الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخُرُوجَ، لِعُذْرٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ، (فَإِنْ تَطَاوَلَ) غَيْرُ الْمُعْتَادِ (عُرْفًا) ، فَإِنْ كَانَ (فِي تَطَوُّعٍ، خُيِّرَ بَيْنَ رُجُوعٍ وَعَدَمِهِ) ، لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ (وَ) إنْ كَانَ (فِي) اعْتِكَافٍ (وَاجِبٍ) ، فَإِنَّهُ (يَجِبُ رُجُوعُهُ لِمُعْتَكَفِهِ) لِأَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
(وَلَهُ)، أَيْ: النَّاذِرِ (ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ) بِالِاسْتِقْرَاءِ: الْحَالُ الْأُولَى، أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ:(فَفِي نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ) كَشَهْرٍ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ) ، اعْتَكَفَ بَعْضَهُ، (ثُمَّ خَرَجَ لِعُذْرٍ) غَيْرِ مُعْتَادٍ، وَطَالَ خُرُوجُهُ، (يُخَيَّرُ بَيْنَ بِنَاءٍ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ، وَقَضَاءِ مَا فَاتَهُ، فَيَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ، فَيَكُونُ مُتَتَابِعًا، (وَيُكَفِّرُ كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ) ، لِأَنَّ النَّذْرَ حَلْفَةٌ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ عَلَى وَجْهِهِ، (وَبَيْنَ اسْتِئْنَافِ الِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ، لِإِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ) ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَهُ الِاعْتِكَافُ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.
وَأُشِيرَ إلَى الْحَالِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَفِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ) كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي سَنَةِ كَذَا مَثَلًا، (يَقْضِي) مَا فَاتَهُ مِنْهُ زَمَنَ خُرُوجِهِ، (وَيُكَفِّرُ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ، (لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ) .
وَأُشِيرَ إلَى الْحَالِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (وَفِي نَذْرِ أَيَّامٍ مُطْلَقَةٍ كَخَمْسٍ) ، وَلَمْ يَقُلْ مُتَتَابِعَةٌ، وَلَمْ يَنْوِهِ، (يُتَمِّمُ)، أَيْ: يُتَمِّمُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا (بِلَا كَفَّارَةٍ) ، لِأَنَّهُ أَتَى بِالنَّذْرِ عَلَى وَجْهِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ، (لَكِنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْيَوْمِ) الَّذِي خَرَجَ فِيهِ، بَلْ يَسْتَأْنِفُ بَدَلَهُ يَوْمًا كَامِلًا لِئَلَّا يُفَرِّقَهُ.
[فَصْلٌ خَرَجَ مُعْتَكِفٌ لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ]
(فَصْلٌ)(وَإِنْ خَرَجَ) مُعْتَكِفٌ (لِمَا)، أَيْ: أَمْرٍ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا مَرَّ،
فَبَاعَ وَاشْتَرَى) وَلَمْ يُعَرِّجْ أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ، جَازَ، (أَوْ سَأَلَ عَنْ مَرِيضٍ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ)، أَيْ: الْمَرِيضِ (وَلَمْ يُعَرِّجْ)، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: عَرَّجَ تَعْرِيجًا: مَيَّلَ وَأَقَامَ، وَحَبَسَ الْمَطِيَّةَ عَلَى الْمَنْزِلِ.
(أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ) ، جَازَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَعَنْ عَائِشَةَ: «إنِّي كُنْت لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ وَالْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ اللَّبْثِ الْمُسْتَحَقِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ، أَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي مُرُورِهِ، (أَوْ) خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ (دَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ بِهِ أَقْرَبَ لِمَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ) الْمَسْجِدِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي كَانَ فِيهِ، جَازَ، (أَوْ انْهَدَمَ مُعْتَكَفُهُ فَخَرَجَ) لِمَسْجِدٍ (غَيْرِهِ، جَازَ) ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْأَوَّلَ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِصَرِيحِ النَّذْرِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ بِشُرُوعِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ بِذَلِكَ لَبْثًا مُسْتَحَقًّا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ سُلْطَانٌ، فَخَرَجَ إلَى الْآخَرِ، وَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ، (وَإِنْ وَقَفَ) فِي طَرِيقِهِ، (أَوْ كَانَ) الْمَسْجِدُ الَّذِي دَخَلَهُ (أَبْعَدَ) مِنْ مَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ، بَطَلَ، (أَوْ خَرَجَ لَهُ ابْتِدَاءً) بِلَا عُذْرٍ، بَطَلَ، (أَوْ تَلَاصَقَا)، أَيْ: الْمَسْجِدَانِ، (وَمَشَى فِي انْتِقَالِهِ) بَيْنَهُمَا خَارِجًا عَنْهُمَا (بِلَا عُذْرٍ) ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِتَرْكِهِ لَبْثًا مُسْتَحَقًّا، فَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَارِجًا عَنْهُمَا فِي انْتِقَالِهِ لِلثَّانِي، لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ.
(أَوْ أَخْرَجَ) مُعْتَكَفٌ (لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَهُ وَفَاؤُهُ) بِلَا خُرُوجٍ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّ لَهُ بُدًّا مِنْ أَنْ لَا يَخْرُجَ (أَوْ سَكِرَ) مُعْتَكِفٌ.
(وَيَتَّجِهُ) حَيْثُ كَانَ (آثِمًا) بِسُكْرِهِ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَلَوْ كَانَ سُكْرُهُ لَيْلًا، لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ، كَالْمَرْأَةِ تَحِيضُ، لَكِنَّ الْمَرْأَةَ مَعْذُورَةٌ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْذُورٍ، أَمَّا لَوْ شَرِبَ جَاهِلًا أَنَّهُ خَمْرٌ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الشُّرْبِ فَسَكِرَ، لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ، كَمَا لَوْ نَامَ وَيَبْنِي
بَعْدَ إفَاقَتِهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ آثِمٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ ارْتَدَّ) مُعْتَكِفٌ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَلِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ فَأَشْبَهَ رِدَّتَهُ فِي الصَّوْمِ.
(أَوْ خَرَجَ) الْمُعْتَكِفُ (كُلُّهُ) لِمَا لَهُ، مِنْهُ بُدٌّ (بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ قَلَّ زَمَنُ خُرُوجِهِ) ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِتَرْكِهِ اللَّبْثَ بِلَا حَاجَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَالَ، فَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ جَسَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ نَصًّا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَيَّ فَأُرَجِّلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(أَوْ نَوَاهُ)، أَيْ: الْخُرُوجَ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ إنْ كَانَ) حِينَ فَعَلَهُ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (ذَاكِرًا عَامِدًا مُخْتَارًا، أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا بِحَقٍّ) كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ، فَأَخْرَجَ لِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَوَاهُ، فِيهِ نَظَرٌ، وَتَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي صَنِيعِهِمْ مُسَاعِدٌ، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، بَلْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، كَمَا إذَا نَوَى مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ فِيهَا، فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَنْوِيَ قَطْعَهَا.
(وَلَزِمَ) مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ (اسْتِئْنَافُ اعْتِكَافٍ) عَلَى صِفَةِ مَا بَطَلَ (مُتَتَابِعٍ بِشَرْطِ) كُلِّهِ عَلَى إنْ اعْتَكَفَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً، أَوْ شَهْرًا (أَوْ) مُتَتَابِعًا ب (نِيَّةِ) ، كَأَنْ نَذَرَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَنَوَاهَا مُتَتَابِعَةً، ثُمَّ شَرَعَ، وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ عَلَى صِفَتِهِ، فَلَزِمَهُ كَحَالِ الِابْتِدَاءِ (وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا نَذَرَهُ عَلَى صِفَتِهِ، (وَ) لَزِمَ (اسْتِئْنَافُ) نَذْرٍ (مُعَيَّنٍ قُيِّدَ بِتَتَابُعٍ) كُلُّهُ عَلَى إنْ اعْتَكَفَ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ مُتَتَابِعًا (أَوْ لَا)، أَيْ: لَمْ يُقَيِّدْ بِتَتَابُعٍ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ
يَعْتَكِفَ الْمُحَرَّمَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لِدَلَالَتِهِ التَّعْيِينَ عَلَيْهِ، (وَيُكَفِّرُ) فِي الصُّورَتَيْنِ، لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، (وَيَكُونُ قَضَاءُ كُلٍّ) مِنْ التَّتَابُعِ بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ، وَالْمُعَيَّنِ، (وَ) يَكُونُ (اسْتِئْنَافُهُ)، أَيْ: كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْمَقْضِيِّ وَالْمُسْتَأْنَفِ (عَلَى صِفَةِ أَدَائِهِ فِيمَا يُمْكِنُ) ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مَشْرُوطًا فِيهِ الصَّوْمُ أَوْ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَقْضِيَّ أَوْ الْمُسْتَأْنَفَ يَكُونُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ زَمَنًا وَمَضَى، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:(فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ، لَزِمَهُ شَهْرٌ غَيْرُهُ بِلَا صَوْمٍ) ، لِأَنَّ الْفَائِتَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي اعْتِكَافِهِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، لِأَنَّ فِي هَذَا الزَّمَنِ فَضِيلَةً لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، فَلَا يُجْزِئُ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ أَفْسَدَهُ.
(وَيَبْطُلُ اعْتِكَافٌ بِوَطْءِ) مُعْتَكِفٍ فِيهِ (وَلَوْ) وَطِئَ (نَاسِيًا) نَصًّا.
(وَيَتَّجِهُ: أَوْ) وَطِئَ (مُكْرَهًا) إذْ الْمُكْرَهُ كَالنَّاسِي، وَأَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَفِي فَرْجٍ) ، لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَاسْتَأْنَفَ الِاعْتِكَافَ» وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَفْسُدُ بِالْوَطْءِ عَمْدًا فَكَذَلِكَ سَهْوًا كَالْحَجِّ، (أَوْ دُونَهُ)، أَيْ: الْفَرْجِ (وَأَنْزَلَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ، كَاللَّمْسِ لِشَهْوَةٍ، (ف) إنْ وَطِئَ مُعْتَكِفٌ (فِي