الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ تَعْجِيلَهَا كَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِهَا إذْ الظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا أَوْ بَعْضِهَا إلَى يَوْمِ الْعِيدِ. (وَلَا تُجْزِئُ) فِطْرَةٌ أَخْرَجَهَا (قَبْلَهُمَا)، أَيْ: الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيهِمَا الْعِيدُ، لِحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» وَمَتَى قَدَّمَهَا بِزَمَنٍ كَثِيرٍ فَاتَ الْإِغْنَاءُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَقْصُودٌ، وَفِي يَوْمِ عِيدٍ، فَاخْتَصَّ بِهِ وَبِمَا قَارَبَهُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُجْزِئْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ بِالزَّمَنِ الْكَثِيرِ.
[فَصْلٌ الْوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ صَاعُ بُرٍّ]
(فَصْلٌ)(وَالْوَاجِبُ فِيهَا)، أَيْ: الْفِطْرَةِ: (صَاعُ بُرٍّ)، لِأَنَّهُ الَّذِي أُخْرِجَ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم وَحِكْمَتُهُ: كِفَايَةُ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ، (وَ) إنْ أَخْرَجَ (فَوْقَهُ)، أَيْ: الصَّاعِ، فَهُوَ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ زَادَ الْفَقِيرَ خَيْرًا، وَاسْتَبْعَدَ أَحْمَدُ مَا نُقِلَ لَهُ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَزِيدُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ خَمْسًا، (وَهُوَ مُخْتَلِفٌ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ حَبِّهِ ثِقَلًا وَخِفَّةً) كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، (فَالْعِبْرَةُ بِمِثْلِ مَكِيلِهِ)، أَيْ: الْبُرِّ (مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ)، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:«كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) صَاعَ (مَجْمُوعٍ مِنْ ذَلِكَ)، أَيْ: مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَجُوزُ مُنْفَرِدًا، فَجَازَ مَعَ غَيْرِهِ، لِتَقَارُبِ مَقْصُودِهَا وَاتِّحَادِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُ
مُخْرِجًا قُوتًا لَهُ) كَالْأَقِطِ، مَعَ وُجُودِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
(وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ) الْأُصُولِ (الْخَمْسَةِ لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهَا) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. (وَيُحْتَاطُ فِي ثَقِيلٍ) كَتَمْرٍ (مَنْ أَخْرَجَ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا) فَيَزِيدُ شَيْئًا (لِيَبْلُغَ قَدْرَ صَاعٍ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ) خُرُوجًا مِنْ الْعُهْدَةِ. (وَقَدَّرَ جَمَاعَةٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ شَارِحُ " الْمُنْتَهَى " (الصَّاعَ بِأَرْبَعِ حَفَنَاتٍ) جَمْعُ: حَفْنَةٍ مِنْ الْحَفْنِ، وَهُوَ: أَخْذُ الشَّيْءِ بِالرَّاحَةِ وَالْأَصَابِعُ مَضْمُومَةٌ، أَوْ: الْجَرْفُ بِكِلْتَا الْيَدَيْنِ، (بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ) وَهُوَ قَدَحَانِ.
(وَيُجْزِئُ دَقِيقُ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَسَوِيقُهُمَا، وَهُوَ: مَا يُحَمَّصُ ثُمَّ يُطْحَنُ، بِوَزْنِ حَبِّهِ) نَصًّا، لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ الدَّقِيقِ بِزِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ:«أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ: إنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ، قَالَ: بَلْ هُوَ فِيهِ، أَيْ: حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ، لِأَنَّهُ كَفَى مُؤْنَتَهُ كَتَمْرٍ مَنْزُوعٍ نَوَاهُ.
(وَلَوْ) كَانَ الدَّقِيقُ (بِلَا نَخْلٍ) ، لِأَنَّهُ بِوَزْنِ حَبِّهِ. (كَ) مَا يُجْزِئُ حَبٌّ (بِلَا تَنْقِيَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُحِبُّ أَنْ يُنَقِّيَ الطَّعَامَ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ لِيَكُونَ عَلَى الْكَمَالِ، وَيَسْلَمَ مِمَّا يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِهِ.
وَ (لَا) يُجْزِئُ (خُبْزٌ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ، وَكَذَا بِكِصْمَاتٍ وَهَرِيسَةٌ. (وَ) لَا يُجْزِئُ (مَعِيبٌ) مِمَّا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] ، (كَمُسَوَّسٍ) ، لِأَنَّ السُّوسَ أَكَلَ جَوْفَهُ،
(وَمَبْلُولٍ) لِأَنَّ الْبَلَلَ يَنْفُخُهُ، (وَقَدِيمٍ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ) لِعَيْبِهِ بِتَغَيُّرِ طَعْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَجْزَأَ لِعَدَمِ عَيْبِهِ. وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ.
(وَنَحْوِهِ)، أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَعِيبِ. (وَ) لَا يُجْزِئُ صِنْفٌ مِنْ الْخَمْسَةِ (مُخْتَلِطٌ) بِ (كَثِيرٍ مِمَّا لَا يُجْزِئُ) كَقَمْحٍ اخْتَلَطَ بِكَثِيرِ زُوَانٍ أَوْ عَدَسٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرٌ مُجْزِئٌ مِنْهُ (وَيُزَادُ) عَلَى صَاعٍ (إنْ قَلَّ) خَلِيطٌ لَا يُجْزِئُ (بِقَدْرِهِ)، أَيْ: الْخَلِيطِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ. وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ قِيمَةِ الصَّاعِ نَصًّا.
(وَيَتَّجِهُ: وَإِلَّا) يَكُنْ الْمُخْتَلَطُ قَلِيلًا (صَفَّاهُ) لِيَخْتَبِرَ خَالِصَهُ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ تَصْفِيَتِهِ (زَادَ بِقَدْرِهِ)، أَيْ: الْمَعِيبِ الْمُخْتَلَطِ، لِيُخْرِجَ قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ يَقِينًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَيُخْرِجُ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ)، أَيْ: الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ (مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ حَبٍّ) يُقْتَاتُ، (وَ) مِنْ (ثَمَرٍ مَكِيلٍ يُقْتَاتُ كَذُرَةٍ وَدُخْنٍ وَرُزٍّ وَعَدَسٍ وَتِينٍ) يَابِسٍ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى. و (لَا) يُجْزِئُ إخْرَاجُ (مَا يُقْتَاتُ مِنْ نَحْوِ لَحْمٍ وَلَبَنٍ) وَكِشْكٍ وَبَقْلٍ وَشِبْهَهُ. (وَأَفْضَلُ مُخْرَجٍ تَمْرٌ)" لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ لَهُ أَبُو مِجْلَزٍ:" إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالْبُرُّ أَفْضَلُ، فَقَالَ: إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ قُوَّةٌ وَحَلَاوَةٌ، وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً، (فَزَبِيبٌ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ (فَبُرٌّ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَأَبْلَغُ فِي دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، (فَشَعِيرٌ فَدَقِيقُهُمَا)، أَيْ: دَقِيقُ بُرٍّ، فَدَقِيقُ شَعِيرٍ،