المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سبب النزول: نزول الآيات (38 - 40): {فَلا أُقْسِمُ}: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢٩

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الملك، أو: تبارك

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضل السورة:

- ‌بعض أدلة القدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعذيب الكفار العصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وعد المؤمنين بالمغفرة وتهديد الكافرين مرة أخرى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (13):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع من الوعيد والتهديد والعبرة بالأمم السابقة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توبيخ المشركين على عبادة الأصنام وإثبات قدرة اللهواختصاصه بعلم البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء كفار مكة على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالهلاك

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة القلم

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌كمال الدين والخلق عند النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (2) {ما أَنْتَ

- ‌نزول الآية (4) {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأخلاق الذميمة عند الكفار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أصحاب الجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المتقين وإنكار التسوية بين المطيع والعاصي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخويف الكفار من قدرة الله تعالى وأمر النبي صلى الله عليه وسلمبالصبر والتذكير العالمي بالقرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الحاقة

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌تعظيم يوم القيامة وإهلاك المكذبين به

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أهوال القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الأبرار الناجين بعد الحساب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الأشقياء يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعظيم القرآن وإثبات نزوله بالوحي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المعارج

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌تهديد المشركين بعذاب القيامة وتأكيد وقوعه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الخصال العشر التي تعالج طبع الإنسان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الكفار المكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة نوح عليه السلام

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إرسال نوح عليه السلام إلى قومه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناجاة نوح ربه وشكواه إليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع من قبائح قوم نوح وأقوالهم وأفعالهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الجن

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إيمان الجن بالقرآن وبالله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (1):

- ‌نزول الآية (6):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكاية أشياء أخرى عن الجن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع أخرى من الموحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلموبيان أصول رسالته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (18):

- ‌نزول الآية (20):

- ‌نزول الآية (22):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌علم تعيين الساعة مختص بالله عالم الغيب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المزمل

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - فرضية التهجد:

- ‌2 - وجوب ترتيل القرآن:

- ‌3 - ثقل القرآن والوحي:

- ‌4 - ناشئة الليل:

- ‌5 - مشاغل النهار:

- ‌6 - ذكر الله والتبتل:

- ‌7 - إفراد الله بالتوكل عليه:

- ‌8 - الصبر على الأذى في سبيل الدعوة:

- ‌تهديد الكفار وتوعدهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تذكير وإرشاد بأنواع الهداية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المدثر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌سبب نزولها:

- ‌إرشادات للنبي صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد زعماء الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (11):

- ‌نزول الآية (30):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكمة في اختيار عدد خزنة جهنم التسعة عشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة القيامة

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إثبات البعث والمعاد وعلائمه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ القرآن وحال الناس في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تفريط الكافر في الدنيا وإثبات البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الإنسان، أو: الدّهر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌خلق الله الإنسان وهدايته السبيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الكفار والأبرار يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مساكن أهل الجنة وأشربتهم وخدمهم وألبستهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الطائعين والمتمردين المشركين في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المرسلات

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌وقوع يوم القيامة حتما ووقته وعلاماته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخويف الكفار وتحذيرهم من الكفر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع ثلاثة أخرى من وجوه تخويف الكفاركيفية عذابهم في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأنواع الباقية من تهديد الكفار وتعذيبهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ ‌سبب النزول: نزول الآيات (38 - 40): {فَلا أُقْسِمُ}:

‌سبب النزول:

نزول الآيات (38 - 40):

{فَلا أُقْسِمُ} : قال مقاتل: سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال: إن محمدا ساحر، وقال أبو جهل: شاعر، وقال عقبة: كاهن، فقال الله عز وجل:

{فَلا أُقْسِمُ.} . أي أقسم.

‌المناسبة:

بعد الإخبار عن إمكان القيامة ووقوعها، وبيان أحوال السعداء والأشقياء فيها، ختم الكلام بتعظيم القرآن وإثبات كونه كلام الله تعالى المنزّل على قلب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

‌التفسير والبيان:

{فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} أي أقسم لخلقي بما تشاهدون من المخلوقات الدالة على كمالي في أسمائي وصفاتي، وبما غاب عنكم من المغيبات، أو أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لا يبصر أن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله على عبده ورسوله الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة، وإنه لتلاوة رسول كريم، وقول يبلّغه رسول كريم، مؤدى عن الله بطريق الرسالة.

وإنما أضافه إلى الرسول على معنى التبليغ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلّغ عن المرسل. وفي ذكر «الرسول» إشارة إلى أن هذا القرآن ليس قوله من تلقاء نفسه، وإنما هو قوله المؤدى عن الله بطريق الرسالة. وفي وصفه بالكرم إشارة إلى أمانته، وأنه ليس ممن يغير الرسالة طمعا في أغراض الدنيا الخسيسة.

والأكثرون على أن الرسول الكريم هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ذكر بعده أنه

ص: 103

ليس بقول شاعر ولا كاهن، والقوم ما كانوا يصفون جبرائيل بالشعر والكهانة، وإنما يصفون محمدا صلى الله عليه وسلم.

وأما في سورة التكوير فالأكثرون على أنه جبرائيل عليه السلام، لأن الأوصاف التي بعده تناسبه، كما سيأتي.

{وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ، قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ} أي ليس القرآن بقول شاعر، كما تزعمون؛ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر، ولأن آيات القرآن ليست من أصناف الشعر، وأنتم تؤمنون إيمانا قليلا، وتصدقون تصديقا يسيرا. والقلة على ظاهرها وهي إقرارهم إذا سئلوا: من خلقكم؟ قالوا: الله. ويحتمل أن يكون المتصف بالقلة هو الإيمان اللغوي؛ لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئا؛ إذ كانوا يصدّقون أن الخير والصلة والعفاف ونحوه الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حق صواب.

وإنما قال عند نفي الشعر عنه: {قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ} وعند نفي الكهانة:

{قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ} لأن انتفاء الشعرية عن القرآن أمر كالبيّن المحسوس.

أما من حيث اللفظ فظاهر؛ لأن الشعر كلام موزون مقفّى؛ وألفاظ القرآن ليست كذلك إلا النادر غير المتعمد. وأما من جهة التخيل فلأن القرآن فيه أصول كل المعارف والحقائق والبراهين والدلائل المفيدة للتصديق إذا كان المكلف ممن يصدّق ولا يعاند.

وانتفاء الكهانة عنه يحتاج إلى تأمل، فإن كلام الكهان أسجاع لا معاني لها، وأوضاع تنبو عنها الطباع، وأيضا في القرآن سب الشياطين وذم سيرتهم، والكهان إخوان الشياطين، فكيف رضوا بإظهار قبائحهم

(1)

.

(1)

غرائب القرآن للحسن القمي النيسابوري: 42/ 29.

ص: 104

{وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ} أي وليس القرآن بقول كاهن (وهو من يدعي الغيب في المستقبل) كما تزعمون، فإن الكهانة أمر آخر لا جامع بينها وبين القرآن، ولان القرآن ورد بسبب الشياطين، فلا يعقل أن يكون بإلهامهم، ولكنكم تتذكرون تذكرا قليلا، ولذلك يلتبس الأمر عليكم، فلا تتذكرون كيفية نظم القرآن، واشتماله على شتم الشياطين، فقلتم: إنه كهانة. ثم صرح تعالى بالمقصود، فقال:

{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} أي بل هو تنزيل من الله رب الإنس والجن، نزل به جبريل الأمين على قلب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول هذا الرسول بمعنى أنه مبلّغ له عن المرسل، وهو الذي أظهره للخلق، ودعا الناس إلى الإيمان به، وجعله حجة لنبوته.

روى الإمام أحمد عن شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب:

«خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن، قال:

فقلت: كاهن، قال: فقرأ: {وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} إلى آخر السورة، قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع، قال ابن كثير: فهذا من جملة الأسباب التي جعلها الله تعالى مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ثم أكد الله تعالى أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يفتعل القرآن، فقال:

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أي ولو افترى محمد أو جبريل شيئا من الأقوال الباطلة، وجاء به من عند نفسه ونسبه إلى الله على سبيل الفرض، لأخذناه بالقوة، وعاجلناه بالعقوبة، وانتقمنا منه، أو لأخذنا بيمينه، كما يؤخذ الشخص عند إرادة قتله. فاليمين: القوة، كما قال الشمّاخ:

ص: 105

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقاها عرابة باليمين

{ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ} أي ثم بترنا الوتين من قلبه، وهو عرق متصل من القلب بالرأس، إذا انقطع مات صاحبه. وهذا تصوير لإهلاكه بأفظع وأشنع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه.

{فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} أي ليس منكم أحد يحجزنا عنه ويمنعنا منه أو ينقذه منا، فكيف يجرأ على تكلف الكذب على الله لأجلكم؟! وجمع:

{حاجِزِينَ} على المعنى؛ لأن قوله: {مِنْ أَحَدٍ} في معنى الجماعة، يقع في النفي العام على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، مثل قوله تعالى:{لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة 285/ 2] وقوله سبحانه: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ} [الأحزاب 32/ 33]. والمراد لا أحد يمنعنا عن الرسول أو عن القتل.

ثم ذكر الله تعالى أوصافا ومنافع للقرآن، فقال:

{وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} أي وإن القرآن لعظة وتذكرة لأهل التقوى الذين يخشون عذاب الله بإطاعة أوامره واجتناب نواهيه، كقوله تعالى:

{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة 2/ 2]. وخص المتقين بالذكر؛ لأنهم المنتفعون به. وناسب ذلك أنه تعالى أوعد المكذبين بقوله:

{وَإِنّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ} أي وإنا لنوقن أن بعضكم يكذب بالقرآن، كفرا وعنادا، ونحن نجازيهم على ذلك، وبعضكم يصدّق به لاهتدائه إلى الحق.

وفي هذا وعيد شديد للمكذبين.

{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ} أي وإن هذا القرآن لحسرة وندامة على الكافرين يوم القيامة إذا رأوا ثواب المؤمنين وفضل الله عليهم.

{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} أي وإن القرآن هو الخبر الصدق واليقين الحق الذي

ص: 106