الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُكَاتَبٍ وَنَحْوِهِ (جَهْلًا) مِنْهُ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ، (ثُمَّ عَلِمَ) ذَلِكَ، (لَمْ يُجْزِئْهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِقٍّ، وَلَا يَخْفَى حَالُهُ غَالِبًا، فَلَمْ يُعْذَرْ بِجَهَالَتِهِ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، (إلَّا) إذَا دَفَعَهَا (لِغَنِيٍّ ظَنَّهُ فَقِيرًا) ، فَيُجْزِئُهُ، لِأَنَّ الْفَقْرَ قَدْ يَخْفَى، «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَعْطَى الرَّجُلَيْنِ الْجَلْدَيْنِ، وَقَالَ: وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا قَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» وَلَوْ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ انْتِفَاءِ الْغِنَى، لَمَا اكْتَفَى بِقَوْلِهِمَا. (وَ) إنْ دَفَعَهَا (لِمَنْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ) ، لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَاحْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ، لِتَحْصِيلِ الْبَرَاءَةِ، وَالظَّنُّ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ لِتَعَسُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ.
(وَلَوْ بَانَ مِنْهُمْ) كَمَا لَوْ هَجَمَ وَصَلَّى، فَبَانَ فِي الْوَقْتِ. (وَحَيْثُ دُفِعَتْ) الزَّكَاةُ (لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهَا، لِجَهْلِ دَافِعٍ) بِهِ، (وَجَبَ) عَلَى آخِذِهَا (رَدُّهَا لَهُ بِنَمَائِهَا مُطْلَقًا) ، مُتَّصِلًا كَانَ كَالسِّمَنِ، أَوْ مُنْفَصِلًا كَالْوَلَدِ، لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ) الزَّكَاةُ بِيَدِ قَابِضِهَا مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، (فَمِنْ ضَمَانِهِ) فَيَغْرَمُ مِثْلَ مِثْلِيٍّ، وَقِيمَةَ مُتَقَوِّمٍ، لِبُطْلَانِ قَبْضِهِ. (وَيُتَّجَهُ: هَذَا) الضَّمَانُ لَازِمٌ لَهُ إنْ قَبَضَهَا (مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا زَكَاةٌ) ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِقَبْضِهَا، فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا زَكَاةٌ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
[فَصْلٌ مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ]
(فَصْلٌ)(مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ) مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ (أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ) ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ:«لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» وَلِأَنَّهُ يَطْلُبُ حَقَّهُ الَّذِي فُرِضَ لَهُ. (وَمَنْ لَا) يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ كَالْغَنِيِّ، لَا يُبَاحُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، (فَلَا) يُبَاحُ لَهُ سُؤَالُهُ. قَالَ أَحْمَدُ:
أَكْرَهُ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْأَبِ أَيْسَرُ، (فَيَحْرُمُ سُؤَالُهُ) الزَّكَاةَ أَوْ الْكَفَّارَةَ لِنَحْوِ فَقْرٍ لَا غَزْوٍ، (وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى أَخْذِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ.
(وَلَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ شُرْبِ مَاءٍ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ فِي الْعَطْشَانِ لَا يَسْتَسْقِي: يَكُونُ أَحْمَقَ. قَالَ الْآجُرِّيُّ: يَجِبُ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَعْلَمَ حِلَّ الْمَسْأَلَةِ، وَمَتَى تَحِلُّ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ: إنَّ تَعَلُّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي دِينِهِ فَرْضٌ. (وَ) لَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ (عَارِيَّة وَقَرْضٍ) ، نَصَّ عَلَيْهِمَا، (وَ) لَا بَأْسَ بِسُؤَالِ (شَيْءٍ يَسِيرٍ كَشِسْعِ نَعْلٍ)، أَيْ: سَيْرِهِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَسْأَلَةِ شُرْبِ الْمَاءِ، (وَلَا بَأْسَ بِسُؤَالِهِ)، أَيْ: الشَّخْصِ غَيْرَهُ (لِمُحْتَاجٍ غَيْرَهُ) صَدَقَةً أَوْ حَاجَةً، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْكُرْبَةِ عَنْ الْمُسْلِمِ.
(وَ) الطَّلَبُ لِلْغَيْرِ إذَا كَانَ (بِتَعْرِيضٍ أَعْجَبُ إلَى) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ) مِنْ السُّؤَالِ صَرِيحًا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ لِغَيْرِهِ يُعَرِّضُ أَحَبُّ إلَيَّ، (وَإِعْطَاءُ السُّؤَالِ) جَمْعُ: سَائِلٍ (مَعَ صِدْقِهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ)، لِحَدِيثِ:«لَوْ صَدَقَ مَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ بِأَنَّ السَّائِلَ إذَا قَالَ: أَنَا جَائِعٌ، وَظَهَرَ صِدْقُهُ، وَجَبَ إطْعَامُهُ. وَإِنْ سَأَلُوا مُطْلَقًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجِبْ إعْطَاؤُهُمْ وَلَوْ أَقْسَمُوا، لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَقْسَمَ عَلَى مُعَيَّنٍ. (وَلَوْ جَهِلَ حَالَ سَائِلٍ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ) ، وَلَوْ سَأَلَهُ مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ يُعْطِيهِ شَيْئًا، وَأَطْلَقَ، فَدَفَعَ إلَيْهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا: هَلْ هُوَ قَرْضٌ أَوْ صَدَقَةٌ؟ قُبِلَ: قَوْلُ الدَّافِعِ فِي كَوْنِهِ قَرْضًا، لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ، كَسُؤَالِهِ مِقْدَارًا كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ قَرِينَةُ الْقَرْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي شَيْئًا إنِّي فَقِيرٌ، قُبِلَ قَوْلُ الْفَقِيرِ فِي كَوْنِهِ صَدَقَةً، عَمَلًا بِقَرِينَةِ قَوْلِ أَنَّهُ فَقِيرٌ.
(وَلَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ وَاجِبٌ سِوَى الزَّكَاةِ) وِفَاقًا، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:«إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ الزَّكَاةَ إلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ» وَعَنْ أُبَيٍّ مَرْفُوعًا: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ فِي الْآيَةِ: الزَّكَاةُ، وَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَمَا جَاءَ غَيْرَ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. (وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُهُ كَإِطْعَامِ جَائِعٍ وَنَحْوِهِ) كَأَسِيرٍ، فَيَجِبُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ، فَلَا تَعَارُضَ.
(وَمَنْ أُعْطِيَ لِاتِّقَاءِ ذَمِّهِ أَوْ إلْحَاحٍ أَوْ إيذَاءِ مَسْئُولٍ فَحَرَامٌ) عَلَى الْآخِذِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَى دَافِعٍ، كَهَدِيَّةِ عَامِلٍ لِدَفْعِ ظُلْمٍ.
(وَيَجِبُ أَخْذُ مَالٍ) طَيِّبٍ (لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَتَى بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ) نَقَلَ الْأَثْرَمُ: عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْهُ» ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ حَرَامًا بِيَقِينٍ، وَجَبَ رَدُّهُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً، أَوْ اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ، (فَلَا بَأْسَ بِرَدِّهِ) نَصًّا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِشْرَافِ. (وَعَنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ: (لَا يَجِبُ) قَبُولُ مَالٍ طَيِّبٍ جَاءَ بِلَا مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ، وَقَالَ: دَعْنَا نَكُونُ أَعِزَّاءَ (قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ)، أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَبُولِ: (مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ) وَفِي الْإِقْنَاعِ " وَالْمُنْتَهَى ": فِي الْهِبَةِ
مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَنُّ الْقَبُولُ، وَيُكْرَهُ الرَّدُّ، (قَالُوا)، أَيْ: الْأَصْحَابُ (فِي الْحَجِّ: لَا يَكُونُ) مَبْذُولٌ لَهُ (مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ، وَ) قَالُوا (فِي الصَّلَاةِ) : إنَّ الْعَارِيَ (لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ السُّتْرَةِ) هِبَةً لَا عَارِيَّةً، (وَصَوَّبَهُ)، أَيْ: عَدَمَ وُجُوبِ الْقَبُولِ (فِي " الْإِنْصَافِ ") لِمَا فِي قَبُولِ الْهِبَةِ مِنْ الْمِنَّةِ. (وَيُتَّجَهُ: وَهُوَ)، أَيْ: عَدَمُ وُجُوبِ الْقَبُولِ (الْأَصَحُّ) ، لِمَا فِيهِ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ، وَعِفَّتِهَا، وَزُهْدِهَا فِي الدُّنْيَا، وَطَلَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِحُسْنِ التَّوَكُّلِ، وَقَمْعِ النَّفْسِ عَنْ مُشْتَهَيَاتِهَا (وَإِلَّا) تُعْتَبَرْ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (تَنَاقَضَ قَوْلُهُمْ)، أَيْ: الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَحَرُمَ أَخْذُ) صَدَقَةٍ (بِدَعْوَى غَنِيٍّ) فَقْرًا، (أَوْ إظْهَارِهِ)، أَيْ: الْغَنِيِّ (فَقْرًا وَلَوْ) أَخَذَ ذَلِكَ (مِنْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ) وَتَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَسُنَّ تَعَفُّفُ غَنِيٍّ عَنْهَا)، أَيْ: صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، (فَلَا يَأْخُذُهَا) وَلَوْ بُذِلَتْ لَهُ. (وَ) سُنَّ (عَدَمُ تَعَرُّضِهِ)، أَيْ: الْغَنِيِّ (لَهَا) رَغْبَةً عَنْهَا، رَجَاءَ وُقُوعِهَا فِي يَدِ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا.
(وَتَجُوزُ) صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ (لَهُ)، أَيْ: لِلْغَنِيِّ (وَلِكَافِرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] وَلَمْ يَكُنْ الْأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلَّا كَافِرًا " وَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا صِلَةً كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَسَاهُ إيَّاهَا "، «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: صِلِي أُمَّكِ» ، وَكَانَتْ قَدِمَتْ