الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصَلِّ الْغَارِم وَالْمُكَاتَب إذَا سقط مَا عَلَيْهِمَا مِنْ مَال هَلْ يخرجا الزَّكَاة]
فَصْلٌ) (وَإِنْ سَقَطَ مَا عَلَى غَارِمٍ) مِنْ دَيْنٍ، (أَوْ) سَقَطَ مَا عَلَى (مُكَاتَبٍ) مِنْ مَالِ كِتَابَةٍ، (أَوْ فَضَلَ مَعَهُمَا)، أَيْ: الْغَارِمِ وَالْمُكَاتَبِ شَيْءٌ عَنْ الْوَفَاءِ، (أَوْ) فَضَلَ (مَعَ غَازٍ أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِ، رَدَّ) غَارِمٌ، أَوْ مُكَاتَبٌ سَقَطَ مَا عَلَيْهِ (الْكُلُّ)، أَيْ: مَا أَخَذَهُ (أَوْ) رَدَّ مَنْ فَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ غَارِمٍ وَمُكَاتَبٍ وَغَازٍ وَابْنِ سَبِيلٍ (مَا فَضَلَ) مَعَهُ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ مُرَاعًى، فَإِنْ صَرَفَهُ فِي جِهَتَهُ الَّتِي اسْتَحَقَّ أَخَذَهُ لَهَا، وَإِلَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ، (وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ) الْأَرْبَعَةِ (مِنْ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ وَعَامِلٍ وَمُؤَلَّفٍ، يَتَصَرَّفُ فِي فَاضِلٍ بِمَا شَاءَ) ، لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى أَضَافَ الزَّكَاةَ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ الْمِلْكِ، ثُمَّ قَالَ:{وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] وَلِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ لِمَعْنًى يَحْصُلُ بِأَخْذِهِمْ، وَهُوَ: غِنَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَأَدَاءِ أَجْرِ الْعَامِلِينَ، وَتَأْلِيفِ الْمُؤَلَّفَةِ، وَالْأَرْبَعَةُ الْآخَرُونَ يَأْخُذُونَ لِمَعْنًى لَا يَحْصُلُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَافْتَرَقُوا.
(وَمَنْ سَأَلَ وَاجِبًا) كَمَنْ طَلَبَ شَيْئًا مِنْ زَكَاةٍ (مُدَّعِيًا كِتَابَةً)، أَيْ: أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، (أَوْ) مُدَّعِيًا (غُرْمًا)، أَيْ: أَنَّهُ غَارِمٌ لِنَفْسِهِ، (أَوْ) مُدَّعِيًا (أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ، أَوْ) مُدَّعِيًا (فَقْرًا، وَعُرِفَ بِغِنًى) قَبْلَ ذَلِكَ، (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ، صُدِّقَ فِي إرَادَةِ السَّفَرِ كَمَا تَقَدَّمَ بِلَا يَمِينٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ غَارِمٌ، لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَيَكْفِي الِاشْتِهَارُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَتَبِعَهُمَا فِي:" الْإِقْنَاعِ "(وَهِيَ)، أَيْ: الْبَيِّنَةُ (فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ) إذَا ادَّعَى فَقْرًا مَنْ عُرِفَ بِغِنًى: (ثَلَاثَةُ رِجَالٍ)، لِحَدِيثِ: «إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ إلَّا لِثَلَاثَةٍ:
رَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالسَّدَادُ بِالْفَتْحِ: الْقَصْدُ فِي الدِّينِ، وَبِالْكَسْرِ: الْبُلْغَةُ. قَالَهُ فِي ثَمَرَاتِ الْأَوْرَاقِ ". (وَإِنْ صَدَّقَ مُكَاتَبًا سَيِّدُهُ) ، قُبِلَ وَأُعْطِيَ، (أَوْ) صَدَّقَ (غَارِمًا غَرِيمُهُ) أَنَّهُ مَدِينُهُ، (قُبِلَ وَأُعْطِيَ) مِنْ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهُ. (وَيُقَلَّدُ مَنْ ادَّعَى) مِنْ فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِينَ (عِيَالًا) ، فَيُعْطَى لَهُ وَلَهُمْ بِلَا بَيِّنَةٍ، (أَوْ) ادَّعَى (فَقْرًا وَلَمْ يُعْرَفْ بِغِنًى) ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، فَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً بِهِ، (وَكَذَا) يُقَلَّدُ (جَلْدٌ) - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ، أَيْ: صَحِيحٌ - (ادَّعَى عَدَمَ مَكْسَبٍ) ، وَيُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ (وَلَوْ مُتَجَمِّلًا) ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّجَمُّلِ الْغِنَى، قَالَ تَعَالَى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ، وَإِنْ رَآهُ ظَاهِرَ الْمَسْأَلَةِ أَعْطَاهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ (بَعْدَ إعْلَامِهِ) ، أَيْ: الْجَلْدِ (وُجُوبًا) عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيَتَّجِهُ) وُجُوبُ الْإِعْلَامِ (لِجَاهِلِ) الْحُكْمِ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": يُتَوَجَّهُ وُجُوبُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَقَوْلُهُمْ: أَخْبَرَهُ وَأَعْطَاهُ - وَهُوَ مُتَّجِهٌ - (أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ)«لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ الَّذِينَ سَأَلَاهُ وَلَمْ يُحَلِّفْهُمَا» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِينَا النَّظَرَ،
فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَحَرُمَ أَخْذُ) صَدَقَةٍ (بِدَعْوَى غَنِيٍّ فَقْرًا وَلَوْ مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَسُنَّ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ فِي أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ) كَذَوِي رَحِمِهِ، وَمَنْ لَا يَرِثُهُ مِنْ نَحْوِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ (عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ) فَيَزِيدُ ذَا الْحَاجَةِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، لِحَدِيثِ:«صَدَقَتُكَ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
(وَيَبْدَأُ بِأَقْرَبِهِمْ)، أَيْ: قَرَابَاتِهِ مِنْهُ (كَ) مَا لَوْ دَفَعَهَا لِ (جِيرَانِهِ) ، فَيَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، (وَلَا يَسْتَخْدِمُ بِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (مُعَطِّلٌ) قَرِيبًا وَلَا غَيْرَهُ، مُرَاعَاةً لِلْإِخْلَاصِ، (وَلَا يَدْفَعُ بِهَا مَذَمَّةً) عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يَقْصِدُ بِدَفْعِهَا الِامْتِثَالَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَلَا يَقِي بِهَا مَالَهُ كَقَوْمٍ عَوَّدَهُمْ بُرًّا فَيُعْطِيهِمْ مِنْهَا لِدَفْعِ مَا عَوَّدَهُمْ)، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ ": هَذَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلزَّكَاةِ. انْتَهَى. لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَصْرِفُهَا إلَى نَفْعِهِ
،. (وَمَنْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ زَكَاةٍ سَبَبَانِ) كَفَقِيرٍ غَارِمٍ، أَوْ ابْنِ سَبِيلٍ، (أَخَذَ بِهِمَا)، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، فَيُعْطَى بِفَقْرِهِ كِفَايَتَهُ مَعَ عَائِلَتِهِ سَنَةً، وَبِغُرْمٍ مَا يَفِي بِهِ دَيْنَهُ، (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا)، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، (لَا بِعَيْنِهِ) لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ": قُلْتُ: إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ أَحْكَامُهُمَا كَفَقِيرٍ مُؤَلَّفٍ، جَازَ أَنْ يُعْطَى بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، لِعَدَمِ اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا.
(وَإِنْ أُعْطِيَ بِهِمَا)، أَيْ: السَّبَبَيْنِ، (وَعُيِّنَ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ) مَعْلُومٌ، فَذَاكَ، (وَإِلَّا) يُعَيَّنْ لِكُلِّ سَبَبٍ قَدْرٌ، (كَانَ) مَا أُعْطِيَهُ (بَيْنَهُمَا) ،