الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَا يُغَيَّرُ) عَقْدُهُ، وَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ (وَلِلْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (مُصَالَحَةُ مِثْلِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ بِذَلِكَ) ، بِأَنْ لَا يَضْرِبَ عَلَيْهِمْ جِزْيَةً، بَلْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الزَّكَوِيَّةِ زَكَاتَيْنِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ ذَلِكَ (خَشْيَةَ ضَرَرِهِمْ) ، فَإِنْ أُمِنَ ضَرَرُهُمْ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ
(وَيَفْسُدُ عَقْدُ ذِمَّةٍ إنْ شُرِطَ فِيهِ) شَرْطٌ فَاسِدٌ، مِثْلُ أَنْ يَشْرِطَ (أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، أَوْ) شُرِطَ فِيهِ (إظْهَارُ مُنْكَرٍ، أَوْ سُكْنَاهُمْ الْحِجَازَ وَنَحْوِهِ) ، لِفَسَادِ الشَّرْطِ، فَيَعُودُ عَلَى الْعَقْدِ بِالْبُطْلَانِ.
[فَصْلٌ لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ]
(فَصْلٌ)(لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ) ، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَهِيَ بَدَلُ الْقَتْلِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ:" لَا تَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ (وَ) لَا عَلَى (مَجْنُونٍ، وَ) لَا (قِنٍّ وَ) لَا (زَمِنٍ وَ) لَا (أَعَمًى وَ) لَا (شَيْخٍ فَانٍ، وَ) لَا (امْرَأَةٍ) لِلْخَبَرِ، (وَلَوْ بَذَلَتْهَا)، أَيْ: بَذَلَتْ الْمَرْأَةُ الْجِزْيَةَ (لِدُخُولِ دَارِنَا) ، فَلَا تُؤْخَذْ مِنْهَا، (وَتُمَكَّنُ) مِنْ دُخُولِهَا (مَجَّانًا) ، وَيُرَدُّ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْهُ لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَإِنْ تَبَرَّعَتْ) وَأَعْطَتْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا، (قُبِلَتْ) مِنْهَا، وَتَكُونُ (هِبَةً لَا جِزْيَةً) ، فَإِنْ شَرَطَتْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ، (وَكَهِيَ)، أَيْ: كَالْمَرْأَةِ (كُلُّ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ) جِزْيَةٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَيَأْتِي إذَا دَفَعَهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا لِفَسَادِ الْقَبْضِ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى رَاهِبٍ بِصَوْمَعَةٍ دَائِمًا) ، لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، (وَيُؤْخَذُ مِنْهُ)، أَيْ: الرَّاهِبِ بِصَوْمَعَةٍ، (مَا زَادَ عَلَى بُلْغَتِهِ) ، بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، فَلَا يَبْقَى بِيَدِهِ إلَّا بُلْغَتُهُ فَقَطْ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَالُنَا كَالرِّزْقِ الَّذِي لِلدُّيُورَةِ وَالْمَزَارِعِ إجْمَاعًا، قَالَ: وَيَجِبُ ذَلِكَ قَالَ: وَمَنْ لَهُ زِرَاعَةٌ أَوْ تِجَارَةٌ،
وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهُمْ أَوْ مُعَاوِنُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، كَمَنْ يَدْعُو إلَيْهِمْ مِنْ رَاهِبٍ وَغَيْرِهِ، تَلْزَمُهُ إجْمَاعًا، وَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ بِلَا نِزَاعٍ وَقَوْلُهُ: دَائِمًا، يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ إلَى النَّاسِ وَيُخَالِطُهُمْ كَأَحَدِهِمْ، وَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَيَكْتَسِبُ، أَنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي رُهْبَانٍ بِالْقُدْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى خُنْثَى) مُشْكِلٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْهَا، (فَإِنْ بَانَ) الْخُنْثَى (رَجُلًا أُخِذَ لِلْمُسْتَقْبَلِ) مِنْ اتِّضَاحِ ذُكُورِيَّتِهِ (فَقَطْ) دُونَ الْمَاضِي، فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ إذْ ذَاكَ (وَلَا) جِزْيَةَ (عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ)، أَيْ: مُكْتَسِبٍ، (يَعْجِزُ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَلِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ جَعَلَ أَدْنَاهَا عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَمَرَّ) فِي أَوَائِلِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ أَنَّهُ (يَرْجِعُ فِي) قَدْرِ (جِزْيَةٍ) وَخَرَاجٍ، (لِتَقْدِيرِ إمَامٍ لَا لِمَا قَدَّرَهُ عُمَرُ) فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ، (وَوَضَعَ) الْإِمَامُ عُمَرُ (رضي الله عنه عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَ) عَلَى (الْمُتَوَسِّطِ نِصْفًا) أَرْبَعَةٌ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، (وَ) عَلَى (الْأَدْنَى اثْنَيْ عَشْرَ) دِرْهَمًا، وَضَعَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، فَيَرْجِعُ إلَيْهِ عَلَى رِوَايَةٍ، وَيُجَابُ عَنْ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمُعَاذٍ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» بِأَنَّ الْفَقْرَ كَانَ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ أَغْلَبُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: مَا بَالُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ ، قَالَ: جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ يَرْجِعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ التَّقْدِيرُ وَاجِبًا، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ صَغَارًا وَعُقُوبَةً، فَاخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِهِمْ، (وَيَجُوزُ) أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْجِزْيَةِ (عَنْ الِاثْنَيْ عَشْرَ) دِرْهَمًا (دِينَارٌ) ، لِأَنَّهُ يَعْدِلُهَا
قِيمَةً بِحَسَبِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ (وَالْغَنِيُّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا) عُرْفًا، لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَا تَوْقِيفَ هُنَا، فَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ.
(وَتَجِبُ) الْجِزْيَةُ (عَلَى مُعْتَقٍ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ) ، لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ مِنْ أَهْلِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يُقَرَّ بِدَارِنَا بِلَا جِزْيَةٍ كَحُرٍّ أَصْلِيٍّ، (وَ) تَجِبُ عَلَى (مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ) بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ كَالْإِرْثِ.
(وَمَنْ صَارَ أَهْلًا) لِجِزْيَةٍ، بِأَنْ بَلَغَ صَغِيرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ عَتَقَ قِنٌّ، أَوْ اسْتَغْنَى فَقِيرٌ (بِأَثْنَاءِ حَوْلٍ، أُخِذَ مِنْهُ) إذَا تَمَّ الْحَوْلُ (بِقِسْطِهِ) ، وَلَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلَهُ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى إفْرَادِهِ بِحَوْلٍ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ) ، لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْعَقْدِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِهِ لَهُمْ (وَيُلَفَّقُ مِنْ إفَاقَةِ مَجْنُونٍ حَوْلٌ ثُمَّ يُؤْخَذُ) مِنْهُ جِزْيَةٌ، لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَخْذٌ لَهَا قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا، (وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ سَقَطَتْ) الْجِزْيَةُ (عَنْهُ) نَصًّا وَقَالَ: يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا أُجْرَةُ إقَامَةٍ بِدَارِنَا. " رُوِيَ أَنَّ ذِمِّيًّا أَسْلَمَ فَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا أَسْلَمَ تَعَوُّذًا. قَالَ: إنَّ فِي الْإِسْلَامِ مَعَاذًا، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ فِي الْإِسْلَام مَعَاذًا، وَكَتَبَ أَنْ لَا تُؤْخَذَ مِنْهُ الْجِزْيَةُ " رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَعْنَاهُ.
وَ (لَا) تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ (إنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ (أَوْ جُنَّ أَوْ عَمِيَ وَنَحْوِهِ) كَأَنْ افْتَقَرَ بَعْدَ الْحَوْلِ كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَسُقُوطِ الْحَدِّ بِالْمَوْتِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ، وَمَالِ حَيٍّ) جُنَّ وَنَحْوُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، (وَ) إنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَنَحْوُهُ (فِي أَثْنَائِهِ)، أَيْ: الْحَوْلُ، فَإِنَّهَا (تَسْقُطُ) ، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَلَا تُؤْخَذُ قَبْلَ كَمَالِ حَوْلِهَا، (وَمَتَى بَذَلُوا مَا) وَجَبَ (عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ، (لَزِمَ قَبُولُهُ) وَدَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ
بِأَذًى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ، وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ وَلَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ".
(وَلَا تَتَعَيَّنُ) الْجِزْيَةُ، أَيْ: أَخْذُهَا (مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، بَلْ) يُؤْخَذُ مِنْ (كُلِّ الْأَمْتِعَةِ بِالْقِيمَةِ) ، لِحَدِيثِ «مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ، ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) عَنْ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ إذَا (تَوَلَّوْا بَيْعَهُمَا وَقَبَضُوهُ)، أَيْ: الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا كَثِيَابِهِمْ، وَلَوْ بَذَلُوهَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ، جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهَا، وَطَابَتْ لَهُ.
(وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ) هِلَالِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ، لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ، (فَإِنْ انْقَضَتْ سُنُونَ) وَلَمْ تُؤْخَذْ، (اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا مُفَرَّقَةً)، أَيْ: كُلُّ سَنَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لِئَلَّا يَفُوتَ صَغَارُ سَنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَلَا تَتَدَاخَلُ، لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي كُلِّ حَوْلٍ، أَشْبَهَ الزَّكَاةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَلَا يَتَدَاخَلُ صَغَارٌ) ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ أَخْذِ كُلِّ سَنَةٍ.
(وَيُمْتَهَنُونَ)، أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ وُجُوبًا (عِنْدَ أَخْذِهَا)، أَيْ: الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29](وَ) يَقْبِضُهَا (الْآخِذُ) مِنْهُمْ وَهُوَ (جَالِسٌ)، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُهُ: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُسْتَحَقَّةٌ، (وَلَا يُقْبَلُ) مِمَّنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ (إرْسَالُهَا) ، لِفَوَاتِ الصَّغَارِ.
(وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ تَوْكِيلٌ)، أَيْ: أَنْ يَتَوَكَّلَ عَنْهُمْ (فِي أَدَائِهَا وَلَا) فِي (ضَمَانِهَا، وَلَا أَنْ يُحِيلَ مَنْ)، أَيْ: ذِمِّيًّا وَجَبَتْ، (هِيَ)، أَيْ: الْجِزْيَةُ (عَلَيْهِ بِهَا) ، لِفَوَاتِ الصَّغَارِ، (وَلَا يُعَذَّبُونَ) ، أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (فِي
أَخْذِهَا) ، أَيْ: الْجِزْيَةِ.
(وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا، وَلَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاقُ) ، لِأَنَّا لَا نَأْمَنُ مَنْ نَقْضِ أَمَانِهِ فَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِوَضِ، وَلَا يَشُطُّ عَلَيْهِمْ. رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسِبُهُ الْجِزْيَةَ، فَقَالَ: إنِّي لَأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمْ النَّاسَ، قَالُوا: لَا وَاَللَّهِ مَا أَخَذْنَا إلَّا عَفْوًا صَفْوًا، قَالَ: بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدِي، وَلَا فِي سُلْطَانِي.
(وَيَصِحُّ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ)، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ، (ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَ) عَلْفَ (دَوَابِّهِمْ) ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ عُمَرَ شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَنْ يُصْلِحُوا الْقَنَاطِرَ، وَإِنْ قُتِلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَرْضِهِمْ، فَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ، وَلِأَنَّهُمْ رُبَّمَا امْتَنَعُوا مِنْ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا بِهِمْ (وَ) يَصِحُّ (أَنْ يُكْتَفَى بِهَا)، أَيْ: الضِّيَافَةِ، (عَنْ الْجِزْيَةِ) ، لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا، وَلِفِعْلِ عُمَرَ، (وَيُعْتَبَرُ بَيَانُ قَدْرِهَا)، أَيْ: الضِّيَافَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، (وَ) قَدْرُ (أَيَّامِهَا، وَعَدَدُ مَنْ يُضِيفُ مِنْ رِجَالٍ وَفُرْسَانٍ كَ) أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: تُضَيِّفُونَ (فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةُ يَوْمٍ، كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خُبْزِ كَذَا، وَلِلْفَرَسِ مِنْ الشَّعِيرِ كَذَا، وَمِنْ التِّبْنِ كَذَا) ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْجِزْيَةِ، فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ كَالنُّقُودِ، قَالَهُ الْقَاضِي (وَيُبَيِّنُ) لَهُمْ (الْمَنْزِلَ)، أَيْ: مَنْزِلَ الضِّيفَانِ، (وَمَا عَلَى غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ) مِنْ الضِّيَافَةِ كَمَا فِي الْجِزْيَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «ضَرَبَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ نَفْسٍ، وَأَنْ يُضَيِّفُوا مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَعَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَفَ دَوَابِّهِمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ.
(وَلَا تَجِبُ) ضِيَافَةٌ عَلَيْهِمْ (بِلَا شَرْطٍ) ، لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَلَا يُكَلَّفُونَهَا مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَلَا يُكَلَّفُونَ الذَّبِيحَةَ، وَلَا أَنْ يُضَيِّفُوا بِأَرْفَعَ مِنْ طَعَامِهِمْ، لِقَوْلِ عُمَرَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ
(وَإِنْ شُرِطَتْ) الضِّيَافَةُ (مُطْلَقَةً) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، (فَفِي " الشَّرْحِ) الْكَبِيرِ " (" وَالْفُرُوعِ " صَحَّ وَتَكُونُ مُدَّتُهَا) ، أَيْ: الضِّيَافَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا: (يَوْمًا وَلَيْلَةً) ، لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَالْمَذْهَبُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا
، (وَلِلْمُسْلِمِينَ نُزُولٌ بِكَنَائِسَ وَبَيْعٍ) ، فَإِنَّ عُمَرَ صَالَحَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَنْ يُوَسِّعُوا أَبْوَابَ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ لِمَنْ يُجْتَازُ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَدْخُلُوهَا رُكْبَانًا، (فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا)، أَيْ: الْمُسْلِمُونَ مَكَانًا (فَ) لَهُمْ النُّزُولُ (فِي الْأَفْنِيَةِ وَفُضُولِ الْمَنَازِلِ) ، وَ (لَا) يَجُوزُ لَهُمْ (تَحْوِيلُ صَاحِبِ مَنْزِلٍ) مِنْهُ، لِأَنَّهُ إضْرَارٌ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»
وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ الضِّيَافَةَ فَامْتَنَعُوا مِنْ قَبُولِهَا، لَمْ يَعْقِدْ لَهُمْ الذِّمَّةَ (وَمَنْ امْتَنَعَ) مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ قَبِلَ (مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْبِرَ) عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْجَمِيعُ أُجْبِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِهِ (وَلَوْ بِقِتَالٍ) عِنْدَ تَعَذُّرِ أَدَائِهِمْ بِدُونِهِ، (فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) بِالْقِتَالِ، (وَإِذَا تَوَلَّى إمَامٌ فَعَرَفَ) قَدْرَ (مَا عَلَيْهِمْ) مِنْ جِزْيَةٍ، (أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، أَوْ ظَهَرَ) مَا عَلَيْهِمْ، (أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ) بِلَا تَجْدِيدِ عَقْدٍ، لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ أَقَرُّوا عَقْدَ عُمَرُ، وَلَمْ يُجَدِّدُوهُ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا رَدَّهُ إلَى الصِّحَّةِ، (وَإِلَّا) يَعْرِفْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ، (رَجَعَ لِقَوْلِهِمْ)، أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ (إنْ سَاغَ)، أَيْ: صَلُحَ مَا ادَّعُوهُ جِزْيَةً، لِأَنَّهُمْ غَارِمُونَ، (وَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ مَعَ تُهْمَةٍ) يَذْكُرُونَ، لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِمْ، (فَإِنْ بَانَ) لِإِمَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ (نَقْصٌ)، أَيْ: أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِنَقْصٍ عَمَّا كَانُوا يَدْفَعُونَ لِمَنْ قَبْلَهُ، (أَخَذَهُ)، أَيْ: النَّقْصَ مِنْهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: كُنَّا نُؤَدِّي كَذَا جِزْيَةً، وَكَذَا هَدِيَّةً حَلَّفَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ كُلَّهُ جِزْيَةٌ (وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ) : الْمَضْرُوبُ عَلَيْنَا (دِينَارٌ، وَبَعْضٌ) مِنْهُمْ قَالَ: (دِينَارَانِ، أَخَذَ كُلٌّ بِمَا يُقِرُّ بِهِ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ،