الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: كان التهجد فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، ثم نسخ بالصلوات الخمس ليلة المعراج.
وقيل: إن التهجد كان نافلة، لا مفروضا، لقوله تعالى:{نافِلَةً لَكَ} ولأن حمل الأمر: {قُمِ اللَّيْلَ} على الندب أولى؛ لأنه متيقن، فإن أوامر الشريعة تارة تفيد الوجوب، وتارة تفيد الندب، فلا بد من دليل آخر على الوجوب كالتوعد على الترك ونحوه، وليس هذا متوفرا هنا. ويرد عليه بأن المختار في علم الأصول في الأوامر حملها على الوجوب أو الإلزام إلا بقرينة تصرفه عن ذلك إلى الندب أو الإباحة. ولأنه تعالى ترك تقدير قيام الليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخيره بين النصف أو أقل منه أو أكثر، ومثل هذا لا يكون في الواجبات. ويرد عليه بأنه قد يكون الواجب مخيرا بين أمور ثلاثة كالكفارة.
والراجح هو أن التهجد نسخ عن الأمة وحدها، وبقي وجوبه على النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل آية الإسراء:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ} . وربما كان العمل بحديث سعد بن هشام بن عامر السابق صحيحا: وهو نسخ الوجوب مطلقا وصيرورة التهجد (أو قيام الليل) تطوعا، تخفيفا وتيسيرا، والناسخ هو الصلوات الخمس، وأما آخر سورة المزمل الذي نزل بعد أولها بنحو عام كما في بعض الآثار، فقد نسخ المقدار الذي بيّن في أولها، دون نسخ أصل وجوب التهجد.
والمقدار المذكور في أول السورة: هو نصف الليل أو أنقص منه قليلا إلى الثلث، أو الزيادة عليه إلى الثلثين.
2 - وجوب ترتيل القرآن:
لا خلاف في أنه يقرأ القرآن بترتيل على مهل، وتبيين حروف، وتحسين مخارج، وإظهار مقاطع، مع تدبر المعاني. والترتيل:
التنضيد والتنسيق وحسن النظام.
والخلاف في التغني به وتلحينه فقال بكراهته جماعة منهم الإمامان مالك وأحمد، وأجازه جماعة آخرون منهم الإمامان أبو حنيفة والشافعي، ولكل فريق أدلة
(1)
.
استدل المجيزون بما يأتي.
أولا-
ما أخرجه أبو داود والنسائي عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «زيّنوا القرآن بأصواتكم» .
ثانيا-
ما أخرجه مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» .
ثالثا-
ما رواه البخاري عن عبد الله بن مغفّل قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسير له سورة الفتح على راحلته، فرجّع في قراءته.
رابعا-ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمع لقراءة أبي موسى الأشعري، فلما أخبره بذلك قال: لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبّرته لك تحبيرا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعه: «إن هذا أعطي مزمارا من مزامير داود» .
خامسا-
ما رواه مسلم عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«ما أذن الله لشيء كإذنه-استماعه
(2)
-لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن».
سادسا-إن الترنم بالقرآن من شأنه أن يبعث على الاستماع والإصغاء، وهو أوقع في النفس وأبلغ في التأثير.
واحتج المانعون بما يأتي:
أولا-
ما رواه الترمذي في نوادر الأصول عن حذيفة بن اليمان عن
(1)
تفسير آيات الأحكام للشيخ محمد علي السايس: 193/ 4 وما بعدها.
(2)
أذن له: استمع، وباب طرب.
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الكتاب والفسق، فإنه يجيء من بعدي أقوام يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم، وقلوب الذين يعجبهم شأنهم» فهذا نعي على الترجيع بالقرآن ترجيع الغناء والنوح.
ثانيا-
ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أشراط الساعة، وذكر أشياء، منها: أن يتخذ القرآن مزامير، وقال:«يقدّمون أحدهم، ليس بأقرئهم ولا أفضلهم ليغنيهم غناء» .
ثالثا-
أخرج الدارقطني عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلا سمحا، وإلا فلا تؤذن» فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرب المؤذن في أذانه، مما يدل على كراهة التطريب في القراءة بالأولى.
رابعا-أنكر أنس بن مالك على زياد النميري حينما قرأ ورفع صوته وطرب، وقال: يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون.
خامسا-إن التغني والتطريب يؤدي إلى أن يزاد على القرآن ما ليس منه؛ لأنه يقتضي مد ما ليس بممدود، وهمز ما ليس بمهموز، وجعل الحرف الواحد حروفا كثيرة، وهو لا يجوز. كما أن التلحين يلهي النفس بنغمات الصوت، ويصرفها عن تدبر معاني القرآن.
والحق التوسط في الأمر، فإذا كان التلحين والتطريب يغير من ألفاظ القرآن، ويخل بطرق الأداء، أو كان تكلّفا وتصنعا يشبه توقيعات الموسيقى، فهو ممنوع وحرام. أما إذا كان تحبيرا وترقيقا وتحزينا يؤدي إلى اتعاظ القارئ، وكمال تأثره بمعاني القرآن، فلا دليل على المنع، بل الأدلة تجيزه.