الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابٌ الْأَرْضُونَ الْمَغْنُومَةُ]
(بَابٌ: الْأَرْضُونَ الْمَغْنُومَةُ) أَيْ: الْمَأْخُوذَةُ مِنْ كُفَّارٍ (ثَلَاثٌ)، أَيْ: ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ إحْدَاهَا (عَنْوَةً)، أَيْ: قَهْرًا، وَغَلَبَةً، (وَهِيَ مَا أُجْلُوا)، أَيْ: أَجْلَى الْمُسْلِمُونَ أَهْلَهَا الْحَرْبِيِّينَ (عَنْهَا بِالسَّيْفِ، وَيُخَيَّرُ إمَامٌ) فِيهَا (تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ) كَالتَّخْيِيرِ فِي الْأُسَارَى، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَاهُ أَصْلَحَ (لَا) تَخْيِيرَ (تَشَبُّهٍ) ، لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ (بَيْنَ قِسْمَتِهَا بَيْنَ غَانِمِينَ كَمَنْقُولٍ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَسَمَ نِصْفَ خَيْبَرَ، وَوَقَفَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَحَوَائِجِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ فَتُمَلَّكُ الْأَرْضُ بِقِسْمَتِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ، وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا، وَلَا عَلَى مَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ أَوْ صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ كَأَرْضِ الْحِيرَةِ وَالْيَمَنِ وبانقيا، أَوْ أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ، كَأَرْضِ الْبَصْرَةِ، (وَبَيْنَ وَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ) ، كَمَا وَقَفَ عُمَرُ الشَّامَ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقَ وَسَائِرَ مَا فَتَحَهُ، وَأَقَرَّهُ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: أَمَّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَيَانًا - أَيْ: لَا شَيْءَ لَهُمْ - مَا فَتَحْت عَلَى قَرْيَةٍ إلَّا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا لَهُمْ خِزَانَةً يَقْتَسِمُونَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (بِلَفْظٍ يَحْصُلُ بِهِ) الْوَقْفُ قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، فَحُكْمُهَا قَبْلَ الْوَقْفِ حُكْمُ الْمَنْقُولِ (وَيَضْرِبُ عَلَيْهَا) الْإِمَامُ بَعْدَ وَقْفِهَا (خَرَاجًا) مُسْتَمِرًّا (يُؤْخَذُ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ مِنْ مُسْلِمٍ) وَمُعَاهَدٍ (وَذِمِّيٍّ وَهُوَ)، أَيْ: الْمَأْخُوذُ (أُجْرَةً لَهَا) كُلُّ عَامٍ، لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " كِتَابِ الْأَمْوَالِ " أَنَّ عُمَرَ
قَدِمَ الْجَابِيَةَ، فَأَرَادَ قَسْمَ الْأَرْضِينَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: وَاَللَّهِ إذَنْ لَيَكُونَنَّ مَا تَكْرَهُ، إنَّك إنْ قَسَمْتَهَا الْيَوْمَ صَارَ الرِّيعُ الْعَظِيمُ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ، ثُمَّ يَبِيدُونَ فَيَصِيرُ ذَلِكَ إلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ يَسُدُّونَ مِنْ الْإِسْلَامِ مَسَدًّا، وَهُوَ لَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ، فَصَارَ عُمَرُ إلَى قَوْلِ مُعَاذٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْمَاجِشُونِ، قَالَ بِلَالٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقُرَى الَّتِي افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً: اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، وَخُذْ خُمُسَهَا، فَقَالَ عُمَرُ: لَا، وَلَكِنَّنِي أَحْبِسُهُ، فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ: اقْسِمْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ اكْفِينِي بِلَالًا وَذَوِيهِ، فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرُفُ.
(وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ) ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ، (وَلَا نَقْضُ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَقْفٍ أَوْ قِسْمَةٍ، أَوْ فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ)، أَيْ: تَغْيِيرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ اللَّازِمِ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا اُسْتُؤْنِفَ فَتْحُهُ (الثَّانِيَةُ: مَا جَلَوَا) ، أَيْ: أَهْلَهَا (عَنْهَا خَوْفًا مِنَّا، وَحُكْمُهَا كَالْأُولَى) فِي التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ قِيَاسًا عَلَيْهَا، (لَا أَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا) ، صَرَّحَ بِهِ الْجَمَاعَةُ وَقَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": لَكِنْ لَا تَصِيرُ وَقْفًا إلَّا بِوَقْفِ الْإِمَامِ لَهَا، لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " حَيْثُ جَزَمَ أَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا تَبَعًا لِلْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، (وَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ أَنَّ مِصْرَ وَالشَّامَ وَالْعِرَاقَ وَقْفُ) الْإِمَامِ (عُمَرُ) رضي الله عنه.
(الثَّالِثَةُ: الْمُصَالَحُ عَلَيْهَا)، وَهِيَ نَوْعَانِ:(فَمَا صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا)، أَيْ: الْأَرْضَ (لَنَا) وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ
بِالْخَرَاجِ، (فَ) هِيَ (كَالْعَنْوَةِ) فِي التَّخْيِيرِ أَيْضًا، قَطَعَ بِهِ فِي " التَّنْقِيحِ " وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى " وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِهِ، وَلَا يَسْقُطُ خَرَاجُهَا بِإِسْلَامِهِمْ، وَجَزَمَ فِي " الْإِقْنَاعِ " بِأَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الِاسْتِيلَاءِ كَجَعْلِهِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ ": هَذَا الْمَذْهَبُ مَعَ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى ضَعِيفٍ (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي: مَا صُولِحُوا (عَلَى أَنَّهَا)، أَيْ: الْأَرْضُ (لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا، فَهُوَ)، أَيْ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ خَرَاجِهَا (كَجِزْيَةٍ إنْ أَسْلَمُوا) سَقَطَ عَنْهُمْ، (أَوْ انْتَقَلَتْ) الْأَرْضُ (لِمُسْلِمٍ سَقَطَ) عَنْهُمْ كَسُقُوطِ جِزْيَةٍ بِإِسْلَامٍ، وَإِنْ انْتَقَلَتْ إلَى ذِمِّيٍّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصُّلْحِ لَمْ يَسْقُطْ خَرَاجُهَا، وَتُسَمَّى هَذِهِ دَارُ عَهْدٍ، وَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ لَا يُمْنَعُونَ فِيهَا إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ وَلَا بَيْعَةٍ كَمَا يَأْتِي، (وَيُقِرُّونَ فِيهَا بِلَا جِزْيَةٍ) ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ إسْلَامٍ، (بِخِلَافِ مَا قَبْلُ) مِنْ أَرْضِ الْعَنْوَةِ، (فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ كَافِرٍ بِهَا سَنَةً بِلَا جِزْيَةٍ) ، لِأَنَّهَا دَارُ إسْلَامٍ.
(وَيَرْجِعُ فِي) قَدْرِ (خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ إلَى تَقْدِيرِ إمَامٍ فِي زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ) عَلَى حَسَبِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَتُطِيقُهُ الْأَرْضُ الَّتِي يَضَعُهُ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ لَهَا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَهَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْوَضْعِ، وَأَمَّا مَا وَضَعَهُ إمَامٌ، فَلَا يُغَيِّرُهُ آخَرُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ السَّبَبُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي فِي " الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ " وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ أَيْضًا فِي نَظَائِرِهِ (يَتَّجِهُ) : أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي قَدْرِ خَرَاجٍ وَجِزْيَةٍ إلَى تَقْدِيرِ إمَامٍ (مَا لَمْ يُجْحِفْ) فِي تَقْدِيرِ ذَلِكَ، بِأَنْ يُحَمِّلَ الْأَرْضَ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَوْ يَضْرِبَ جِزْيَةً غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ، أَوْ يُنْقِصَ نَقْصًا فَاحِشًا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لِأَنَّهُ ظِلُّ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحَرِّي الْعَدْلِ
فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا، وَلِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاَللَّهِ لَوْ زِدْت عَلَيْهِمْ فَلَا يُجْهِدُهُمْ، فَدَلَّ عَلَى إبَاحَةِ الزِّيَادَةِ مَا لَمْ يُجْهِدْهُمْ وَ (لَا) يَرْجِعُ فِي قَدْرِ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ (إلَى تَقْدِيرِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ (رضي الله عنه) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْخَلَّالُ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَعَامَّةُ شُيُوخِنَا، قَالَ فِي " الْهِدَايَةِ " اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ فَلَمْ يَتَقَدَّرْ بِمِقْدَارٍ لَا يَخْتَلِفُ كَأُجْرَةِ الْمَسَاكِنِ.
(وَكَانَ عُمَرُ) رضي الله عنه (وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ)، قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: أَعْلَى وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِي أَرْضِ السَّوَادِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، يَعْنِي: أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى ": وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى الطَّعَامِ دِرْهَمًا وَقَفِيزَ حِنْطَةٍ، وَعَلَى الشَّعِيرِ دِرْهَمًا وَقَفِيزَ شَعِيرٍ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ (وَهُوَ) ، أَيْ: الْقَفِيزُ: (ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، قِيلَ بِالْمَكِّيِّ) ، قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَصَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَ " الْإِقْنَاعِ " (وَقِيلَ) : ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ (بِالْعِرَاقِيِّ، وَهُوَ نِصْفُ الْمَكِّيِّ) ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعِرَاقِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَفِيزِ الْحَجَّاجِيِّ (فَعَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ يَكُونُ) الْقَفِيزُ (سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا عِرَاقِيًّا، وَهُوَ قَفِيزُ الْحَجَّاجِ، وَهُوَ صَاعُ عُمَرَ نَصًّا) وَأَمَّا الْقَفِيزُ الْهَاشِمِيُّ، فَهُوَ: مَكُّوكَانِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ رَطْلًا عِرَاقِيًّا، (وَ) قَالَ (فِي " الْمُحَرَّرِ ") : الْأَشْهَرُ عَنْهُ - أَيْ: عَنْ عُمَرَ - أَنَّهُ (جَعَلَ
عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ، وَعَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ) دَرَاهِمَ، (وَعَلَى جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشَرَةَ) دَرَاهِمَ، (وَعَلَى جَرِيبِ الرُّطَبَةِ سِتَّةَ) دَرَاهِمَ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَهَذَا الَّذِي وَظَّفَهُ عُمَرُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ: أَنَّ جَرِيبَ الزَّرْعِ الْحِنْطَةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ: عَلَى جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامِهِ.
(وَالْجَرِيبُ: عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي مِثْلِهَا)، أَيْ: فِي عَشْرِ قَصَبَاتٍ، وَهُوَ مِائَةُ قَصَبَةٍ مُكَسَّرَةٍ، وَمَعْنَى الْكَسْرِ ضَرْبُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ فِي الْآخَرِ، فَيَصِيرُ أَحَدُهُمَا كَسْرًا لِلْآخَرِ (وَالْقَصَبَةُ) : مَا يَمْسَحُ بِهِ الْمُزَارِعُ، كَالذِّرَاعِ لِلْبَزِّ، وَاخْتِيرَ الْقَصَبُ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَطُولُ وَلَا يَقْصُرُ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْخَشَبِ، وَهِيَ:(سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ) عُمَرَ، وَهُوَ ذِرَاعٌ (وَسَطٌ)، أَيْ: بِيَدِ الرَّجُلِ الْمُتَوَسِّطِ الطُّولِ، (وَقَبْضَةِ وَإِبْهَامِ قَائِمٍ) ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَبْضَةِ وَإِبْهَامِ، بِالْجَرِّ: عَطْفٌ عَلَى: بِذِرَاعِ، (فَيَكُونُ الْجَرِيبُ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَسِتِّمِائَةٍ) مُكَسَّرًا، لِأَنَّ الْقَصَبَةَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا، فَتَكُونُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا مُكَسَّرَةً تَضْرِبُهَا فِي مُكَسَّرِ الْجَرِيبِ، وَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ يَخْرُجُ مَا ذُكِرَ (وَمَا بَيْنَ شَجَرٍ مِنْ بَيَاضِ أَرْضٍ) ، وَهُوَ الْخَالِي مِنْ الشَّجَرِ (تَبَعٌ لَهَا)، أَيْ: لِلشَّجَرِ، فَلَا يُؤْخَذُ سِوَى خَرَاجِ الشَّجَرِ.
(وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَسَاكِنَ مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ، (وَإِنَّمَا كَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَمْسَحُ دَارِهِ) بِبَغْدَادَ، (وَيُخْرِجُ عَنْهَا) الْخَرَاجَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، (وَرَعًا) مِنْهُ، (لِأَنَّ بَغْدَادَ كَانَتْ حِينَ فُتِحَتْ مَزَارِعَ) وَمُقْتَضَى ذَلِكَ: أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَزَارِعَ حِينَ فَتْحِهِ، وَجُعِلَ مَسَاكِنَ يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، وَيُحْمَلُ فِعْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوَرَعِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ أَهْلَ بَغْدَادَ عَامَّةً.
(وَلَا خَرَاجَ عَلَى مَزَارِعِ مَكَّةَ وَ) لَا عَلَى مَزَارِعِ (الْحَرَمِ) ، لِأَنَّ مَزَارِعَ الْحَرَمِ (كَهِيَ)، أَيْ: كَمَزَارِعِ مَكَّةَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ جِزْيَةُ الْأَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا عَنْ أَرْضِ مَكَّةَ.
(وَحَرُمَ بِنَاؤُهُ وَاخْتِصَاصُهُ بِهِ)، أَيْ: بِالْبِنَاءِ (فِيهِمَا)، أَيْ: فِي مَكَّةَ وَالْحَرَمِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ.
(وَيَتَّجِهُ: جَوَازُ إعَادَةِ مَا)، أَيْ: بِنَاءٌ قَدِيمٌ (انْهَدَمَ) مِنْ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ بِلَا رَيْبٍ فِي ذَلِكَ، (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ الْبِنَاءَ) فِيهِمَا (لَا يَحْرُمُ إلَّا إنْ خِيفَ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ الْبِنَاءِ (تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ) فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَدَاءِ مَنَاسِكِهِمْ، (وَإِلَّا) يُخَفْ مِنْهُ التَّضْيِيقُ، (فَلَا) يَحْرُمُ (وَ) إذَا تَحَرَّى عَدَمَ الضَّرَرِ، وَبَنَى شَيْئًا فَ (هُوَ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ كَمُتَحَجِّرِ مَوَاتٍ، (فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ دَفَعَهُ لِمُحْتَاجٍ) يَرْتَفِقُ بِهِ (مَجَّانًا) أَيْ: بِلَا عِوَضٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
(فَالْخَرَاجُ عَلَى أَرْضٍ لَهَا مَا تُسْقَى بِهِ وَلَوْ لَمْ تُزْرَعْ) كَالْمُؤَجَّرَةِ وَ (لَا) خَرَاجَ عَلَى (مَا لَا يَنَالُهُ مَاءٌ) مِنْ الْأَرَاضِيِ (وَلَوْ أُمْكِنَ زَرْعُهُ وَإِحْيَاؤُهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ) لِأَنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا أُجْرَةَ لَهُ، وَمَفْهُومُهُ: أَنَّهُ إذَا أَحْيَا وَزَرَعَ وَجَبَ خَرَاجُهُ وَيَأْتِي: لَا خَرَاجَ عَلَى مُسْلِمٍ فِيمَا أَحْيَاهُ مِنْ أَرْضٍ عَنْوَةً (وَمَا لَمْ يَنْبُتْ أَوْ يَنَلْهُ الْمَاءُ) إلَّا عَامًا بَعْدَ عَامٍ، (فَنِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ) لِأَنَّ نَفْعَهَا عَلَى النِّصْفِ، فَكَذَا خَرَاجُهَا.
(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَوْ يَبِسَتْ الْكُرُومُ بِجَرَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَقَطَ مِنْ الْخَرَاجِ حَسْبَمَا تَعَطَّلَ مِنْ النَّفْعِ)
لِأَنَّ الْخَرَاجَ فِي نَظِيرِ النَّفْعِ كَمَا تَقَدَّمَ، (وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّفْعُ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عِمَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَرَاجِ انْتَهَى) لِأَنَّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا خَرَاجَ لَهُ.
(وَ) يَجِبُ (الْخَرَاجُ عَلَى مَالِكٍ دُونَ مُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ) ، لِأَنَّهُ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ كَفِطْرَةِ الْعَبْدِ، (وَهُوَ)، أَيْ: الْخَرَاجُ (كَالدَّيْنِ) قَالَ أَحْمَدُ: يُؤَدِّيهِ، ثُمَّ يُزَكِّي مَا بَقِيَ (يُحْبَسُ بِهِ مُوسِرٌ) ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ أُجْرَةَ الْمَسَاكِنِ، (وَيُنْظَرُ بِهِ مُعْسِرٌ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280](وَمَنْ بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ فَهُوَ) وَمَنْ يَنْقُلُهَا إلَيْهِ (أَحَقُّ بِهَا بِالْخَرَاجِ كَالْمُسْتَأْجِرِ) إلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ لَمْ تُقَدَّرْ لِلْحَاجَةِ، (وَيَرِثُهَا وَرَثَتُهُ كَذَلِكَ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي يَدِ مُوَرِّثِهِمْ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، (وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا)، أَيْ: الْأَرْضُ، (مِنْهُ وَدَفْعُهَا لِغَيْرِهِ) ، لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ، (فَإِنْ آثَرَ) الَّذِي بِيَدِهِ أَرْضٌ خَرَاجِيَّةٌ (بِهَا أَحَدًا صَارَ الثَّانِي أَحَقَّ بِهَا) مِنْ غَيْرِهِ، لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَوَّلِ، (كَمَا يَأْتِي فِي) بَابِ إحْيَاءِ (الْمَوَاتِ) مُفَصَّلًا.
(وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِهِ) الْخَرَاجِيَّةِ (أُجْبِرَ عَلَى إجَارَتِهَا) لِمَنْ يَعْمُرُهَا، (أَوْ) عَلَى (رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا لِتُدْفَعَ لِمَنْ يَعْمُرُهَا وَيَقُومُ بِخَرَاجِهَا) ، لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يُعَطِّلُهَا عَلَيْهِمْ.
(وَكُرِهَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَقَبَّلَ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً بِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَرَاجٍ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ فِي مَعْنَى الْمَذَلَّةِ)
تَتِمَّةٌ: إنْ اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْأَرْضِ فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً، وَأَمْكَنَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ فَإِنْ اتَّهَمَ اسْتَحْلَفَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى الشَّوَاهِدِ الدِّيوَانِيَّةِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا عَلِمَ صِحَّتَهَا، وَوَثِقَ بِكِتَابَتِهَا، وَلَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهَا تُهْمَةٌ.
(وَيَجُوزُ) لِصَاحِبِ
الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ (أَنْ يُرْشِيَ الْعَامِلَ) الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ (وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ) فِي خَرَاجِهِ، لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَ (لَا) يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ (لِيَدَعَ) عَنْهُ (خَرَاجًا) ، لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إبْطَالِ حَقٍّ، فَهُوَ كَرِشْوَةِ الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ (وَالْهَدِيَّةُ الدَّفْعُ)، أَيْ: الْعَيْنُ الْمَالِيَّةُ الْمَدْفُوعَةُ لِمُهْدًى إلَيْهِ (ابْتِدَاءً) بِلَا طَلَبٍ.
(وَالرِّشْوَةُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ: الدَّفْعُ (بَعْدَ الطَّلَبِ) مَنْ أَخَذَهَا (وَأَخْذُهُمَا)، أَيْ: الرِّشْوَةُ وَالْهَدِيَّةُ (حَرَامٌ) لِحَدِيثِ «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ»
(وَلَيْسَ لِأَحَدٍ تَفْرِقَةُ خَرَاجٍ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ) ، لِأَنَّ مَصْرِفَهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (وَمَصْرِفُهُ)، أَيْ: الْخَرَاجُ (كَفَيْءٍ) ، لِأَنَّهُ مِنْهُ، فَيَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ لِلْمَصَالِحِ كُلِّهَا. (وَإِنْ رَأَى إمَامٌ الْمَصْلَحَةَ فِي إسْقَاطِهِ) أَيْ: الْخَرَاجِ (عَمَّنْ لَهُ)، أَيْ: الْإِمَامُ، (وَضَعَهُ) فِيهِ مِمَّنْ يَدْفَعُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَنْفَعُهُمْ كَفَقِيهٍ، وَمُؤَذِّنٍ وَنَحْوِهِ (جَازَ) لَهُ إسْقَاطُهُ عَنْهُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ، ثُمَّ رَدِّهِ إلَيْهِ. (وَلَا يَحْتَسِبُ بِمَا ظَلَمَ فِي خَرَاجِهِ مِنْ عُشْرٍ) وَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهُ غَصْبٌ.
(وَيَتَّجِهُ: مَا لَمْ يَنْوِهِ)، أَيْ: مَا ظَلَمَ بِهِ (زَكَاةٌ حَالَ دَفْعٍ) ، فَإِنْ نَوَاهُ زَكَاةً جَازَ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ تَمِيلُ إلَيْهِ النَّفْسُ لَوْلَا مُصَادَمَةُ النَّصِّ، إذْ نِيَّةُ الدَّافِعِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ غَصْبًا
(وَمَنْ أَقَامَ بِبَلْدَةٍ تَطْلُبُ مِنْهَا الْكُلَفَ بِحَقٍّ وَغَيْرِهِ بِنِيَّةِ الْعَدْلِ، أَوْ تَقْلِيلِ الظُّلْمِ مَهْمَا أَمْكَنَ لِلَّهِ تَعَالَى