الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشتد حتى دخل في الغنم، وأنزل الله على رسوله بمكة:{وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ} الآية.
وأخرج ابن سعد عن أبي رجاء العطاردي من بني تميم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رعيت على أهلي، وكفيت مهنتهم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم خرجنا هرابا، فأتينا على فلاة من الأرض، وكنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا:
إنا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة، فقلنا ذاك، فقيل لنا: إنما سبيل هذا الرجل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، من أقرّ بها، أمن على دمه وماله، فرجعنا فدخلنا في الإسلام، قال أبو رجاء: إني لأرى هذه الآية نزلت فيّ وفي أصحابي: {وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ، فَزادُوهُمْ رَهَقاً} .
التفسير والبيان:
حكى الله عن الجن ستة أشياء وهي:
1 -
{قُلْ: أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ، فَقالُوا: إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً} أي قل يا محمد مخبرا أمتك وقومك بأن الجن استمعوا القرآن، فآمنوا به وصدّقوه وانقادوا له، فقد أوحى الله إلي على لسان جبريل عليه السلام أنه استمع عدد من الجن إلى قراءتي للقرآن، وهي سورة {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فقالوا لقومهم لما رجعوا إليهم: سمعنا كلاما مقروءا مثيرا للعجب في فصاحته وبلاغته، ومواعظه وبركاته. والإيحاء: إلقاء المعنى إلى النفس في خفاء، كالإلهام وإنزال الملك، ويكون ذلك في سرعة.
والجنّ عالم مستتر عنا، لا نعرف عنه إلا ما أخبر به الوحي، فهم مخلوقون من النار:{وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ} [الحجر 27/ 15]، ولم
يرسل الله إليهم رسلا منهم، بل الرسل جميعا من البشر، وهم كالبشر منهم المؤمن المثاب، ومنهم الكافر المعاقب.
ونظير الآية قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ.} . الآية [الأحقاف 29/ 46].
{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً} أي إن هذا القرآن يرشد إلى الحق والصواب ومعرفة الله تعالى، فصدقنا به أنه من عند الله، ولن نشرك مع الله إلها آخر من خلقه، ولا نتخذ إلها آخر، وهذا إعلان منهم للإيمان أمام قومهم حين رجعوا إليهم، كما جاء في تتمة آية الأحقاف السابقة:{قالُوا:}
{أَنْصِتُوا، فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} .
وفي الآية دلالة أن أعظم ما في دعوة محمد صلى الله عليه وسلم: توحيد الله تعالى، وخلع الشرك وأهله. وقد آمنت الجن أن القرآن كلام الله، بسماعه مرة واحدة، ولم ينتفع كفار قريش، لا سيما رؤساؤهم، بسماعه مرات، مع كون الرسول صلى الله عليه وسلم منهم يتلوه عليهم بلسانهم.
2 -
{وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً} وأنه ارتفع عظمة ربّنا وجلاله، أو فعله وأمره وقدرته، وأنه تعاظم عن اتّخاذ الصاحبة والولد، كما يقول الكفار الذين ينسبون إلى الله الصاحبة والولد. والمعنى أنهم كما نفوا عن أنفسهم الإشراك بالله، نزهوا الرّب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتّخاذ الصاحبة والولد. وبذلك أثبتوا وحدانية الله وامتناع وجود شريك له ثم أثبتوا له القوة والعظمة، ونزهوه عن الحاجة والضعف باتخاذ الصاحبة والولد، شأن العباد الذين يتعاونون على أمور الحياة بالزوجة للسّكن والألفة، وبالولد للمؤازرة والتكاثر والأنس.
3 -
{وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً} أي وإن مشركي الجن
وجهالهم كانوا قبل إسلامهم يقولون قولا متجاوزا الحدّ، بعيدا عن الصواب، غاليا في الكفر، فهم يكذبون على الله بدعوى الصاحبة والولد وغير ذلك.
والشطط: مجاوزة الحد في الظلم والكفر وغيره من الباطل والزور.
4 -
{وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً} أي وأنا حسبنا أن الإنس والجن كانوا لا يكذبون على الله، حينما قالوا بأن له شريكا وصاحبة وولدا، فصدقناهم في ذلك، فلما سمعنا القرآن علمنا بطلان قولهم وبطلان ما كنا نظنه بهم من الصدق، وعرفنا أنهم كانوا كاذبين.
وهذا-كما ذكر الرازي-إقرار منهم بأنهم إنما وقعوا في تلك الجهالات بسبب التقليد، وأنهم إنما تخلصوا منها بالاستدلال والاحتجاج.
5 -
{وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً} أي كنا نرى أن لهم فضلا علينا، فكان بعض الإنس يستعيذ في القفار ببعض الجن، فزادوا رجال الجن طغيانا وسفها وغيّا وضلالا وإثما. وذلك أنه كان العرب إذا نزل الرجل بواد قال: أعوذ بسيّد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه، فيبيت في جواره حتى يصبح. وقد أدى هذا إلى اجتراء الجن على الإنس وظلمهم.
ونظير الآية: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ، وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ: رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ، وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا.} . [الأنعام 128/ 6].
6 -
{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً} أي وأن الإنس ظنوا كما ظننتم أيها الجن أنه لا بعث ولا جزاء، أو أنه لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولا يدعو إلى التوحيد والإيمان بالله ورسله واليوم الآخر.