الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أكّد تعالى رفض قبول الفداء منه واستبعاده قائلا:
{كَلاّ إِنَّها لَظى نَزّاعَةً لِلشَّوى تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلّى وَجَمَعَ فَأَوْعى} أي لا يقبل الفداء من المجرم ولو افتدى بأهل الأرض وبمال الدنيا جميعا إنها جهنم الشديدة الحر مأواه كما قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى} [الليل 14/ 92] والتي تنزع اللحم عن العظم حتى لا تترك فيه شيئا وتنزع جلدة الرأس وجلد أطراف اليدين والرجلين ولحم الساقين ثم يعود كما كان وتنادي جهنم كل من أدبر عن الحق والإيمان في الدنيا وتولى عنه وجمع المال فجعله في وعاء فلم ينفق منه شيئا في سبيل الخير ومنع حق الله فيه من الواجب عليه من النفقات وإخراج الزكاة. قال الحسن البصري: يا ابن آدم سمعت وعيد الله ثم أوعيت الدنيا.
وكلمة {كَلاّ} ردع للمجرم عن تلك الأمنية وبيان امتناع قبول الفداء منه وضمير {إِنَّها} للنار ولم يجر لها ذكر؛ لأن العذاب دلّ عليها ويجوز أن يكون ضميرا مبهما ترجم عنه الخبر أو ضمير القصة أي إن القصة. والدعاء على حقيقته كما روي عن ابن عباس أو هو مجاز حيث شبه تهيؤ جهنم وظهورها للمكذبين بالدعاء والطلب لهم فهو مجاز عن إحضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
1 -
طلب كفار مكة تعجيل العذاب الموعود به استهزاء وتعنّتا والعذاب من الله صاحب معارج السماء أو معارج الملائكة واقع حتما بالكفار في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد.
2 -
تصعد الملائكة وجبريل في المعارج التي جعلها الله لهم إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء؛ لأنها محل برّه وكرامته فليس المراد من قوله {إِلَيْهِ} المكان بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده وهو موضع العزّ والكرامة. وعروج
الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة. وهذا هو الرأي الأصح في تقديري وهو قول الأكثرين كما تقدم وقيل: المراد باليوم هو يوم القيامة الموصوف بأنه بمقدار خمسين ألف سنة تهويلا وتخويفا للكفار. قال ابن عباس: هو يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ثم يدخلون النار للاستقرار.
قال القرطبي عن قول ابن عباس: وهذا القول أحسن ما قيل في الآية إن شاء الله بدليل
حديث أبي سعيد الخدري المتقدم وحديث أبي هريرة فيما رواه البخاري ومسلم والموطأ وأبو داود والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من رجل لم يؤدّ زكاة ماله إلا جعل شجاعا
(1)
من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس» فهذا يدل على أنه يوم القيامة
(2)
.
وهذا كما تقدم بالنسبة للكافر وأما بالنسبة للمؤمن فيكون يوم الحساب في القيامة بمقدار ما بين الصلاتين كما ثبت في الحديث الصحيح.
3 -
أمر الله نبيّه بالصبر الجميل على أذى قومه الذين يرون العذاب بالنار بعيدا أي غير كائن وهو في تقدير الله قريب الحصول؛ لأن ما هو آت فهو قريب. والصبر الجميل: هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله.
4 -
ذكرت الآيات أوصافا أربعة: هي صيرورة السماء كدرديّ الزيت وعكره أو كالمذاب من المعادن من الرصاص والنّحاس والفضة وجعل الجبال كالصوف المنفوش أو المصبوغ ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغل كل إنسان بنفسه مع أن الرجل يرى أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه لاشتغالهم بأنفسهم ويتمنى الكافر أن يفتدي من عذاب جهنم بأعزّ من كان عليه
(1)
الشجاع: الحية الذكر.
(2)
تفسير القرطبي: 282/ 18 وما بعدها.