الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زوجته. {وَفَصِيلَتِهِ} عشيرته، لفصله منها. {تُؤْوِيهِ} تضمه ويأوي إليها. وهو دليل على اشتغال كل مجرم بنفسه، بحيث يتمنى أو يفتدي بأقرب الناس وأعلمهم بقلبه، فضلا عن أن يهتم بحاله ويسأل عنها. {وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} من الثقلين أو الخلائق. {ثُمَّ يُنْجِيهِ} عطف على {يَفْتَدِي} أي ثم لو ينجيه الافتداء، وثم للاستبعاد.
{كَلاّ} ردع للمجرم، ورد لما يودّه، فهي كلمة تفيد الزجر عما يطلب. {إِنَّها لَظى} أي إن النار هي النار الملتهبة أو جهنم؛ لأنها تتلظى، أي تتلهب على الكفار. «الشوى» أعضاء الإنسان، أو جلدة الرأس، تنتزعها، ثم تعود إلى ما كانت عليه. {تَدْعُوا} تجذب وتحضر. {مَنْ أَدْبَرَ} عن الإيمان والحق. {وَتَوَلّى} عن الطاعة. {وَجَمَعَ} المال. {فَأَوْعى} جعله في وعاء، وكنزه حرصا وتأميلا، ولم يؤدّ حق الله فيه.
سبب النزول:
نزول الآيتين (2، 1):
أخرج النسائي وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: {سَأَلَ سائِلٌ} قال: هو النضر بن الحارث، قال:{اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} . وأخرج ابن أبي حاتم عن السّدي في قوله: {سَأَلَ سائِلٌ} قال: نزلت بمكة في النضر بن الحارث، وقد قال:
{اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ.} . الآية. وكان عذابه يوم بدر.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: نزلت {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ} فقال الناس: على من يقع العذاب؟ فأنزل الله: {لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ} .
التفسير والبيان:
{سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ} أي دعا داع وطالب بعذاب واقع بلا شك، يقع في الآخرة كائن للكافرين نازل بهم لا يمنع ذلك العذاب الواقع أحد إذا أراده الله. والسؤال للاستهزاء والتعنت. والسائل: هو
النضر بن الحارث بن كلدة أو غيره حين قالوا: {اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال 32/ 8].
{مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ} أي واقع من جهة الله سبحانه ذي المصاعد التي تصعد فيها الملائكة قال ابن عباس: {ذِي الْمَعارِجِ} : أي ذي السموات وسماها معارج؛ لأن الملائكة يعرجون فيها. وقال قتادة: ذي الفواضل والنعم؛ وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة.
والمراد: أن العذاب الذي طالب به الكفار واستعجلوه واقع بلا شك.
{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} أي تصعد إلى الله عز وجل في تلك المعارج الملائكة وجبريل عليهم السلام في مدة يوم يقدّر بخمسين ألف سنة من سنوات الدنيا لو أراد البشر الصعود إليها ولكن الملائكة الروحانيين تصعد إليها في زمن قليل. وليس المراد من الخمسين التحديد بعدد معين بل المقصود الكثرة المطلقة وأن صعود الملائكة في مكان بعيد المدى.
وقوله: {إِلَيْهِ} إلى عرشه أو حكمه أو إلى حيث تهبط أوامره أو إلى مواضع العزّ والكرامة وقوله: {فِي يَوْمٍ} في رأي الأكثرين متعلق بقوله:
{تَعْرُجُ} أي يحصل العروج في مثل هذا اليوم بقصد وصف اليوم بالطول مطلقا.
والمراد باليوم في رأي آخر وهو قول ابن عباس والحسن البصري: هو يوم القيامة تهويلا وتخويفا للكفار والمراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا ثم يستقر أهل النار في دركات النيران. وسبب الربط بين سؤال العذاب وبين عروج الملائكة: المقارنة بين اليوم
في نظرهم وبين اليوم عند الله فهم يرون الدنيا طويلة الأمد وأما عند الله فالدنيا قصيرة إذا قيست باليوم عند الله.
والجمع بين هذه الآية وبين آية السجدة: {فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [5] أن القيامة مواقف ومواطن فيها خمسون موطنا كل موطن ألف سنة.
وهذا إنما يكون في حق الكافر أما في حق المؤمن فلا؛ لقوله تعالى:
{أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان 24/ 25] واتفقوا على أن ذلك المقيل والمستقر هو الجنة ولما
أخرجه الإمام أحمد وابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله ما أطول هذا اليوم؟! فقال صلى الله عليه وسلم:
«والذي نفسي بيده إنه ليخفّف عن المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا» .
{فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} أي لا تأبه يا محمد بسؤالهم العذاب استهزاء وتعنّتا وتكذيبا بالوحي ولا تضجر واحلم على تكذيبهم لك وكفرهم بما جئت به واستعجالهم العذاب استبعادا لوقوعه واصبر صبرا جميلا: لا جزع فيه ولا شكوى إلى غير الله وهذا معنى الصبر الجميل.
{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً} أي إنهم يرون وقوع العذاب بعيدا وقيام الساعة في اعتقاد الكفرة مستحيل الوقوع ويرون أيضا يوم القيامة الذي مقداره خمسون ألف سنة مستبعدا محالا ونحن نعلمه كائنا قريبا ممكنا غير متعذر؛ لأن كل ما هو آت قريب.
ثم ذكر الله تعالى بعض أوصاف ومظاهر ذلك اليوم فقال:
{يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} أي إن يوم القيامة ذلك اليوم الذي تصير السماء فيه كعكر (درديّ)
الزيت أو المذاب من النحاس والرصاص والفضة أي تكون السماء واهية غير متماسكة الأجزاء مبددة وتكون الجبال كالصوف المنفوش إذا طيّرته الريح؛ ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه أو حاله في ذلك اليوم وهو يراه في أسوأ الأحوال فتشغله نفسه عن غيره لما يرى من شدة الأهوال.
{يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ} أي يبصر كل حميم حميمه ويراه ويعرّف عليه لا يخفى منهم أحد عن أحد دون أن يكلم بعضهم بعضا ويتمنى الكافر وكل مذنب ذنبا يستحق به النار أن يفتدي نفسه من عذاب يوم القيامة الذي نزل به بأعز ما يجده من المال أو بأعز الناس وأكرمهم لديه من أولاده وإخوته وزوجته وقبيلته وعشيرته الأقربين الذين ينتمي إليهم في النسب أو يضمونه عند الشدائد ويأوي إليهم وينصرونه بل يود المجرم لو افتدى بمن في الأرض جميعا من الثقلين وغيرهما من الخلائق ولا يقبل منه الفداء ولا ينجيه الافتداء من عذاب جهنم ولو جاء بأهل الأرض.
ونظير الآية قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} [لقمان 33/ 31] وقوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى} [فاطر 18/ 35] وقوله سبحانه: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} [المؤمنون 101/ 23] وقوله عز وجل: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس 34/ 80 - 37]. والخلاصة: أنه تعالى ذكر أربع صفات ليوم القيامة: تكون السماء فيه كالمهل وتكون الجبال فيه كالعهن ولا يسأل حميم حميما ويود المجرم الكافر الافتداء من عذاب ذلك اليوم بأعز الناس لديه وجميع من في الأرض.