الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِحْرَامُ (بِهَا) يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالطَّوَافِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا.
[بَابُ الْإِحْرَامِ]
(بَابُ الْإِحْرَامِ) قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ، كَأَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ الطَّيِّبَ وَالنِّكَاحَ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ، كَمَا يُقَالُ: أَشْتَى، إذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ، وَأَرْبَعَ، إذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ. وَشَرْعًا:(نِيَّةُ النُّسُكِ، أَيْ: الدُّخُولِ فِيهِ) ، لَا نِيَّةَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ، (فَلَا يَنْعَقِدُ)، أَيْ: النُّسُكُ، (بِدُونِهَا)، أَيْ: النِّيَّةِ، لِحَدِيثِ:«إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (وَسُمِّيَ) الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ (إحْرَامًا، لِتَحْرِيمِ) الْمُحْرِمِ بِإِحْرَامِهِ عَلَى نَفْسِهِ (مَا كَانَ يَحِلُّ) لَهُ مِنْ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ وَنَحْوِهَا.
(وَسُنَّ لِمُرِيدِهِ)، أَيْ: الْإِحْرَامَ (غُسْلٌ) لِلْخَبَرِ، وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ «لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَأَمَرَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِإِهْلَالِ الْحَجِّ وَهِيَ حَائِضٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَإِنْ رَجَتَا الطُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمِيقَاتِ أَخَّرَتَاهُ حَتَّى تَطْهُرَا، (أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمِ) مَاءٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ، لِعُمُومِ:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43](وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَيْنَ غُسْلٍ وَإِحْرَامٍ) كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ.
(وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ حَدَثُهُ (بِجِمَاعٍ) بَيْنَ غُسْلٍ وَإِحْرَامٍ، فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي إحْرَامِهِ، إذْ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ، (وَ) يَضُرُّ حَدَثُ الْمَرْأَةِ بِطُرُوءِ (حَيْضٍ) بَعْدَ اغْتِسَالِهَا لِلْإِحْرَامِ، كَالْوَاطِئِ وَأَوْلَى، إذْ طُرُوءُ الْحَيْضِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهَا، (وَ) يَتَّجِهُ
(أَنَّ الطِّفْلَ يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ) إذَا أَرَادَ إدْخَالَهُ فِي النُّسُكِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) سُنَّ لَهُ (تَنَظُّفٌ بِأَخْذِ شَعْرٍ) مِنْ حَلْقِ عَانَةٍ، وَقَصِّ شَارِبٍ وَنَتْفِ إبِطٍ، (وَ) تَقْلِيمِ (ظُفْرٍ وَقَطْعِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ)، لِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ:" كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَلْبَسُونَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِمْ " رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِبَادَةٌ، فَسُنَّ فِيهِ ذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ (وَ) سُنَّ لَهُ (تَطَيُّبٌ بِنَحْوِ مِسْكٍ وَعُودٍ وَمَاءِ وَرْدٍ)، لِقَوْلِ عَائِشَةَ:" كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَتْ: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) سُنَّ (خِضَابٌ لَهَا)، أَيْ: لِلْمَرْأَةِ إذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ (بِحِنَّاءٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُدَلِّكَ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي حِنَّاءٍ " وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ أَشْبَهَ الطِّيبَ، (وَكُرِهَ) لَهَا أَنْ تَتَخَضَّبَ (بَعْدَهُ)، أَيْ: الْإِحْرَامِ، (كَتَطَيُّبِ) مَرِيدِ الْإِحْرَامِ (فِي ثَوْبِهِ قَبْلَهُ)، أَيْ: الْإِحْرَامِ، (وَلَهُ) إنْ طَيَّبَ ثَوْبَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ (اسْتِدَامَتُهُ)، أَيْ: اسْتِدَامَةُ لِبْسِهِ، (مَا لَمْ يَنْزِعْهُ) ، فَإِنْ نَزَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ لِبْسُهُ وَالطِّيبُ فِيهِ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الطِّيبَ وَلِبْسُ الْمُطَيَّبِ دُونَ الِاسْتِدَامَةِ، (فَإِنْ لَبِسَهُ) بَعْدَ نَزْعِهِ، وَأَثَرُ الطِّيبِ بَاقٍ لَمْ يَغْسِلْهُ حَتَّى يَذْهَبَ، فَدَى، لِاسْتِعْمَالِهِ الطِّيبَ،
(أَوْ نَقَلَ طِيبَ بَدَنِهِ) مِنْ مَوْضِعِهِ (لِمَوْضِعٍ آخَرَ، فَدَى) ، أَوْ تَعَمَّدَ مَسَّهُ بِيَدِهِ، فَعَلِقَ الطِّيبُ بِهَا، أَوْ نَحَّاهُ عَنْ مَوْضِعِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ، فَدَى، لِأَنَّهُ ابْتِدَاءٌ لِلطِّيبِ (لَا إنْ سَالَ) الطِّيبُ (بِعَرَقٍ أَوْ شَمْسٍ)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ:«كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنْهَانَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(وَسُنَّ) لِمَرِيدِهِ (لِبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفِينَ) جَدِيدَيْنِ أَوْ خَلِيقَيْنِ (وَنَعْلَيْنِ)، لِحَدِيثِ:«وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَنَعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ. وَفِي " تَبْصِرَةِ الْحَلْوَانِيِّ " إخْرَاجُ كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ الرِّدَاءِ أَوْلَى، وَالنَّعْلَانِ التَّاسُومَةُ.
وَلَا يَجُوزُ لَهُ لِبْسُ سرموزة وَنَحْوِهَا إنْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ، وَيَكُونُ لِبْسُهُ ذَلِكَ (بَعْدَ تَجَرُّدِ ذَكَرٍ عَنْ مَخِيطٍ) كَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
(وَ) يُسَنُّ (إحْرَامٌ عَقِبَ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا) نَصًّا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
و (لَا) يَرْكَعُ رَكْعَتَيْ النَّفْلِ (وَقْتَ نَهْيٍ) ، لِتَحْرِيمِ النَّفْلِ إذَنْ، (وَلَا) يَرْكَعُهُمَا (عَادِمُ مَاءٍ وَتُرَابٍ)، لِحَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ إحْرَامِهِ، صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
(وَ) سُنَّ لَهُ (أَنْ يُعَيِّنَ نُسُكًا) فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ مِنْ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ قِرَانٍ، (وَيَلْفِظُ بِهِ)، أَيْ: بِمَا عَيَّنَهُ، لِلْأَخْبَارِ، (وَأَنْ يَشْتَرِطَ) ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاطَ مُسْتَحَبٌّ، وَكَوْنُهُ بِالْقَوْلِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ
عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " لِحَدِيثِ «ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، وَأَجِدُنِي وَجِعَةً، فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقَوْلِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ النَّسَائِيّ: «فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْت» .
(فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ، فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي) .
وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا (وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ، فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)، أَوْ: فَلِي أَنْ أُحِلَّ، (وَكَيْف اشْتَرَطَ جَازَ) ، فَلَوْ اشْتَرَطَ بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَى الِاشْتِرَاطِ، (كَقَوْلِهِ) : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ (أَنْ تُيَسِّرَ لِي وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ عَلَيَّ) ، جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرِ (وَيَسْتَفِيدُ بِهِ)، أَيْ: بِاشْتِرَاطِهِ، (أَنَّهُ مَتَى حُبِسَ بِمَرَضٍ) أَوْ عَاقَهُ عَدُوٌّ (أَوْ غَيْرُهُ) كَذَهَابِ نَفَقَتِهِ (حَلَّ مَجَّانًا) نَصًّا.
قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَيَلْزَمُهُ نَحْوُهُ، (وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِشَرْطٍ، أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ، أَوْ إنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ، لَمْ يَصِحَّ) شَرْطُهُ، لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِيهِ، (وَشُرِطَ تَنْجِيزُ إحْرَامٍ، فَلَا يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ (مُعَلَّقًا، ك) قَوْلِهِ: (إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ، أَوْ قَدِمَ) زَيْدٌ، (فَأَنَا مُحْرِمٌ) ، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِذَلِكَ.
(وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ عَلَّقَ) إحْرَامَهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ، كَقَوْلِهِ: أَنَا مُحْرِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ: بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ، فَحُكْمُهُ (كَصَوْمٍ) عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ التَّبَرُّكَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، (وَ) يَتَّجِهُ:(أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ) إحْرَامُهُ إنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ (مُتَلَاعِبًا) ، لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.