الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ يَلْزَم ذبح الْهَدْي بالحرم وَجَوَانِبه]
(فَصْلٌ)(وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ كَجَزَاءِ صَيْدِ) حَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ، (وَمَا وَجَبَ) مِنْ فِدْيَةٍ (لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فَوَاتِ حَجٍّ، أَوْ) وَجَبَ (بِفِعْلِ مَحْظُورٍ بِحَرَمٍ) ، كَلُبْسٍ وَوَطْءٍ فِيهِ؛ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ.
(وَ) كَذَا (هَدْيُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ مَنْذُورٌ) وَنَحْوُهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَقَالَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي.
(يَلْزَمُ ذَبْحُهُ)، أَيْ: الْهَدْيِ، (بِالْحَرَمِ وَجَوَانِبِهِ)، أَيْ: الْحَرَمِ، (كَهُوَ) قَالَ أَحْمَدُ: مَكَّةُ وَمِنًى وَاحِدٌ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ:" مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ ".
وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَرَمَ، لِأَنَّهُ كُلُّهُ طَرِيقٌ إلَيْهَا، وَالْفَجُّ: الطَّرِيقُ.
(وَ) يَلْزَمُ (تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ)، أَيْ: الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ لِمَسَاكِينِهِ، (أَوْ إطْلَاقُهُ لِمَسَاكِينِهِ) أَيْ: الْحَرَمِ، (مَيِّتًا)، أَيْ: مَذْبُوحًا، أَوْ مَنْحُورًا، (أَوْ) دَفْعُهُ إلَيْهِمْ (حَيًّا لِيَنْحَرُوهُ) بِالْحَرَمِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَبْحِهِ بِالْحَرَمِ التَّوْسِعَةُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَحْصُلُ بِإِعْطَاءِ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا الْإِطْعَامُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ.
وَلِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمْ كَالْهَدْيِ، قَالَ فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِمْ حَيًّا، فَنَحَرُوهُ فِي الْحَرَمِ؛ أَجْزَأَ، (وَإِلَّا) يَنْحَرُوهُ، أَوْ أَرَادُوا نَحْرَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ (اسْتَرَدَّهُ) مِنْهُمْ وُجُوبًا (وَنَحَرَهُ) وَفَرَّقَ لَحْمَهُ أَوْ أَطْلَقَهُ لَهُمْ (فَإِنْ أَبَى) اسْتِرْدَادُهُ (أَوْ عَجَزَ) عَنْهُ (ضَمِنَهُ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، لِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ عُهْدَتِهِ.
(وَيَتَّجِهُ: فَلَا يُجْزِئُ اقْتِصَارُهُ عَلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ، بَلْ) لَا بُدَّ مِنْ (ثَلَاثَةِ) مَسَاكِينَ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، كَذَا قَالَ (وَاحْتَمَلَ: أَوْ اثْنَيْنِ) ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ فِي قَوْلٍ.
(وَقِيَاسُ الْفِطْرَةِ: يُجْزِئُ
اقْتِصَارُهُ عَلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ) ، وَهُوَ قِيَاسٌ جَيِّدٌ، إذْ كُلٌّ مِنْ الْهَدْيِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ تُجْزِئُ لِوَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ؛ فَلَفْظُ أَلْ فِي الْمَسَاكِينِ: لِلْجِنْسِ، كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَعُدُولُ الْأَصْحَابِ عَنْ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَدُلُّ عَلَى إجْزَاءِ الِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدٍ.
(وَمَسَاكِينُ الْحَرَمِ هُمْ: الْمُقِيمُ بِهِ، وَالْمُجْتَازُ بِهِ مِنْ حَاجٍّ، وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ) وَلَوْ تَبَيَّنَ غِنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَكَزَكَاةٍ (وَيُجْزِئُ) هَدْيٌ أَوْ إطْعَامٌ (لَوْ ظَنَّهُ فَقِيرًا، فَبَانَ غَنِيًّا) كَالزَّكَاةِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
(وَيَتَّجِهُ: لَا) يُجْزِئُ (إنْ) دَفَعَهُ مَذْبُوحًا لِمَنْ (ظَنَّهُ نَحْوَ مُسْلِمٍ) ، كَمُبْتَدِعٍ غَيْرِ دَاعِيَةٍ، (فَبَانَ) مَدْفُوعًا لَهُ (عَكْسُهُ) ، بِأَنْ كَانَ كَافِرًا، أَوْ مُبْتَدِعًا دَاعِيَةً، وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا؛ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَتَهُ يَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا يُفَرِّقُهُ، أَوْ يُطْلِقُهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَالْأَفْضَلُ نَحْرُ مَا وَجَبَ بِحَجٍّ بِمِنًى، وَ) نَحْرُ (مَا وَجَبَ بِعُمْرَةٍ بِالْمَرْوَةِ) ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ وَمَنْ تَبِعَهُ.
(وَالْعَاجِزُ عَنْ إيصَالِهِ)، أَيْ: مَا وَجَبَ ذَبَحَهُ بِالْحَرَمِ، (لِلْحَرَمِ حَتَّى بِوَكِيلِهِ، يَنْحَرُهُ حَيْثُ قَدَرَ،
وَيُفَرِّقُهُ بِمَنْحَرِهِ) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286](وَتُجْزِئُ فِدْيَةُ أَذًى، وَ) فِدْيَةُ (لُبْسٍ، وَ) فِدْيَةُ (طِيبٍ وَتَغْطِيَةِ رَأْسٍ، وَمُوجِبِ شَاةٍ بِنَحْوِ مُبَاشَرَةٍ) دُونَ فَرْجٍ (بِلَا إنْزَالٍ وَمَا وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ غَيْرِ) جَزَاءِ (صَيْدٍ) ؛ فِعْلُهُ (خَارِجَ؛ الْحَرَمِ، وَلَوْ) فَعَلَهُ (بِلَا عُذْرٍ) ؛ فَلَهُ تَفْرِقَتُهَا (حَيْثُ وَجَبَ السَّبَبُ) ، لِأَنَّهُ، «صلى الله عليه وسلم أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِالْفِدْيَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ» وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ، وَاشْتَكَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَأْسَهُ، فَحَلَقَهُ عَلِيٌّ، وَنَحَرَ عَنْهُ جَزُورًا بِالسُّقْيَا " رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا (وَ) لَهُ تَفْرِقَتُهَا (بِالْحَرَمِ أَيْضًا) كَسَائِرِ الْهَدَايَا.
(وَيَدْخُلُ وَقْتُ ذَبْحِ فِدْيَةِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَذَى وَالْمَلْبَسِ، وَالطِّيبِ، وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ، (مِنْ حِينِ فَعَلَهُ)، أَيْ: الْمَحْظُورَ.
(وَلَهُ) الذَّبْحُ (قَبْلَهُ، بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ الْمُبِيحِ) لِفِعْلِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ فِعْلُهُ لِعُذْرٍ، (كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَ) وَقْتِ (جَزَاءِ صَيْدٍ بَعْدَ جَرْحِهِ) ، وَلَا يَضُرُّ تَلَفُهُ بَعْدَ إخْرَاجِ جَزَائِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ آخَرُ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْحَلْقُ فِدْيَتَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ، (وَ) وَقْتَ فِدْيَةِ (وَاجِبٍ، لِتَرْكِ وَاجِبٍ، عِنْدَ تَرْكِهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْوَاجِبِ.
(وَيُجْزِئُ) إخْرَاجُ (دَمِ إحْصَارٍ حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ نَصًّا، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ هَدْيَهُ فِي مَوْضِعِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ» وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ حِلِّهِ، فَكَانَ مَوْضِعَ نَحْرِهِ كَالْحَرَمِ
(وَ) يُجْزِئُ (صَوْمٌ وَحَلْقٌ بِكُلِّ مَكَانٍ) ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِهِ بِالْحَرَمِ، وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ.
(وَالدَّمُ الْمُطْلَقُ كَأُضْحِيَّةٍ) ، فَيُجْزِئُ فِيهِ مَا يُجْزِئُ فِيهَا - فَإِنْ
قَيَّدَ بِنَحْوِ بَدَنَةٍ، تَقَيَّدَ - (جَذَعُ ضَأْنٍ) لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، (أَوْ ثَنِيُّ مَعْزٍ) لَهُ سَنَةٌ، (أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ، أَوْ) سُبْعُ (بَقَرَةٍ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُتَمَتِّعِ:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ.
وَقَوْلُهُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَفَسَّرَهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِذَبْحِ شَاةٍ، وَمَا سِوَى هَذَيْنِ مَقِيسٌ عَلَيْهِمَا.
(فَإِنْ ذَبَحَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ مُطْلَقٌ (إحْدَاهُمَا)، أَيْ: بَدَنَةً، أَوْ بَقَرَةً، فَهُوَ (أَفْضَلُ) مِمَّا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهَا أَوْفَرُ لَحْمًا، وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ (وَتَجِبُ كُلُّهَا) ، لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْأَعْلَى لِأَدَاءِ فَرْضِهِ، فَكَانَ كُلُّهُ وَاجِبًا، كَمَا لَوْ اخْتَارَ الْأَعْلَى مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ.
(وَيَتَّجِهُ) : مَحَلُّ وُجُوبِهَا كُلِّهَا: (إنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِلْكَهُ) ، أَمَّا إنْ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَهَا، وَذَبَحَهَا بِنِيَّةِ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمَمْلُوكِ لَهُ، فَلَا وَجْهَ لِوُجُوبِهَا كُلِّهَا عَلَيْهِ، إذْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ
(وَتُجْزِئُ عَنْ بَدَنَةٍ وَجَبَتْ وَلَوْ فِي) جَزَاءِ (صَيْدٍ وَنَذْرٍ) مُطْلَقٍ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ، لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ (بَقَرَةٌ)، لِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «عَنْ جَابِرٍ: كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَالْبَقَرَةُ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ؟» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(كَعَكْسِهِ)، أَيْ: كَمَا تُجْزِئُ بَدَنَةٌ عَنْ بَقَرَةٍ وَجَبَتْ وَلَوْ فِي صَيْدٍ، (وَ) يُجْزِئُ (عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ، وَلَوْ لَمْ تَتَعَذَّرْ) الشِّيَاهُ، (بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ)، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ،