الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونظير الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ، ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس 38/ 80 - 39].
{وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} أي وكافأهم بسبب صبرهم على التكاليف جنة يدخلونها وحريرا يلبسونه، أي أعطاهم منزلا رحبا، وعيشا رغدا، ولباسا حسنا، كما قال تعالى:{وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ} [الحج 23/ 22]. والتعبير بقوله: {فَوَقاهُمُ} و {لَقّاهُمْ} بصيغة الماضي، لتأكيد تحقق الوعد.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يأتي:
1 -
إن انقسام الناس باختيارهم إلى فريقين: شاكر وكافر، اقتضى تنوع الجزاء بعد التكليف والتمكين من المأمورات، فمن كفر فله العقاب من السلاسل في الأرجل، والأغلال في الأيدي، والنار المستعرة التي تحرق الجسد؛ ومن وحّد وشكر، فله الثواب الجزيل والجنة بما فيها من ألوان النعيم.
والآية دليل على أن الجحيم بسلاسلها وأغلالها مخلوقة؛ لأن قوله تعالى:
{أَعْتَدْنا} إخبار عن الماضي.
ويلاحظ أن الاختصار في ذكر العقاب، مع الإطناب في شرح الثواب، يدل على أن جانب الرحمة أغلب وأقوى
(1)
.
2 -
وصف الله تعالى نعيم أهل الجنة بما يبهر، فذكر أن الأبرار: أهل التوحيد والصدق يشربون في الجنة الخمر غير المسكرة، الممزوجة بالكافور، المختومة بالمسك، المختلطة بعين ماء عذبة في الجنة، يشربون منها، وتكون تحت تصرفهم وأمرهم يجرونها كما يشاءون، ويشقّقونها شقّا، كما يفجر النهر في الدنيا.
(1)
تفسير الرازي: 256/ 30 وما بعدها.
وتلك العين هي السلسبيل كما
جاء في حديث ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع عيون في الجنة:
عينان تجريان من تحت العرش، إحداهما التي ذكر الله:{يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً} والأخرى الزنجبيل، والأخريان نضّاختان من فوق العرش: إحداهما التي ذكر الله عينا فيها، تسمى سلسبيلا، والأخرى التسنيم». وقال: فالتسنيم للمقربين خاصة شربا لهم، يمزج للأبرار من التسنيم شرابهم، وأما الزنجبيل والسلسبيل فللأبرار منها مزاج.
3 -
إن علة أو سبب هذا النعيم للأبرار أمور ثلاثة: وفاؤهم بالنذور وأداؤهم ما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغيرها من الواجبات؛ وخوفهم من يوم القيامة ذي الشدائد والأهوال الفاشية المنتشرة في كل مكان؛ وإطعامهم الطعام على قلّته وحبهم له وشغفهم به ذا مسكنة وفقر وحاجة، ويتيما من يتامى المسلمين، والأسير المؤمن أو الكافر الذي يؤسر فيحبس.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأسارى قائلا: «استوصوا بالأسارى خيرا»
(1)
.
ويكون إطعام الأسير المشرك قربة إلى الله تعالى، غير أنه من صدقة التطوع، فأما المفروضة فلا. وتقدم لدينا أن الآية دالة على وجوب الوفاء بالنذر.
وأجاز عامة العلماء الإحسان إلى الكفار في بلاد الإسلام من التطوعات لا من الواجبات. وإطعام الأسير واجب أولا على الإمام (الدولة) فإن لم يفعله وجب على المسلمين.
4 -
إطعام هؤلاء بقصدين أو غرضين: رضا الله عنهم، وخوف يوم القيامة.
(1)
أخرجه الطبراني عن أبي عزيز، وهو حديث حسن.