الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَمَنْ أَهَلَّ لِعَامَيْنِ، بِأَنْ قَالَ: لَبَّيْكَ الْعَامَ وَالْعَامَ الْقَابِلَ، حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَاعْتَمَرَ مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ) ، قَالَهُ عَطَاءٌ، حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ وَمُقْتَضَاهُ: وُجُوبُ ذَلِكَ.
(وَيَتَّجِهُ: بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنْ فَعَلَ (ذَلِكَ)، أَيْ: كَوْنُهُ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ وَيَعْتَمِرُ مِنْ قَابِلٍ، (نَدْبٌ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ، لَوْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَرْفَقُ فِي حَقِّهِ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ عُهْدَةِ الْعَوْدِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ عَلَى فَرْضِ بَقَائِهِ حَيًّا مُسْتَطِيعًا، وَإِلَّا فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً إلَى أَنْ يُقْضَى عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْوُجُوبِ وَلَا النَّدْبِ، لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِهِ، فَصَارَ لِلِاحْتِمَالِ مَجَالٌ.
[فَصْلٌ مَا يَسُنّ لِمَنْ أَحْرَمَ سَوَاءٌ عَيَّنَ نُسُكًا أَوْ أَطْلَقَ]
(فَصْلٌ)(وَسُنَّ) لِمَنْ أَحْرَمَ سَوَاءٌ عَيَّنَ نُسُكًا أَوْ أَطْلَقَ (عَقِبَ إحْرَامِهِ تَلْبِيَةٌ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك» . الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (حَتَّى عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ)، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَنَائِمٍ، وَأَنْ تَكُونَ (كَتَلْبِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] وَهِيَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك» ) لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ: أَلَبَّ بِالْمَكَانِ، إذَا لَزِمَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك، وَكَرَّرَهُ لِأَنَّهُ أَرَادَ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ التَّثْنِيَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ التَّكْثِيرُ كَحَنَانَيْكَ، وَالْحَنَانُ الرَّحْمَةُ. وَقِيلَ: مَعْنَى التَّلْبِيَةِ: إجَابَةُ دَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ حِينَ نَادَى بِالْحَجِّ، وَقِيلَ: مُحَمَّدٍ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَاخْتِيرَ كَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ) نَصًّا، لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْ كَسَرَ فَقَدْ عَمَّ، يَعْنِي: حَمِدَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَنْ فَتَحَ فَقَدْ خَصَّ، أَيْ: لَبَّيْكَ، لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك.
(وَلَا بَأْسَ بِزِيَادَةٍ) عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَزِمَ تَلْبِيَةً فَكَرَّرَهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَلَمْ تُكْرَهْ نَصًّا، (فَقَدْ زَادَ ابْنُ عُمَرَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ) ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَزَادَ عُمَرُ: لَبَّيْكَ وَالنَّعْمَاءُ وَالْفَضْلُ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك لَبَّيْكَ.
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَزِيدُ: لَبَّيْكَ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا.
(وَسُنَّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا)، أَيْ: التَّلْبِيَةِ، (وَ) سُنَّ (بَدْءُ قَارِنٍ بِذِكْرِ عُمْرَةٍ) كَقَوْلِهِ:(لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ.
(و) سُنَّ (دُعَاءٌ بَعْدَهَا بِمَا أَحَبَّ، وَيَسْأَلُ) اللَّهَ (الْجَنَّةَ، يَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ)، لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ» (وَ) سُنَّ (صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) ، بَعْدَ التَّلْبِيَةِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ، كَأَذَانٍ.
(وَ) سُنَّ (إكْثَارُ تَلْبِيَةٍ)، لِخَبَرِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَابْنُ مَاجَهْ.
(وَتَتَأَكَّدُ) التَّلْبِيَةُ (إذَا عَلَا نَشَزًا) ، بِالتَّحْرِيكِ، أَيْ: مَكَانًا مُرْتَفِعًا، (أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً، أَوْ أَقْبَلَ لَيْلٌ أَوْ نَهَارٌ، أَوْ الْتَقَتْ رِفَاقٌ، أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا، أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا، أَوْ رَكِبَ) دَابَّتَهُ، (أَوْ نَزَلَ) عَنْهَا، (أَوْ رَأَى الْكَعْبَةَ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ إذَا لَقِيَ رَاكِبًا أَوْ عَلَا أَكَمَةً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَفِي آخِرِ اللَّيْلِ» وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا، وَإِذَا عَلَا نَشَزًا وَإِذَا لَقِيَ رَاكِبًا، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
(وَ) سُنَّ (جَهْرُ ذَكَرٍ بِهَا)، لِقَوْلِ أَنَسٍ:" سَمِعْتهمْ يَصْرُخُونَ بِهَا صُرَاخًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا، أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ» أَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهِ) ، بِخِلَافِ الْبَرَارِي وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ، قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ: إنَّ هَذَا لَمَجْنُونٌ، إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْت.
(وَ) فِي غَيْرِ (طَوَافِ قُدُومٍ وَسَعْيٍ بَعْدَهُ) ، لِئَلَّا يُخَلِّطَ عَلَى الطَّائِفِينَ وَالسَّامِعِينَ
(وَتُشْرَعُ) تَلْبِيَةٌ (بِالْعَرَبِيَّةِ لِقَادِرٍ) عَلَيْهَا كَأَذَانٍ، (وَإِلَّا) يَقْدِرَ عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَيُلَبِّي (بِلُغَتِهِ) ، لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى، (وَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُ تَلْبِيَةٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ) نَصًّا، قَالَ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ: سُئِلَ الْأَثْرَمُ: مَا شَيْءٌ تَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ يُلَبُّونَ دُبُرَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءُوا بِهِ، قُلْت: أَلَيْسَ يُجْزِئُهُ مَرَّةً؟ قَالَ: بَلَى.
(وَاخْتَارَ بَعْضٌ) مِنْ الْأَصْحَابِ كَالْمُوَفَّقِ وَالشَّارِحِ، قَالَا:(تَكْرَارُهَا ثَلَاثًا دُبُرَ الصَّلَاةِ حَسَنٌ) ، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ.
(وَكُرِهَ لِأُنْثَى جَهْرٌ) بِتَلْبِيَةٍ