الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شُعْثًا غُبْرًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ
(وَيَجِبُ اجْتِنَابُ رَفَثٍ، وَهُوَ: الْجِمَاعُ وَدَوَاعِيهِ) مِنْ تَقْبِيلٍ وَلَمْسٍ لِشَهْوَةٍ، (وَفُسُوقٍ وَهُوَ: السِّبَابُ) ، وَقِيلَ: الْمَعَاصِي، (وَجِدَالٍ) وَهُوَ: الْمِرَاءُ (فِيمَا لَا يَعْنِي)، أَيْ: يُهِمُّ، لِحَدِيثِ:«مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تُمَارِيَ صَاحِبَك حَتَّى تُغْضِبَهُ) ، قَالَ الْمُوَفَّقُ: الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
(وَتُسَنُّ قِلَّةُ كَلَامِهِمَا)، أَيْ: الْمُحْرِمِ، وَالْمُحْرِمَةِ (إلَّا فِيمَا يَنْفَعُ)، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ (إشْغَالُهُ بِتَلْبِيَةٍ وَذِكْرٍ وَ) قِرَاءَةِ (قُرْآنٍ، وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَتَعْلِيمِ جَاهِلٍ، وَنَحْوِهِ) مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ.
[بَابُ الْفِدْيَةِ وَبَيَانُ أَقْسَامِهَا]
(بَابُ الْفِدْيَةِ) وَبَيَانُ أَقْسَامِهَا وَهِيَ مَصْدَرُ: فَدَى يَفْدِي فِدَاءً. وَشَرْعًا: (مَا يَجِبُ بِسَبَبِ نُسُكٍ) كَدَمِ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ، وَوَاجِبٌ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فِي إحْرَامٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، (أَوْ) بِسَبَبٍ (حَرُمَ) ، كَصَيْدِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَنَبَاتِهِ، (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا)، أَيْ: الْفِدْيَةُ (عَلَى فِعْلٍ مَحْظُورٍ) إذَا احْتَاجَ إلَى فِعْلِهِ (لِعُذْرٍ) ، كَأَنْ يَحْتَاجُ إلَى (نَحْوِ حَلْقٍ) وَلُبْسٍ وَطِيبٍ، (وَيَأْتِي) ذَلِكَ.
(وَهِيَ)، أَيْ: الْفِدْيَةُ (قِسْمَانِ: تَخْيِيرٌ، وَتَرْتِيبٌ) : (فَالتَّخْيِيرُ) نَوْعَانِ: أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (كَفِدْيَةِ لُبْسِ) مَخِيطٍ، (وَطِيبٍ، وَتَغْطِيَةِ رَأْسِ) ذَكَرٍ، أَوْ وَجْهِ أُنْثَى، (وَإِزَالَةِ أَكْثَرَ مِنْ شَعْرَتَيْنِ أَوْ) أَكْثَرَ مِنْ (ظُفْرَيْنِ، وَإِمْنَاءٍ بِنَظْرَةٍ، وَمُبَاشَرَةٍ بِغَيْرِ إنْزَالٍ، وَإِمْذَاءٍ بِتَكْرَارِ
نَظَرٍ أَوْ تَقْبِيلٍ أَوْ لَمْسٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَقَوْلِهِ، صلى الله عليه وسلم لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ:«لَعَلَّك آذَاك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: احْلِقْ رَأْسَك، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ اُنْسُكْ شَاةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: " أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ ".
(فَيُخَيَّرُ) مُحْرِمٌ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ (بَيْنَ ذَبْحِ شَاةٍ، أَوْ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ) مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ أَقِطٍ.
وَيَتَعَيَّنُ تَمْلِيكُ مَا (يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ)، وَهُوَ: أَحَدُ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَلَفْظُ " أَوْ " فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ: لِلتَّخْيِيرِ، وَخُصَّتْ الْفِدْيَةُ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ الْأَظْفَارِ وَالشَّعَرَاتِ، لِأَنَّهَا جَمْعٌ، وَاعْتُبِرَتْ فِي مَوَاضِعَ بِخِلَافِ رُبْعِ الرَّأْسِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ بِاعْتِبَارِ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي الْفِدْيَةِ، وَقِيسَ عَلَى بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا فِيهَا لِلتَّرَفُّهِ أَشْبَهَتْ الْحَلْقَ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا لَهُ.
(وَيَتَّجِهُ: إجْزَاءُ قُوتِ غَيْرِهِ)، أَيْ: غَيْرَ مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ (مَعَ عَدَمِهِ)، أَيْ: الْمُجْزِئِ فَيُجْزِئُ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ مِنْ خُبْزٍ وَذُرَةٍ وَأَرُزٍّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي " خِلَافِهِ "، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَحَيْثُ أَخْرَجَ خُبْزًا؛ فَيَدْفَعُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ رِطْلَيْنِ عِرَاقِيَّةً، وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ مَعَ أُدُمٍ، لِيَكْفِيَ الْمَسَاكِينَ
الْمُؤْنَةَ، عَلَى قِيَاسِ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) النَّوْعُ الثَّانِي (مِنْ) نَوْعَيْ (التَّخْيِيرِ: جَزَاءُ الصَّيْدِ، يُخَيَّرُ فِيهِ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ (بَيْنَ) : ذَبْحِ (مِثْلِ) الصَّيْدِ مِنْ النَّعَمِ، وَإِعْطَائِهِ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ، أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ، فَلَا يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حَيًّا.
(أَوْ: تَقْوِيمِهِ)، أَيْ: الْمِثْلِ، (بِمَحَلٍّ تَلَفِ) الصَّيْدِ (وَبِقُرْبِهِ)، أَيْ: مَحَلِّ التَّلَفِ (بِدَرَاهِمَ) مَثَلًا (يَشْتَرِي بِهَا)، أَيْ: الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ قِيمَةُ الْمِثْلِ (طَعَامًا، إنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ) فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ؛ أَخْرَجَ مِنْهُ (مَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ) كَوَاجِبٍ فِي فِدْيَةِ أَذًى وَكَفَّارَةٍ، (فَيُطْعِمُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ) مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ، (أَوْ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] ، (وَإِنْ بَقِيَ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ صَامَ) عَنْهُ (يَوْمًا) كَامِلًا، لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ.
(وَيَتَّجِهُ) : أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، فَأَخْرَجَ مَا وَجَدَهُ، وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ؛ صَوْمُ يَوْمٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاءُ طَعَامٍ لَيْسَ عِنْدَهُ، (وَيُخَيَّرُ فِي شِرَاءِ) طَعَامٍ (رَخِيصٍ، أَوْ) شِرَاءِ طَعَامٍ (غَالٍّ) ، فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْأَنْفَعِ، وَلَا الْأَجْوَدِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ وَإِخْرَاجُهُ، (لِقِلَّةِ الصَّوْمِ) ، إذْ هُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ،
وَنَفْعُهُ قَاصِرٌ عَلَى فَاعِلِهِ، بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ، فَإِنَّ فِيهِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَيُخَيَّرُ فِيمَا)، أَيْ: صَيْدٍ (لَا مِثْلَ لَهُ) مِنْ النَّعَمِ، إذَا قَتَلَهُ (بَيْنَ إطْعَامِ) مَا اشْتَرَاهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ إخْرَاجِهِ عَنْهَا مِنْ طَعَامِهِ بِعَدْلِهَا، (وَصِيَامٍ) كَمَا تَقَدَّمَ.
لِعُذْرِ الْمِثْلِ، (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ فِيهِ)، أَيْ: فِي هَذَا الصَّوْمِ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ بِهِ مُطْلَقٌ، فَيَتَنَاوَلُ الْحَالَيْنِ.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْ بَعْضِ الْجَزَاءِ، وَيُطْعِمَ عَنْ بَعْضٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ.
(وَ) الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْفِدْيَةِ (قِسْمٌ) يَجِبُ عَلَى (التَّرْتِيبِ، كَدَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) ، فَيَجِبُ الْهَدْيُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، وَقِيسَ الْقَارِنُ عَلَيْهِ، (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِتَرْكِ وَاجِبٍ) كَتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ لِمَنْ وَقَفَ نَهَارًا، وَسَائِرَ الْوَاجِبَاتِ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَتَأْتِي (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِفَوَاتِ) حَجٍّ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ: إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي، (وَلَا حِصَارَ) إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ (وَ) كَدَمٍ وَجَبَ (لِوَطْءٍ، وَإِنْزَالِ مَنِيٍّ بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ) إنْزَالِ مَنِيٍّ (بِتَكْرَارِ نَظَرٍ، أَوْ تَقْبِيلٍ، أَوْ لَمْسٍ لِشَهْوَةِ، أَوْ اسْتِمْنَاءٍ وَلَوْ خَطَأً فِي الْكُلِّ)، أَيْ: كُلُّ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ مِنْ قِسْمِ التَّرْتِيبِ.
(وَأُنْثَى مَعَ شَهْوَةٍ) فِيمَا سَبَقَ، (كَرَجُلٍ) فِيمَا يَجِبُ مِنْ الْفِدْيَةِ، كَالْوَطْءِ، (فَعَلَى مُتَمَتِّعٍ وَقَارِنٍ وَتَارِكِ وَاجِبٍ)
دَمٌ، (وَ) كَذَا عَلَى مَنْ لَزِمَهُ هَدْيٌ، (لِفَوَاتِ) حَجٍّ (دَمٌ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] الْآيَةَ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْقَارِنُ، (فَإِنْ عَدِمَهُ)، أَيْ: الدَّمَ، مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، (أَوْ) عَدِمَ (ثَمَنَهُ، وَلَوْ وَجَدَ مُقْرِضًا) نَصًّا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ عُسْرَتِهِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الشِّرَاءِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِبَلَدِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ، ذَكَرَهُ فِي " الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ "؛ (صَامَ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ)، أَيْ: وَقْتَهُ، لِأَنَّ الْحَجَّ أَفْعَالٌ لَا يُصَامُ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أَيْ: فِيهَا (وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ آخِرِهَا)، أَيْ: الثَّلَاثَةِ: (يَوْمَ عَرَفَةَ) نَصًّا، فَيُقَدَّمُ الْإِحْرَامُ لِيَصُومَهَا فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، وَاسْتُحِبَّ لَهُ هُنَا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ، (وَلَهُ تَقْدِيمُهَا)، أَيْ: الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَبْلَ إحْرَامٍ بِحَجٍّ) ، فَيَصُومَهَا (بَعْدَ إحْرَامٍ بِعُمْرَةٍ) ، لِأَنَّهُ أَحَدُ إحْرَامِ التَّمَتُّعِ، فَجَازَ الصَّوْمُ فِيهِ، كَإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَلِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْوَاجِبِ هُنَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهِ، حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هُنَا: الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، (إذْ الظَّاهِرُ مِنْ الْمُعْسِرِ اسْتِمْرَارُ إعْسَارِهِ) ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهَا قَبْلَ إحْرَامِ عُمْرَةٍ.
(وَوَقْتُ وُجُوبِهَا)، أَيْ: الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَيْ: صَوْمُهَا: (كَ) وَقْتِ وُجُوبِ (هَدْيٍ) ، لِأَنَّهَا بَدَلُهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ.
(وَ) صَامَ (سَبْعَةَ) أَيَّامٍ (إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196](وَإِنْ صَامَهَا)، أَيْ: السَّبْعَةَ أَيَّامٍ (قَبْلَ رُجُوعِهِ) إلَى أَهْلِهِ (قَبْلَ
فَرَاغِ حَجٍّ؛ أَجْزَأَهُ) صَوْمُهَا، وَالْأَفْضَلُ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ.
(وَكَلَامُ " الْمُنْتَهَى ") هُنَا (غَيْرُ مُحَرَّرٍ)، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ صَامَهَا قَبْلَ إحْرَامٍ بِحَجٍّ، أَجْزَأَ.
مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ، وَفَرَاغُهُ مِنْهُ وَمِنْ أَيَّامِ مِنًى، هَذَا مُرَادُهُ قَطْعًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيَّامَ مِنًى، قَالَ فِي " شَرْحِهِ ": لِبَقَاءِ أَعْمَالٍ مِنْ الْحَجِّ، فَفِي عِبَارَتِهِ مِنْ الْإِيهَامِ مَا لَا يَخْفَى.
(وَمَنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي أَيَّامِ مِنًى) وَهِيَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، (صَامَ بَعْدَ) ذَلِكَ (عَشَرَةً) كَامِلَةً، (وَعَلَيْهِ دَمٌ) ، لِتَأْخِيرِهِ وَاجِبًا عَنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ عَنْ وَقْتِهِ، كَتَأْخِيرِ رَمْيِ جِمَارٍ عَنْهَا (مُطْلَقًا)، أَيْ: لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَكَذَا إنْ أَخَّرَ الْهَدْيَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ بِلَا عُذْرٍ) ، فَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِتَأْخِيرِهِ لِذَلِكَ، لِمَا مَرَّ.
(وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ، وَلَا تَفْرِيقٌ فِي) صَوْمِ (الثَّلَاثَةِ، وَ) لَا فِي صَوْمِ (السَّبْعَةِ، وَلَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ إذَا قَضَا) هَا، وَكَذَا لَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمِنًى، وَأَتْبَعَهَا بِالسَّبْعَةِ، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهَا مُطْلَقٌ، فَلَا يَقْتَضِي جَمْعًا، (وَلَا يَلْزَمُ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَدْيٍ بَعْدَ وُجُوبِ صَوْمٍ) ، بِأَنْ كَانَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، (انْتِقَالٌ عَنْهُ)، أَيْ: الصَّوْمِ، (شَرَعَ فِيهِ أَوْ لَا) ، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ، فَقَدْ اسْتَقَرَّ الصَّوْمُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَخْرَجَ الْهَدْيَ إذَنْ، أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.
(وَمَنْ لَزِمَهُ صَوْمُ مُتْعَةٍ، فَمَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، (لِغَيْرِ عُذْرٍ، أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ، وَإِلَّا، اُسْتُحِبَّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يُصَامُ عَنْهُ، لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ تَرْكُهُ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ، (فَلَا) إطْعَامَ عَنْهُ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ.
(وَعَلَى مُحْصِرٍ دَمٌ) ، بِنَحْرِهِ مَكَانَ الْإِحْصَارِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ، وَيَأْتِي
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُحْصِرُ الدَّمَ، (صَامَ عَشَرَةَ