَوَافَهُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) ، لِبُدَاءَتِهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ، وَقَوْلِهِ:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَهُوَ جِهَةُ الْمَشْرِقِ، فَيُحَاذِيهِ)، أَيْ: الْحَجَرِ، (أَوْ) يُحَاذِي (بَعْضَهُ بِكُلِّ بَدَنِهِ) ، بِأَنْ
يَقِفَ مُقَابِلَ الْحَجَرِ حَتَّى يَكُونَ مُبْصِرًا لِضِلْعَيْ الْبَيْتِ الَّذِي عَنْ أَيْمَنِ الْحَجَرِ وَأَيْسَرِهِ، وَهَذَا احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَقِفَ فِي ضِلْعِ الْبَابِ وَيَسْتَلِمَهُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ مُحَاذِيًا لَهُ بِبَدَنِهِ كُلِّهِ، فَمَتَى رَأَى الضِّلْعَ الْآخَرَ فَقَدْ حَاذَاهُ بِكُلِّ بَدَنِهِ (وَيَسْتَلِمَهُ)، أَيْ: يَمْسَحُ الْحَجَرَ (بِيَدِهِ الْيُمْنَى) ، لِقَوْلِ جَابِرٍ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ، فَاسْتَلَمَهُ.» . الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالِاسْتِلَامُ: مِنْ السَّلَامِ، وَهُوَ: التَّحِيَّةُ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ: الْمُحَيَّا، لِأَنَّ النَّاسَ يُحَيُّونَهُ بِالِاسْتِلَامِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " لَمَّا أَخَذَ اللَّهُ، عز وجل، الْمِيثَاقَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، كَتَبَ كِتَابًا فَأَلْقَمَهُ الْحَجَرَ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِ بِالْوَفَاءِ وَعَلَى الْكَافِرِ بِالْجُحُودِ ".
(وَيُقَبِّلُهُ بِلَا صَوْتٍ يَظْهَرُ لِلْقُبْلَةِ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ يَبْكِي طَوِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتَ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا عُمَرُ، هَهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَيَسْجُدُ)، أَيْ: يُمَرِّغُ الرَّجُلُ وَجْهَهُ (عَلَيْهِ) ، فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وابْنُ عَبَّاسٍ، (فَإِنْ شَقَّ) اسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُهُ لِنَحْوِ زِحَامٍ، (لَمْ يُزَاحِمْ، وَاسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ وَقَبَّلَهَا) ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(فَإِنْ شَقَّ) اسْتِلَامُهُ بِيَدِهِ، (فَ) إنَّهُ يَسْتَلِمُهُ (بِشَيْءٍ، وَيُقَبِّلُهُ)، أَيْ: مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، (فَإِنْ شَقَّ) عَلَيْهِ اسْتِلَامُهُ أَيْضًا بِشَيْءٍ، (أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ) ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرٍ، فَلَمَّا أَتَى الْحَجَرَ، أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ،
وَكَبَّرَ» ، (وَلَا يُقَبِّلُهُ)، أَيْ: مَا أَشَارَ بِهِ إلَيْهِ، (وَاسْتَقْبَلَهُ) ، أَيْ الْحَجَرَ، إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ، (بِوَجْهِهِ، وَقَالَ " بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُ ذَلِكَ كُلَّ مَا اسْتَلَمَهُ)
لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ، (وَزَادَ جَمَاعَةٌ) كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى الْأَوَّلِ:(" اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَجَرُ مَوْجُودًا) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ؛ (وَقَفَ مُقَابِلًا لِمَكَانِهِ) ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ إذَا هُدِمَتْ، (وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ وَقَبَّلَهُ، فَإِنْ شَقَّ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ)، لِحَدِيثِ:«إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
(وَيَقْرَبُ طَائِفٌ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ لِلْبَيْتِ، وَشُرِطَ جَعْلُهُ عَنْ يَسَارِهِ)، لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام مَعَ قَوْلِهِ:«لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (فَأَوَّلُ رُكْنٍ يَمُرُّ بِهِ)، الطَّائِفُ (يُسَمَّى: الشَّامِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ، وَهُوَ) : الرُّكْنُ (جِهَةُ الشَّامِ، ثُمَّ يَلِيهِ الرُّكْنُ الْغَرْبِيُّ وَالشَّامِيُّ، وَهُوَ: جِهَةُ الْمَغْرِب، ثُمَّ الْيَمَانِيُّ: جِهَةُ الْيَمَنِ، فَيَسْتَلِمَهُ إذَا أَتَى عَلَيْهِ وَلَا يُقَبِّلَهُ) .
وَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ اسْتَلَمَهُ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا لَا يَصِحُّ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ التَّقْبِيلُ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
(ثُمَّ كُلَّمَا حَاذَى) طَائِفٌ (الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، اسْتَلَمَهَا) نَدْبًا، لِحَدِيثِ ابْن عُمَرَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ، الرُّكْنَ الْيَمَانِي، وَالْحَجَرَ فِي طَوَافِهِ» قَالَ نَافِعٌ: " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
لَكِنْ لَا يُقَبِّلُ إلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ (أَوْ أَشَارَ إلَيْهِمَا)، أَيْ: الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إنْ شَقَّ اسْتِلَامُهُمَا.
وَ (لَا) يُسَنُّ اسْتِلَامُ
الرُّكْنِ (الشَّامِيِّ) ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَوَّلُ رُكْنٍ يَمُرُّ بِهِ، (وَ) لَا اسْتِلَامُ الرُّكْنِ (الْغَرْبِيِّ) وَهُوَ: مَا يَلِي الشَّامِيَّ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ:«لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا أَرَاهُ - يَعْنِي: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
يَسْتَلِمُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ، وَلَا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ إلَّا لِذَلِكَ. " وَطَافَ مُعَاوِيَةُ، فَجَعَلَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقَتْ ".
(وَ) لَا يُسَنُّ (تَقْبِيلُ الْمَقَامِ وَ) لَا (مَسْحُهُ وَلَا) تَقْبِيلُ وَمَسْحُ (مَسَاجِدَ وَ) لَا (قُبُورٍ) ؛ فِيهَا أَنْبِيَاءٌ أَوْ صَالِحُونَ (وَ) لَا تَقْبِيلُ وَمَسْحُ (صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَلَا غَيْرِهَا، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ، بَلْ هَذَا أَوْلَى
(وَيَقُولُ) طَائِفٌ (كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ ": (اللَّهُ أَكْبَرُ) فَقَطْ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«طَافَ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ بِيَدِهِ وَكَبَّرَ» ، (وَ) يَقُولُ (بَيْنَهُ)، أَيْ: الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (وَبَيْنَ) الرُّكْنِ (الْيَمَانِيِّ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ فِي الْمَنَاسِكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«وَحَلَّ بِهِ - يَعْنِي: الرُّكْنَ الْيَمَانِي - سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، قَالُوا: آمِينَ» ، (وَيَقُولُ فِي بَقِيَّةِ طَوَافِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الْأَقْوَمَ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ
الْأَكْرَمُ) ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُولُ:" رَبِّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي ".
وَعَنْ عُرْوَةَ: " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَ مَا أَمَتّ "(وَيَذْكُرُ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدَعُ. . . " الْحَدِيثَ.
إلَّا ذِكْرًا وَقِرَاءَةً أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، لِحَدِيثِ:«الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، فَمَنْ تَكَلَّمَ، فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ»
(وَسُنَّ قِرَاءَةٌ فِيهِ)، أَيْ: الطَّوَافِ نَصًّا، لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الذِّكْرِ، لَا الْجَهْرُ بِهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَالَ أَيْضًا: جِنْسُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ.
(وَلَا تُزَاحِمُ امْرَأَةٌ رِجَالًا، لِتَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، وَلَا تُشِيرُ إلَيْهِ) بِيَدِهَا، قَالَ عَطَاءٌ:" كَانَتْ عَائِشَةَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْك، وَأَبَتْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمَعْنَى انْطَلِقِي عَنْك: انْطَلِقِي، وَاتْرُكِي الِاسْتِلَامَ عَنْك.
(وَالْأَوْلَى لَهَا تَأْخِيرُ طَوَافٍ إلَى اللَّيْلِ) ، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (إنْ أَمِنَتْ نَحْوَ حَيْضٍ) ، كَنِفَاسٍ وَفَوْتِ رُفْقَةٍ.
(وَسُنَّ أَنْ يَرْمُلَ مَاشٍ غَيْرَ حَامِلِ مَعْذُورٍ، وَ) غَيْرَ نِسَاءٍ، وَغَيْرَ (مُحْرِمٍ مِنْ مَكَّةَ أَوْ) مِنْ (قُرْبِهَا) ، فَلَا يُسَنُّ لَهُمْ الرَّمَلُ، فَالرَّمَلُ هُوَ: أَنْ (يَسْرُعَ الْمَشْيَ، وَيُقَارِبَ الْخَطَأَ فِي ثَلَاثِ طَوْفَاتٍ أُوَلٍ مِنْ غَيْرِ وَثْبٍ)، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«رَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي عُمَرِهِ كُلِّهَا، وَفِي حَجِّهِ» ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَالْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ "، رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعَةَ) أَشْوَاطٍ (بِلَا رَمَلٍ) ، لِلْأَخْبَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، (وَلَا يُقْضَى فِيهَا)، أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَشْوَاطِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا فِي طَوَافٍ غَيْرِ هَذَا (رَمَلٌ) ، وَلَا اضْطِبَاعٌ (فَاتَ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ.
(وَالرَّمَلُ) مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْبَيْتِ (أَوْلَى مِنْ الدُّنُوِّ لِلْبَيْتِ) بِدُونِهِ، لِعَدَمِ
تَمَكُّنِهِ مِنْهُ مَعَ الْقُرْبِ لِلزِّحَامِ، لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا أَوْ زَمَانِهَا، (وَالتَّأْخِيرُ)، أَيْ: تَأْخِيرُ الطَّوَافِ حَتَّى يَزُولَ الزِّحَامُ (لَهُ)، أَيْ: لِأَجْلِ الرَّمَلِ، (وَلِلدُّنُوِّ) مِنْ الْبَيْتِ، (أَوْلَى) مِنْ تَقْدِيمِهِ مَعَ فَوَاتِ الرَّمَلِ، أَوْ الدُّنُوِّ أَوْ فَوَاتِ أَحَدِهِمَا، لِيَأْتِيَ بِالطَّوَافِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّمَلِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْبَيْتِ، لِقُوَّةِ الزِّحَامِ، فَالدُّنُوُّ مِنْهُ أَوْلَى، وَيَطُوفُ مَعَ الزِّحَامِ كَيْفَمَا أَمْكَنَهُ، بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا، فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً، رَمَلَ فِيهَا مَا دَامَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ.
(وَلَا يُسَنُّ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ) ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا رَمَلُوا وَاضْطَبَعُوا فِيهِ.
(وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، لَمْ يُجْزِئْهُ) طَوَافُهُ كَذَلِكَ، (إلَّا) إنْ كَانَ رُكُوبُهُ أَوْ حَمْلُهُ (لِعُذْرٍ) ، لِحَدِيثِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَالصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَاكِبًا لِعُذْرٍ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْبُيُوتِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ، رَكِبَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَلَا يُجْزِئُ) الطَّوَافُ (عَنْ حَامِلِهِ)، أَيْ: الْمَعْذُورِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا الْفِعْلُ وَهُوَ وَاحِدٌ، فَلَا يَقَعُ عَنْ اثْنَيْنِ، وَوُقُوعُهُ عَنْ الْمَحْمُولِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ إلَّا لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْحَامِلِ، (إلَّا إنْ نَوَى) حَامِلُ الطَّوَافِ (وَحْدَهُ)، أَيْ: دُونَ الْمَحْمُولِ، (أَوْ نَوَيَا)، أَيْ: الْحَامِلُ وَالْمَحْمُولُ.
(جَمِيعًا) الطَّوَافَ (عَنْهُ)، أَيْ: الْحَامِلِ، فَيُجْزِئُ عَنْهُ، لِخُلُوصِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا لِلْحَامِلِ، (فَإِنْ نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا) الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ، (صَحَّ لِمَحْمُولٍ فَقَطْ) ، لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ أَدَّى
بِهَا الْحَامِلُ فَرْضَ غَيْرِهِ، فَلَمْ تَقَعْ عَنْ فَرْضِهِ، كَالصَّلَاةِ، وَصِحَّةُ أَخْذِ الْحَامِلِ عَنْ الْمَحْمُولِ الْأُجْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَصْدُهُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهُ بِهِ عَنْ شَيْءٍ يَقَعُ لِنَفْسِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
(فَإِنْ نَوَى أَحَدُهُمَا) الطَّوَافَ عَنْ (نَفْسِهِ، وَالْآخَرُ لَمْ يَنْوِ، صَحَّ) الطَّوَافُ (لِنَاوٍ) لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (فَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا، أَوْ نَوَى كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، لَمْ يَصِحَّ) الطَّوَافُ (لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) ، لِخُلُوِّ طَوَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ نِيَّةٍ مِنْهُ.
(وَ) حُكْمُ (سَعْيٍ رَاكِبًا كَطَوَافٍ) رَاكِبًا نَصًّا، فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا لِعُذْرٍ، (وَإِنْ طَافَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ لَا) عَلَى سَطْحِ (الْبَيْتِ) ، تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ، كَصَلَاتِهِ إلَيْهَا، (أَوْ قَصَدَ فِي طَوَافِهِ غَرِيمًا، وَقَصَدَ مَعَهُ طَوَافًا بِنِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ)، أَيْ: مُقَارَنَةً لِلطَّوَافِ (لَا حُكْمِيَّةً، تَوَجَّهَ الْإِجْزَاءُ) فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمْ.
وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ كَعَاطِسٍ قَصَدَ بِحَمْدِهِ قِرَاءَةً، (قَالَهُ فِي " الْفُرُوعِ ") .
وَالنِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ: أَنْ يَنْوِيَهُ قَبْلُ، وَيَسْتَمِرَّ حُكْمُهَا، وَهِيَ مَعْنَى اسْتِصْحَابِ حُكْمِهَا، ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ.
(وَيُجْزِئُ) طَوَافٌ (فِي الْمَسْجِدِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ) نَحْوِ قُبَّةٍ، وَ (لَا) يُجْزِئُ طَوَافُهُ (خَارِجَهُ)، أَيْ: الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ (أَوْ مَنْسَكًا) ، بِأَنْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَطَافَ، لَمْ يُجْزِئْهُ، (أَوْ) طَافَ (مُتَقَهْقِرًا) ، بِأَنْ جَعَلَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى، فَلَا يُجْزِئُهُ، لِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَهُ صلى الله عليه وسلم (أَوْ) طَافَ (عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَهُوَ: الْقَدْرُ الَّذِي تُرِكَ خَارِجًا عَنْ عَرْضِ الْجِدَارِ، مُرْتَفِعًا عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، فَلَا يُجْزِئُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَالْحِجْرُ مِنْهُ،
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «هُوَ مِنْ الْبَيْتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(أَوْ) طَافَ عَلَى (شَاذَرْوَانَ الْكَعْبَةِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، (وَهُوَ: مَا فَضَلَ مِنْ جِدَارِهَا) ، فَلَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ، فَإِنْ لَمْ يَطُفْ بِهِ، لَمْ يَطُفْ بِكُلِّ الْبَيْتِ، وَإِنْ مَسَّ الْجِدَارَ بِيَدِهِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ، صَحَّ طَوَافُهُ، (أَوْ) طَافَ طَوَافًا (نَاقِصًا، وَلَوْ) نَقْصًا (يَسِيرًا) ، فَلَا يُجْزِئُهُ لِمَا، تَقَدَّمَ، «وَقَدْ طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَالشَّاذَرْوَانُ: مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ» ، (أَوْ) طَافَ (بِلَا نِيَّةٍ) ، لَمْ يُجْزِئْهُ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكَالصَّلَاةِ، (أَوْ) طَافَ (عُرْيَانَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ بِالْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ، يُؤَذِّنُ: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(أَوْ) طَافَ (مُحْدِثًا) أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ، (أَوْ) طَافَ (نَجِسًا) ، لِحَدِيثِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، إلَّا أَنَّكُمْ، تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ» (فَيَلْزَمُ النَّاسَ انْتِظَارُ حَائِضٍ) إنْ أَمْكَنَ لَا نُفَسَاءَ، لِطُولِ مُدَّتِهَا.
(وَيُسَنُّ فِعْلُ بَقِيَّةِ الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا) مِنْ سَعْيٍ وَوُقُوفٍ وَرَمْيٍ، وَغَيْرِهَا (مُتَطَهِّرًا) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ.
(وَيَتَّجِهُ) بِ (احْتِمَالٍ) مِنْهُ (عَدَمُ الصِّحَّةِ)، أَيْ: عَدَمُ صِحَّةِ الطَّوَافِ، (بِحَرِيرٍ وَمَغْصُوبٍ) إذَا كَانَا سَاتِرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، لِمَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ، قِيَاسًا عَلَيْهَا إذْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ بِمُبَاحٍ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي إبَاحَةِ النُّطْقِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا: (أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ) حَالَ كَوْنِهِ (طَائِفًا، لَا يَضُرُّ) ذَلِكَ فِي طَوَافِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ
الْمُبَالَاةِ فِي الْعِبَادَةِ، أَفَادَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ "، وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَيَصِحُّ) الطَّوَافُ (فِيمَا لَا يَحِلُّ لِمُحْرِمٍ لُبْسُهُ) كَذَكَرٍ فِي مَخِيطٍ أَوْ مُطَيَّبٍ، لِعَوْدِ النَّهْيِ لِخَارِجٍ (وَيَفْدِي) طَائِفٌ (عَامِدٌ) لِفِعْلِ الْمَحْظُورِ، (وَيَبْتَدِئُ) الطَّوَافَ (لِحَدَثٍ فِيهِ) تَعَمَّدَهُ أَوْ سَبَقَهُ بَعْدَ أَنْ يَتَطَهَّرَ كَالصَّلَاةِ، (وَ) يَبْتَدِئُهُ (لِقَطْعٍ طَوِيلٍ) عُرْفًا، لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ شَرْطٌ فِيهِ كَالصَّلَاةِ، «وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَالَى طَوَافَهُ، وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَإِنْ كَانَ) قَطْعُهُ (يَسِيرًا، أَوْ أُقِيمَتْ
صَلَاةٌ) وَهُوَ فِي الطَّوَافِ.
(وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي أُقِيمَتْ نَافِلَةً (كَوِتْرٍ وَتَرَاوِيحَ)، أَيْ: فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا، وَيَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْأَشْوَاطِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ، إذْ صَرِيحُ الْإِقْنَاعِ: أَنَّهُ يُصَلِّي، وَيَبْنِي إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، (أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ) وَهُوَ فِيهِ، (صَلَّى وَبَنَى) عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ طَوَافِهِ، لِحَدِيثِ:«إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَلِأَنَّ الْجِنَازَةَ تَفُوتُ بِالتَّشَاغُلِ.
وَيَبْتَدِئُ الشَّوْطَ (مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَلَا يَعْتَدَّ بِبَعْضِ شَوْطٍ قَطَعَ فِيهِ) قَالَهُ أَحْمَدُ، وَكَذَا لِسَعْيٍ، أَيْ: حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَطَوَافٍ، (فَإِذَا تَمَّ) طَوَافُهُ، (تَنَفَّلَ بِرَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ)، أَيْ: مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّهِ عليه الصلاة والسلام وَفِيهِ:«ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَقَرَأَ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] » فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. . "، الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُهُ وَلَا مَسْحُهُ، فَسَائِرُ الْمَقَامَاتِ أَوْلَى.
(وَ) وَيَقْرَأُ فِيهِمَا (بِ) : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فِي) رَكْعَةٍ (أُولَى، وَ) سُورَةِ (الْإِخْلَاصِ) بِرَكْعَةٍ (ثَانِيَةٍ، بَعْدَ) قِرَاءَةِ (الْفَاتِحَةِ) لِلْخَبَرِ.
(وَتُجْزِئُ مَكْتُوبَةٌ، وَرَاتِبَةٌ عَلَيْهِمَا)، أَيْ: عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، كَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.