الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ يَحْرُمُ غَزْوٌ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ]
(فَصْلٌ)(وَيَحْرُمُ غَزْوٌ بِلَا إذْنِ الْأَمِيرِ) ، لِرُجُوعِ أَمْرِ الْحَرْبِ إلَيْهِ، لِعِلْمِهِ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِ وَمَكَامِنِهِ وَكَيْدِهِ، (إلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ) مِنْ الْكُفَّارِ (يَخَافُونَ طَلَبَهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ: شَرَّهُ وَأَذَاهُ، فَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِلَا إذْنِهِ،
لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ
، وَلِذَلِكَ، «لَمَّا أَغَارَ الْكُفَّارُ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَادَفَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ خَارِجًا عَنْ الْمَدِينَةِ تَبِعَهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، فَمَدَحَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: خَيْرُ رِجَالِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَأَعْطَاهُ سَهْمَ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ» (أَوْ) عَرَضَتْ لَهُمْ (فُرْصَةٌ يَخَافُونَ فَوْتَهَا) بِتَرْكِ الِاسْتِئْذَانِ، (فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ) ذُو مَنَعَةٍ أَوَّلًا، (أَوْ دَخَلَ وَاحِدٌ وَلَوْ عَبْدًا دَارَ حَرْبٍ بِلَا إذْنِ) إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ، (فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ، لِعِصْيَانِهِمْ) بِالِافْتِئَاتِ عَلَى الْإِمَامِ، لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ، فَنَاسَبَ حِرْمَانَهُمْ.
(وَإِنْ بَعَثَ إمَامٌ جَيْشًا) أَوْ سَرِيَّةً (وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا، فَقُتِلَ) الْأَمِيرُ (أَوْ مَاتَ، فَلِلْجَيْشِ أَنْ يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ)«كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَيْشِ مُؤْتَةَ لَمَّا قُتِلَ أُمَرَاؤُهُمْ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضِيَ أَمْرَهُمْ، وَصَوَّبَ رَأْيَهُمْ، وَسَمَّى خَالِدًا يَوْمَئِذٍ سَيْفَ اللَّهِ» (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْإِمَارَةُ دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ) ، وَأَظْهَرُوا التَّجَلُّدَ وُجُوبًا، لِئَلَّا يَطْمَعَ بِهِمْ الْعَدُوُّ.
(وَلَا يُقِيمُوا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ بِلَا أَمِيرٍ وَلَا يُؤَخَّرُ جِهَادٌ، لِعَدَمِ إمَامٍ) ، لِئَلَّا يَسْتَوْلِيَ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَتَظْهَرَ كَلِمَةُ الْكُفْرِ.
(فَإِنْ حَصَلَتْ غَنِيمَةٌ قَسَمُوهَا عَلَى مُوجِبِ الشَّرْعِ)، كَمَا يُقَسِّمُهَا الْإِمَامُ عَلَى مَا يَأْتِي (قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى:(وَتُؤَخَّرُ قِسْمَةُ الْإِمَاءِ حَتَّى يَقُومَ إمَامٌ) ، فَيُقَسِّمُهَا (احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ، وَمَنْ
أَخَذَ) مِنْ الْجَيْشِ أَوْ أَتْبَاعِهِ (مِنْ دَارِ حَرْبٍ رِكَازًا أَوْ مُبَاحًا لَهُ قِيمَةٌ) فِي مَكَانِهِ (ف) هُوَ (غَنِيمَةٌ) ، لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي جَوَيْرِيَةَ الْجَرْمِيِّ، قَالَ:«لَقِيت بِأَرْضِ الرُّومِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فِي إمْرَةِ مُعَاوِيَةَ، وَعَلَيْنَا مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ السُّلَمِيُّ، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أَعْطَى رَجُلًا مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا نَفَلَ إلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ، لَأَعْطَيْتُك، ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ نَصِيبِهِ فَأَبَيْت» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَتُهُ هُنَاكَ كَالْأَقْلَامِ وَالْمِسَنِّ، فَلِآخِذِهِ، وَلَوْ صَارَ لَهُ قِيمَةٌ بِنَقْلِهِ وَمُعَالَجَتِهِ.
(وَ) مَنْ أَخَذَ (طَعَامًا وَلَوْ سُكَّرًا وَنَحْوَهُ) كَحَلْوَى وَمَعَاجِينَ، (أَوْ) أَخَذَ (عَلَفًا وَلَوْ بِلَا إذْنِ) أَمِيرٍ، (وَ) لَا (حَاجَةَ، فَلَهُ أَكْلُهُ، وَلَهُ إطْعَامُ سَبِيٍّ اشْتَرَاهُ وَنَحْوُهُ) كَعَبْدِهِ وَغُلَامِهِ، (وَ) لَهُ (عَلَفُ دَابَّتِهِ وَلَوْ) كَانَتْ (لِتِجَارَةٍ) ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ:«أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد وَلِسَعِيدٍ: أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ إنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْغَلَّةِ، وَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاسَ يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ، فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ خُمُسُ اللَّهِ، وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ و (لَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْلِفَ مِنْهُ دَابَّةً (لِصَيْدٍ كَفَهْدٍ وَجَارِحٍ) ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَرُدُّ فَاضِلًا) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ، (وَلَوْ) كَانَ (يَسِيرًا) ، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، (وَ) يَرُدُّ (ثَمَنَ مَا بَاعَ) مِنْ طَعَامٍ وَعَلَفٍ لِلْخَبَرِ، (وَيَجُوزُ قِتَالٌ بِسِلَاحٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَيَرُدُّهُ) مَعَ حَاجَةٍ وَعَدَمِهَا، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: انْتَهَيْت إلَى أَبِي جَهْلٍ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِعِظَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.
و (لَا) يَجُوزُ الْقِتَالُ (عَلَى فَرَسٍ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ، (وَلَا
لِبْسُ ثَوْبٍ مِنْهَا) ، لِحَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ» رَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ عُرْضَةٌ لِلْعَطَبِ غَالِبًا، وَقِيمَتُهَا كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ السِّلَاحِ
(وَلَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ (أَخْذُ شَيْءٍ مُطْلَقًا) مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي دَارِ إسْلَامٍ أَوْ حَرْبٍ (مِمَّا أُحْرِزَ) مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ الْأَخْذُ قَبْلَ جَمْعِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدُ، فَأَشْبَهَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ نَحْوِ حَشِيشٍ وَحَطَبٍ فَإِذَا جُمِعَ ثَبَتَ فِيهِ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِمْ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَخْذُ شَيْءٍ (وَكَّلَ بِهِ إمَامٌ مَنْ يَحْفَظُهُ) ، لِأَنَّهُ صَارَ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَتَمَّ مِلْكُهُمْ عَلَيْهِ بِحِيَازَةِ مَنْ وَكَّلَهُ الْإِمَامُ.
(وَلَا) تَجُوزُ (التَّضْحِيَةُ بِشَيْءٍ) يَجِبُ (فِيهِ الْخُمْسُ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ، (أَوْ)، أَيْ: لَا يَجُوزُ (غَسْلُ ثَوْبٍ بِصَابُونٍ) ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ فِي الْمَغْنَمِ، (أَوْ)، أَيْ: وَلَا يَجُوزُ (اتِّخَاذُ نَعْلٍ وَنَحْوِهِ) كَجِرَبِ (مِنْ جُلُودِ) الدَّوَابِّ الْمَغْنُومَةِ، وَلَا خُيُوطٍ وَحِبَالٍ بَلْ يُرَدُّ فِي الْمَغْنَمِ، (وَلَهُ)، أَيْ: الْمُسْلِمِ (لِحَاجَةِ دَهْنِ بَدَنِهِ وَدَابَّتِهِ) بِدُهْنٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ (وَ) لَهُ (شُرْبُ شَرَابٍ كَجُلَّابٍ وسكنجبيل) لِحَاجَةٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الطَّعَامِ.
(وَمَنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ) مِمَّا أَخَذَهُ (لَهُ) ، لِأَنَّهُ أُعْطِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَنَةِ وَالنَّفَقَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ، كَمَا لَوْ وَصَّى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فُلَانٌ بِأَلْفٍ، (وَإِلَّا) يَكُنْ أَخْذُهُ فِي غَزَاةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْفَاضِلُ يُصْرَفُ (فِي الْغَزْوِ) ، لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ الْجَمِيعَ لِيَصْرِفَهُ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ، فَلَزِمَ إنْفَاقُهُ فِيهَا، كَوَصِيَّةِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ، وَلَا يَتْرُكُ لِأَهْلِهِ شَيْئًا مِمَّا أُعْطِيهِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي الْغَزْوِ حَتَّى يَصِيرَ إلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ، فَيَبْعَثَ إلَى عِيَالِهِ مِنْهُ.
(وَإِنْ أَخَذَ دَابَّةً غَيْرَ عَارِيَّةٍ وَ) لَا (حَبِيسٍ لِغَزْوِهِ عَلَيْهَا مَلَكَهَا بِهِ)، أَيْ: بِالْغَزْوِ عَلَيْهَا، لِحَدِيثِ