الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَلْفٍ؛ كَانَتْ السَّيِّئَةُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَذَلِكَ عَائِدًا إلَى التَّضْعِيفِ فَقَطْ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَحْمَدَ تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَضْعِيفِ السَّيِّئَاتِ: إنَّمَا أَرَادُوا مُضَاعَفَتَهَا فِي الْكَيْفِيَّةِ دُونَ الْكَمِّيَّةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَقَدْ أَوْضَحْته)، أَيْ: هَذَا الْمَقَامَ (فِي) كِتَابِي " (تَشْوِيقِ الْأَنَامِ) فِي الْحَجِّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ "، وَعِبَارَتُهُ: تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ وَفَّقَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ هُنَا، بَلْ وَالسَّيِّئَاتُ كَذَلِكَ، فَقَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ، وَالْمِلَّةِ الزَّهْرَاءِ، تَضَاعُفُ الذَّنْبِ فِي شَرَائِفِ الزَّمَانِ وَالْأَحْوَالِ، فَكَذَا فِي شَرَائِفِ الْأَمْكِنَةِ، أَلَا تَرَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الرَّفَثِ فِي رَمَضَانَ، وَفِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ مِنْ تَغْلِيظِ دِيَةِ الْخَطَأِ فِي الْحَرَمِ، وَقَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لِنِسَاءِ نَبِيِّهِ:{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] ، فَانْظُرْ كَيْف صَارَتْ مَعْصِيَتُهُنَّ - إنْ وَقَعَتْ - ضِعْفَيْنِ، لِشَرَفِهِنَّ، وَقَالَ تَعَالَى فِي أَجْرِهِنَّ:{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] فَأَيُّ مَكَان أَوْ زَمَانٍ فِيهِ الشَّرَفُ أَكْثَرُ؛ فَالْمَعْصِيَةُ فِيهِ أَفْظَعُ وَأَشْنَعُ، لِأَنَّ الشَّامَةَ السَّوْدَاءَ فِي الْبَيَاضِ أَظْهَرُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ.
[فَصْلٌ صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ]
(فَصْلٌ)(وَيَحْرُمُ صَيْدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ)، وَتُسَمَّى: طَابَةٌ وَطِيبَةٌ، لِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا «إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُسَمَّى يَثْرِبَ) ،
لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَيَّرَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّثْرِيبِ، وَهُوَ: التَّعْيِيرُ وَالِاسْتِقْصَاءُ فِي اللَّوْمِ، وَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حِكَايَةٌ لِمَقَالَةِ الْمُنَافِقِينَ، وَيَثْرِبُ فِي الْأَصْلِ: اسْمٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِقَةِ بَنَى الْمَدِينَةِ فَسُمِّيَتْ بِهِ، وَقِيلَ يَثْرِبُ: اسْمُ أَرْضِهَا.
(وَ) إذَا صِيدَ مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ صَيْدٌ وَذُكِّيَ فَ (تَصِحُّ تَذْكِيَتُهُ) ، لِعَدَمِ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي زَوَالِ مِلْكِ الصَّيْدِ نَصًّا.
(وَ) يَحْرُمُ (قَطْعُ شَجَرِهِ وَحَشِيشِهِ) الرَّطْبِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إلَى كَذَا، لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْخَلَى مَقْصُورٌ: الْعُشْبُ الرَّطْبُ مِنْهُ.
(إلَّا لِحَاجَةٍ نَحْوِ مَسَانِدَ) جَمْعُ: مَسْنَدٍ، وَهُوَ: عُودُ الْبَكَرَةِ الَّذِي يَكُونُ مَجْرُورَةُ الْبَكَرَةِ عَلَيْهَا، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، وَفِي " الْإِقْنَاعِ ": وَالْمَسَانِدُ مِنْ الْقَائِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تُنْصَبُ الْبَكَرَةُ عَلَيْهَا.
(وَآلَةِ حَرْثٍ، وَ) عَوَارِضَ قَتَبٍ، وَ (رَحْلٍ) ، وَعَارِضَةٍ لِسَقْفِ مَحْمَلٍ، وَآلَةِ دِيَاسٍ وَجُذَاذٍ وَحَصَادٍ، فَيَجُوزُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ الشَّجَرِ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَرَّمَ الْمَدِينَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَصْحَابُ عَمَلٍ، وَأَصْحَابُ نَضْحٍ، وَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَرْضًا غَيْرَ أَرْضِنَا، فَرَخِّصْ لَنَا، فَقَالَ: الْقَائِمَتَانِ، وَالْوِسَادَتَانِ، وَالْعَارِضَةُ، وَالْمَسْنَدُ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا يُعْضَدُ وَلَا يُخْبَطُ مِنْهَا شَيْءٌ» (وَإِلَّا لِعَلَفٍ) مِنْ حَشِيشٍ، لِحَدِيثِ «وَلَا يَصْلُحُ أَنْ تُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَمَنْ أَدْخَلَهَا)، أَيْ: الْمَدِينَةَ (صَيْدًا، فَلَهُ إمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ أَنَسٍ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسَبُهُ فَطِيمًا،