الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّ أَقْوَالَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ.
(وَإِذَا عَقَدَ إمَامٌ الذِّمَّةَ كَتَبَ أَسْمَاءَ أَهْلِهَا وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ) ، فَكَتَبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، (وَ) كَتَبَ (حِلَاهُمْ) جَمْعُ: حِلْيَةٍ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، (فَيَكْتُبُ: طَوِيلٌ) ، أَوْ: قَصِيرٌ أَوْ رَبَعَةٌ، أَسْمَرُ أَوْ أَخْضَرُ أَوْ أَبْيَضُ، مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ مَفْرُوقُهُمَا، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ ضِدُّهُمَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَتَبَ دِينَهُمْ، فَيَقُولُ: يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ، (وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِّيفًا) وَهُوَ الْقَيِّمُ بِأُمُورِ الْقَبِيلَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ، لِحَدِيثِ:«الْعِرَافَةُ حَقٌّ» (مُسْلِمًا) لِيَقْبَلَ خَبَرَهُ، يَجْمَعُهُمْ عِنْدَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَ (يَكْشِفُ حَالَ مَنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ بِبُلُوغٍ وَنَحْوِهِ) كَإِسْلَامٍ وَاسْتِغْنَاءٍ وَإِفَاقَةٍ مِنْ جُنُونٍ، لِيَتَعَرَّفَ أَمْرَ الْجِزْيَةِ، (أَوْ نَقَضَ الْعَهْدَ أَوْ خَرَقَ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ) ، لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ.
(وَمَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةٌ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ، لِتَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ، بَلْ هُنَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ.
[فَرْعٌ مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ]
(فَرْعٌ: مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ مَعَهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ لَا يَصِحُّ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ طُولِبُوا بِذَلِكَ، فَأَخْرَجُوا كِتَابًا ذَكَرُوا أَنَّهُ بِخَطِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، كَتَبَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ فِيهِ شَهَادَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمُعَاوِيَةَ، فَوَجَدَ تَارِيخَهُ بَعْدَ مَوْتِ سَعْدٍ، وَقَبْلَ إسْلَامِ مُعَاوِيَةَ فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِهِ.
[بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ]
أَيْ: مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوَّلَهُمْ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ عَقْدُهَا لَهُمْ يَجِبُ (عَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ)، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ، (وَمَنْعُ مَنْ يُؤْذِيهِمْ) ، لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ عَلَى ذَلِكَ، (وَفَكُّ أَسْرَاهُمْ) ، لِأَنَّهُمْ جَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ
الْإِسْلَامِ، وَتَأَيَّدَ عَقْدُهُمْ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَعُونَتِنَا (بَعْدَ فَكِّ أَسْرَانَا) فَيَبْدَأُ بِفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ (دَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِأَذَى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ) ، بَلْ كَانُوا بِدَارِنَا، وَلَوْ كَانُوا مُنْفَرِدِينَ بِبَلَدٍ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": وَالْمُنْفَرِدُونَ بِبَلَدٍ مُتَّصِلٍ بِبَلَدِنَا يَجِبُ ذَبُّ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ عَلَى الْأَشْبَهِ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي " الْفُرُوعِ " فَإِنْ كَانُوا بِدَارِ حَرْبٍ لَمْ يَلْزَمْنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ.
(وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ) بَعْدَ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِقِتَالِهِمْ.
(وَعَلَيْهِ أَخْذُهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَعِرْضٍ، وَ) فِي (إقَامَةِ حَدٍّ فِيمَا يُحَرِّمُونَهُ)، أَيْ: يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ (كَزِنًا) ، فَمَنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا، أَوْ تَعَدَّى عَلَى مَالٍ، أَوْ قَذَفَ أَوْ سَبَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أُخِذَ بِذَلِكَ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْن عُمَرَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ الْيَهُودِ زَنَيَا فَرَجَمَهُمَا» (وَسَرِقَةٍ) ، فَمَنْ سَرَقَ مِنْهُمْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِشَرْطِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ فِي دِينِهِمْ، وَقَدْ الْتَزَمُوا حُكْمَ الْإِسْلَامِ، فَثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ كَالْمُسْلِمِ، وَ (لَا) يُحَدُّونَ فِي (مَا يُحِلُّونَهُ)، أَيْ: يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ (كَخَمْرٍ) وَأَكْلِ خِنْزِيرٍ (وَنِكَاحِ) ذَاتِ (مَحْرَمٍ) ، لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا وَإِثْمًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهِ كَمَا يَأْتِي، لِتَأَذِّينَا بِهِ، (وَعَقْدٍ فَاسِدٍ) يَرَوْنَ صِحَّتَهُ، وَلَوْ رَضُوا بِحُكْمِنَا، فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهِ مَا لَمْ يَرْتَفِعُوا إلَيْنَا، (فَلَوْ تَزَوَّجَ يَهُودِيٌّ وَنَحْوُهُ) كَمَجُوسِيٍّ (بِنْتَ أَخِيهِ مَثَلًا لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَيَرِثُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ) ، وَإِنْ كَانَ هَذَا النِّكَاحُ بَاطِلًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ أَيْ: لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّهُ.
(وَإِنْ تَحَاكَمُوا)، أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ (إلَيْنَا) ، فَلَنَا الْحُكْمُ بِشَرْعِنَا وَالتَّرْكُ (أَوْ) تَحَاكَمَ إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَانِ بِاتِّفَاقِهِمَا) ، فَلَنَا الْحُكْمُ بِشَرْعِنَا وَالتَّرْكُ،
فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا حُكْمَنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ، (أَوْ اسْتَعْدَى ذِمِّيٌّ عَلَى) ذِمِّيٍّ (آخَرَ فَلَنَا الْحُكْمُ بِشَرْعِنَا وَالتَّرْكُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] مَعَ قَوْلِهِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] .
(وَيَجِبُ) الْحُكْمُ (بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) تَحَاكَمَا إلَيْنَا لِمَا فِيهِ مِنْ إنْصَافِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ رَدِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ، (وَيَلْزَمُهُمْ حُكْمُنَا) إنْ حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، لِالْتِزَامِهِمْ بِالْعَقْدِ ذَلِكَ شَرِيعَتُنَا.
(وَيَحْرُمُ إحْضَارُ يَهُودِيٍّ فِي سَبْتِهِ وَتَحْرِيمُهُ)، أَيْ: السَّبْتِ (بَاقٍ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، (فَيُسْتَثْنَى شَرْعًا مِنْ عَمَلٍ فِي إجَارَةٍ)، لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ «وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» . (وَيَتَّجِهُ: وَلِمُسْتَأْجِرِ) إنْسَانًا زَمَنًا مَعْلُومًا كَشَهْرٍ مَثَلًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَ (لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، أَوْ عَلِمَ وَجَهِلَ تَحْرِيمَ سَبْتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ (الْفَسْخُ) إزَالَةً لِضَرَرِهِ بِتَرْكِ الْعَمَلِ فِي كُلِّ سَبْتٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ) إذَا لَمْ يَرْتَفِعُوا إلَيْهِ (أَنْ يَتَتَبَّعَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِمْ، وَلَا يَدْعُوهُمْ إلَى حُكْمِنَا)، أَيْ: شَرِيعَتِنَا (نَصًّا) ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِإِقْرَارِنَا لَهُمْ بِالْجِزْيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَاةِ، وَلَا الْحَجُّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانُوا يُعَاقَبُونَ عَلَى سَائِرِ الْفُرُوعِ كَالتَّوْحِيدِ.
(وَلَا يُفْسَخُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بَيْعٌ فَاسِدٌ) كَخَمْرٍ وَنَحْوِهِ (تَقَابَضَاهُ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ (قَبْلَ تَرَافُعٍ إلَيْنَا، وَلَوْ أَسْلَمُوا) بَعْدَ التَّقَابُضِ، أَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالتَّقَابُضِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَتَنْفِيرًا عَنْ الْإِسْلَامِ
بِتَقْدِيرِ إرَادَتِهِ، وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِهِمْ، وَمُقَاسَمَاتِهِمْ إذَا تَقَابَضُوهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، فَسَخَهُ حَاكِمُنَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فَنُقِضَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا، لِعَدَمِ لُزُومِهِمْ حُكْمَهُ، لِأَنَّهُ لَغْوٌ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
(وَيُمْنَعُونَ مِنْ شِرَاءِ مُصْحَفٍ، وَكُتُبِ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَتَفْسِيرٍ) ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ ابْتِذَالَ ذَلِكَ بِأَيْدِيهِمْ، (وَلَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَكَرِهَ بَيْعُهُمْ ثِيَابًا مَكْتُوبًا عَلَيْهَا ذِكْرُ اللَّهِ) تَعَالَى أَوْ كَلَامُهُ حِذْرًا مِنْ أَنْ يُمْتَهَنَ، و (لَا) يُكْرَهُ لَنَا بَيْعُهُمْ (كُتُبَ أَدَبٍ وَلُغَةٍ وَصَرْفٍ) لَا قُرْآنَ فِيهِ، وَلَا أَحَادِيثَ دُونَ كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ وَالْفِقْهِ، فَيُمْنَعُونَ مِنْ شِرَائِهَا كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَأَوْلَى.
(وَيَلْزَمُهُمْ تَمْيِيزٌ عَنَّا بِقُبُورِهِمْ) تَمْيِيزًا ظَاهِرًا كَالْحَيَاةِ وَأَوْلَى، وَيَجِبُ مُبَاعَدَةُ مَقَابِرِهِمْ عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، لِئَلَّا تَصِيرَ الْمَقْبَرَتَانِ وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْنُهُمْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. (وَكَرِهَ جُلُوسٌ بِهَا)، أَيْ: مَقَابِرِهِمْ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَصَابَهُمْ عَذَابٌ، قَالَ تَعَالَى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]
(وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِحِلَاهُمْ بِحَذْفٍ)، أَيْ: حَلْقِ، (مُقَدَّمِ شُعُورِ رُءُوسِهِمْ) بِأَنْ يَجُزُّوا نَوَاصِيَهُمْ وَهِيَ: مِقْدَارُ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَيْنَ الْعَذَارِ وَالنَّزْعَتَيْنِ الْمَعْرُوفُ بِالسَّالِفِ. وَ (لَا) يَجْعَلُونَهُ (كَعَادَةِ الْأَشْرَافِ) بِأَنْ يَتَّخِذُوا شَرَابِينَ، (وَأَنْ لَا يُفَرِّقُوا شُعُورَهُمْ) بِأَنْ يَقْسِمُوا شُعُورَهُمْ نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ، وَيَجْعَلُوهُ ذُؤَابَتَيْنِ، لِأَنَّ الْفَرْقَ مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ تَكُونُ شُعُورُ رُءُوسِهِمْ جَمَّةً، لِاشْتِرَاطِ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا كَتَبُوهُ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، وَكَتَبَ بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَتَبَ لَهُ عُمَرُ أَنْ امْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوا، رَوَاهُ الْخَلَّالُ.
(وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِكُنَاهُمْ وَأَلْقَابِهِمْ، فَيُمْنَعُونَ) مِنْ التَّكَنِّي بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ (نَحْوُ: أَبِي الْقَاسِمِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَبِي الْحَسَنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعِزِّ الدِّينِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا هُوَ فِي الْغَالِبِ فِي الْمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِمْ فِي الْخَبَرِ: وَلَا نَكَتْنِي بِكُنَاهُمْ، (وَلَا يُمْنَعُونَ مُطْلَقَ الْكُنَى)، قَالَهُ أَحْمَدُ لِطَبِيبٍ نَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِ عُمَرَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا بَأْسَ بِهِ، «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُسْقُفِ نَجْرَانَ: يَا أَبَا الْحَارِثِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ» ، وَعُمَرُ قَالَ لِنَصْرَانِيٍّ: يَا أَبَا حَسَّانَ،
(وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا إذَا رَكِبُوا (بِرُكُوبِهِمْ عَرْضًا، رِجْلَاهُ لِجَانِبٍ وَظَهْرُهُ لِ) جَانِبٍ (آخَرَ بِإِكَافٍ، وَهُوَ: الْبَرْذَعَةُ عَلَى غَيْرِ خَيْلٍ)، لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ: أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِجَزِّ نَوَاصِيَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يَشُدُّوا الْمَنَاطِقَ، وَأَنْ يَرْكَبُوا الْأَكُفَّ بِالْعَرْضِ.
(وَ) يَلْزَمُهُمْ التَّمْيِيزُ عَنَّا (بِلِبَاسٍ عَسَلِيٍّ لِيَهُودٍ، وَلِبَاسِ ثَوْبٍ أَدْكَنَ، وَهُوَ الْفَاخِتِيُّ) : لَوْنٌ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ (لِلنَّصَارَى) ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ.
(وَ) مِمَّا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ (شَدُّ خَرْقٍ) صُفْرٍ أَوْ زُرْقٍ (بِقَلَانِسِهِمْ وَعَمَائِمِهِمْ) ، بِحَيْثُ تَكُونُ الْخِرْقَةُ يُخَالِفُ لَوْنُهَا لَوْنَ الْقَلَانِسِ وَالْعَمَائِمِ، لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ (وَ) مِمَّا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ شَدُّ (زُنَّارٍ، وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ فَوْقَ ثِيَابِ نَصْرَانِيٍّ، وَتَحْتَ ثِيَابِ نَصْرَانِيَّةٍ) وَيَكْفِي الْغِيَارُ أَوْ الزُّنَّارُ، (وَيُغَايِرُ نِسَاءُ كُلٍّ) مِنْ يَهُودَ وَنَصَارَى (بَيْنَ لَوْنَيْ خُفٍّ) لِيَمْتَازُوا عَنَّا، وَلَا يُمْنَعُونَ فَاخِرَ الثِّيَابِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَالطَّيْلَسَانِ، لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ.
(وَ) يَلْزَمُهُمْ (لِدُخُولِ حَمَّامِنَا جُلْجُلٌ)، وَهُوَ: الْجَرَسُ الصَّغِيرُ، (أَوْ خَاتَمٌ رَصَاصٌ وَنَحْوُهُ) كَحَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ، أَوْ طَوْقٍ مِنْ ذَلِكَ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، لِتَحْرِيمِهِمَا عَلَى الذُّكُورِ (بِرِقَابِهِمْ) ، لِيَتَمَيَّزُوا عَنَّا فِي الْحَمَّامِ، وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ صَلِيبٍ مَكَانَهُ، لِمَنْعِهِمْ مِنْ إظْهَارِهِ