الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرج البخاري والنسائي وأبو يعلى الموصلي عن الحارث بن سويد قال:
قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ قالوا: يا رسول الله: ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: اعلموا ما تقولون، قالوا: ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله، قال: إنما مال أحدكم ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر» .
ثم ختم السورة بالأمر بالاستغفار فقال:
{وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي أكثروا من الاستغفار لذنوبكم وفي أموركم كلها، فإنكم لا تخلون من ذنوب اقترفتموها، وإن الله كثير المغفرة لمن استغفره، كثير الرحمة لمن استرحمه.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
كل ما جاء في سورة المزمل وفي آياتها عظة للمتعظ، فمن أراد أن يؤمن ويتخذ إيمانه وطاعته طريقا إلى رضا ربه ورحمته، فليرغب وليفعل، فذلك ممكن له؛ لأنه تعالى أظهر له الحجج والدلائل.
2 -
قام النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بما أمروا به من قيام الليل في أول السورة:
{قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} ثم نسخت فرضية القيام بهذا المقدار الثقيل بآخر السورة في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ.} .. وكان النسخ بإيجاب الصلوات الخمس.
3 -
خفف الله عن الأمة وعاد عليهم بالعفو. وهذا يدل-كما قال القرطبي- على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به. والأولى أن يقال: تاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم. قال أبو نصر القشيري: والمشهور أن نسخ قيام الليل كان
في حق الأمة، وبقيت الفريضة في حق النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: نسخ التقدير بمقدار، وبقي أصل الوجوب، كقوله تعالى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة 196/ 2] فالهدي لا بد منه، كذلك لم يكن بدّ من صلاة الليل، ولكن فوّض قدره إلى اختيار المصلي. وهذا مذهب الحسن. ومذهب الشافعي: النسخ بالكلية، فلا تجب صلاة الليل أصلا.
4 -
أمر الله بقراءة ما تيسر من القرآن، والمراد من هذه القراءة: الصلاة؛ لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة، فأطلق اسم الجزء على الكل، أي فصلوا ما تيسر لكم، والصلاة تسمى قرآنا، كقوله تعالى:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء 78/ 17] قال ابن العربي: وهو الأصح؛ لأنه عن الصلاة أخبر، وإليها يرجع القول.
وقيل: المراد القراءة نفسها، أي فاقرؤوا فيما تصلونه بالليل ما خفف عنكم.
قال السدّي: مائة آية، وقال الحسن: من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجّه القرآن.
وقال كعب: من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين. وقال سعيد بن المسيب: خمسون آية. قال القرطبي: قول كعب أصح؛
لما أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمئة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين» أي أعطي من الأجر قنطارا.
وصحح القرطبي القول الثاني حملا للخطاب على ظاهر اللفظ، والقول الآخر مجاز، فإنه من تسمية الشيء ببعض ما هو من أعماله.
5 -
أبان الله تعالى حكمة هذا النسخ، وذكر علة تخفيف قيام الليل؛ فإن الخلق منهم المريض، ويشق عليه قيام الليل، والمسافر في التجارات قد لا يطيق قيام الليل، وكذلك المجاهد، فخفف الله عن الكل لأجل هؤلاء.
6 -
سوى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال
الحلال للنفقة على نفسه وعياله، فكان هذا دليلا على أن كسب المال بمنزلة الجهاد؛ لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله.
روى إبراهيم عن علقمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد، فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند الله منزلة الشهداء» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
7 -
إذا كان المراد من آية {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} هو القراءة في الصلاة عملا بظاهر اللفظ، فاختلف العلماء في قدر ما يلزمه أن يقرأ في الصلاة.
فقال مالك والشافعي وأحمد: فاتحة الكتاب لا يجزئ العدول عنها، ولا الاقتصار على بعضها؛
لما رواه السبعة عن عبادة بن الصامت أنه صلى الله عليه وسلم قال:
«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وظاهر النفي انعدام الصلاة الشرعية لعدم قراءة الفاتحة فيها. ورويت أحاديث كثيرة في معنى ذلك.
وقال أبو حنيفة: الفرض مطلق قراءة، وهو آية واحدة طويلة من القرآن، أو ثلاث آيات قصار؛ لأنها أقل سورة. ودليله
ما ثبت في الصحيحين من حديث المسيء صلاته عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «اقرأ ما تيسر معك من القرآن» فلو كانت الفاتحة بخصوصها ركنا لعيّنها وعلمه إياها إن كان يجهلها،
وما روى أبو داود عن أبي هريرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب» فإنه ظاهر في عدم تعين الفاتحة.
8 -
أوجب الله تعالى إقامة الصلاة المفروضة وهي الخمس لوقتها، وإيتاء الزكاة الواجبة في الأموال. والمراد من الصلاة: ما كان مفروضا في النهار أول الأمر «ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي» والمراد بالزكاة: زكاة المال المفروضة التي فرضت في السنة الخامسة من البعثة على الراجح.
9 -
حث الله تعالى على القرض الحسن: وهو ما قصد به وجه الله تعالى خالصا من المال الطيب. وذلك إشارة أيضا إلى صدقة التطوع.
10 -
أي عمل يقدمه العبد في الدنيا يبتغي به منفعته في الآخرة، سواء أكان متعلقا بالمال أم بغيره، فإنه يلقى به عند ربه جزاء أحسن منه وأكثر نفعا؛ لإعطائه بالحسنة عشرا. وهذا حث على الإنفاق مطلقا.
11 -
طلب الله تعالى من عباده مداومة الاستغفار مما عسى أن يقع في الأعمال من الخلل أو التقصير، ووعد سبحانه بالرحمة والمغفرة لمن يلجأ إلى جنابه الكريم، إذ أخبر بأنه عظيم المغفرة واسع الرحمة. وهذا تحريض على الاستغفار في جميع الأحوال، وإن كانت طاعات، لما عسى أن يقع فيها من تفريط.