الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْنِي: فِي صُورَةِ مَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ فَرَاغِ عُمْرَتِهِ، وَكَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا فِيمَا إذَا لَمْ يَطَأْ: أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِحَلْقِهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ تَبِعَ فِيهَا " الْفُرُوعِ " وَلَوْ وَجَّهَ الدَّمَ لِلتَّمَتُّعِ، لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ لَهُمَا. انْتَهَى.
وَغَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا التَّنْظِيرَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، بَلْ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى "، لِوُقُوعِ الْحَلْقِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بَعْدَ فَرَاغِ الْعُمْرَةِ، وَمَرَّةً بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ، فَحَلْقُ الْعُمْرَةِ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ، وَحَلْقُ الْحَجِّ وَقَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، فَالِاعْتِرَاضُ سَاقِطٌ بِالْمَرَّةِ.
[فَصْلٌ فِي الْخُرُوجِ لِلسَّعْيِ]
(فَصْلٌ)(ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، (يَخْرُجُ لِلسَّعْيِ بَعْدَ عَوْدِهِ لِلْحَجَرِ، وَاسْتِلَامِهِ مِنْ بَابِ) الْمَسْجِدِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ (الصَّفَا، وَهُوَ)، أَيْ: الصَّفَا: (طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، عَلَيْهِ دَرَجٌ وَفَوْقَهُ أَزَجٌ كَالْإِيوَانِ فَيَرْقَى ذَكَرَ الصَّفَا نَدْبًا، لِيَرَى الْبَيْتَ) إنْ أَمْكَنَهُ، (فَيَسْتَقْبِلَهُ) ، لِحَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ: «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا، فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَهُ، وَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيَدْعُو مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: «فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ ثَلَاثًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» أَيْ: الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ، وَهُمْ: قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَالْيَهُودُ، (وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي بِدِينِكَ، وَطَوَاعِيَتِكَ وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِكَ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي حُدُودَكَ) ، أَيْ: مَحَارِمَكَ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يُحِبُّكَ، وَيُحِبُّ مَلَائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ يَسِّرْنِي لِلْيُسْرَى، وَجَنِّبْنِي الْعُسْرَى، وَاغْفِرْ لِي فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ: اُدْعُونِي اسْتَجِبْ لَكُمْ، وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، اللَّهُمَّ إذْ هَدَيْتَنِي لِلْإِسْلَامِ، فَلَا تَنْزِعْنِي مِنْهُ، وَلَا تَنْزِعْهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي عَلَى الْإِسْلَامِ، اللَّهُمَّ لَا تُقَدِّمْنِي إلَى الْعَذَابِ، وَلَا تُؤَخِّرْنِي إلَى سُوءِ الْفِتَنِ) ، هَذَا دُعَاءُ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ أَحْمَدُ: يَدْعُو بِهِ، قَالَ نَافِعٌ بَعْدَهُ: وَيَدْعُو دُعَاءً كَثِيرًا حَتَّى إنَّهُ لَيُمِلَّنَا وَنَحْنُ شَبَابٌ.
(وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُلَبِّي) عَلَى الصَّفَا، لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا، وَيَمْشِي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَلَمِ - وَهُوَ: الْمِيلُ الْأَخْضَرُ، الْمُعَلَّقُ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ) عَلَى
يَسَارِهِ - (نَحْوَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ، فَيَسْعَى ذَكَرٌ مَاشٍ سَعْيًا شَدِيدًا نَدْبًا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ، وَلَا يُؤْذَى إلَى الْعَلَمِ الْآخَرِ، وَهُوَ: الْمِيلُ الْأَخْضَرُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ، فَيَتْرُكُ شِدَّةَ السَّعْيِ، ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَرْقَى الْمَرْوَةَ نَدْبًا، وَيَسْتَقْبِلَ) الْقِبْلَةَ، (وَيَقُولَ عَلَيْهَا مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا) ، لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا، قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] فَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إذَا صَعِدْنَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ مَا بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (فَيُلْصِقُ عَقِبَهُ بِأَصْلِهِمَا ابْتِدَاءً) أَيْ: فِي ابْتِدَائِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، (وَ) يُلْصِقُ (أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) بِأَصْلِهِمَا (انْتِهَاءً) ، لِيَسْتَوْعِبَ مَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ، فَعَلَ ذَلِكَ بِدَابَّتِهِ، لَكِنْ قَدْ حَصَلَ عُلُوٌّ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْأَتْرِبَةِ وَالْأَمْطَارِ بِحَيْثُ تَغَطَّى عِدَّةٌ مِنْ دَرَجِهِمَا، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْمُغَطَّى، فَيَحْتَاطُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ، (ثُمَّ يَنْقَلِبُ) ، فَيَنْزِلُ عَنْ الْمَرْوَةِ (إلَى الصَّفَا، فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ، يَفْعَلُ) السَّاعِي (ذَلِكَ سَبْعًا، ذَهَابُهُ سَعْيَةٌ، وَرُجُوعُهُ سَعْيَةٌ) ، يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ، (فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ، لَمْ يَحْتَسِبْ بِذَلِكَ الشَّوْطِ) ، لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ، عليه الصلاة والسلام:«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» .
(وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ)، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (وَمِنْهُ)، أَيْ: مِنْ الدُّعَاءِ: مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّهُ كَانَ إذَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ)، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَلَا يُسَنُّ سَعْيٌ مَا بَيْنَهُمَا)، أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، (إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) فَهُوَ رُكْنٌ فِيهِمَا كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ الطَّوَافِ، فَإِنَّهُ مَسْنُونٌ كُلَّ وَقْتٍ، (وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْقَى) الصَّفَا، وَلَا الْمَرْوَةَ، لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، (وَلَا تَسْعَى) سَعْيًا (شَدِيدًا) ، لِأَنَّهُ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ، وَلَا يُقْصَدُ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا، بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا السِّتْرُ، وَذَلِكَ تَعْرِيضٌ لِلِانْكِشَافِ.
(وَتُسَنُّ مُبَادَرَةُ مُعْتَمِرٍ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ) لِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، (وَ) يُسَنُّ (تَقْصِيرُ مُتَمَتِّعٍ لَا هَدْيَ مَعَهُ، لِيَحْلِقَ) شَعْرَهُ (لِلْحَجِّ، وَيَتَحَلَّلُ مُتَمَتِّعٌ) - لِأَنَّ عُمْرَتَهُ تَمَّتْ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالتَّقْصِيرِ - (لَمْ يَسْقِ هَدْيًا، وَلَوْ لَبَّدَ رَأْسَهُ)، لِحَدِيثِ ابْن عُمَرَ:«تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ أَحْرَمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحِلَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا نَصًّا.
(وَمُعْتَمِرٌ) غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ، يَحِلُّ (مُطْلَقًا) ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَوْ لَا، فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ فِي عُمْرَتِهِ، وَوَطِئَ قَبْلَهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ، رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ مُعْتَمِرَةٍ وَقَعَ بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ، قَالَ:" مَنْ تَرَكَ مِنْ مَنَاسِكِهِ شَيْئًا، أَوْ نَسِيَهُ، فَلْيُهْرِقْ دَمًا، قِيلَ: فَإِنَّهَا مُوسِرَةٌ، قَالَ: فَلْتَنْحَرْ نَاقَةً "(وَلَا يُسَنُّ تَأْخِيرُ تَحَلُّلٍ) ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَتَقَدَّمَ.