الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعبي وابن إسحاق. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزلت في الأسود بن عبد يغوث، أو عبد الرحمن بن الأسود.
والمشهور أن الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة، أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت على النّبي صلى الله عليه وسلم: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ، هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ} فلم نعرفه، حتى نزل عليه بعد ذلك:{عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ} فعرفناه له زنمة كزنمة الشاة
(1)
.
المناسبة:
بعد بيان ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من كمال الدين والخلق، بيّن ما عليه الكفار من الأخلاق الذميمة، والدعوة إلى التشدد معهم ومخالفتهم، مع قلة عدد المؤمنين، وكثرة الكفار.
التفسير والبيان:
{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} أي داوم على مخالفة الكفار المكذبين لرسالتك، وتشدد في ذلك. وهذا نهي صريح من الله سبحانه عن ملاينة المشركين رؤساء مكة؛ لأنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه، فنهاه الله عن طاعتهم أو مجاملتهم في شيء من العقيدة بقصد ترغيبهم في الإسلام. والمراد من النهي: التحميس والتهييج والتشدد في مخالفتهم. قال المفسرون: إن المشركين أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبد الله مدة وآلهتهم مدة، وهم يعبدون الله مدة، وآلهتهم مدة، فأنزل الله تعالى:{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} .
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي تمنوا لو تلين لهم، فيلينون لك، بأن تركن إلى آلهتهم، وتقربها، وتترك ما أنت عليه من الحق، فيعترفون بعبادة إلهك.
(1)
أي الجزء المسترخي من أذنها حين تشق، ويبقى كالجزء المعلّق.
ونظير الآية: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ، لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً} [الإسراء 74/ 17 - 75].
ثم خصص تعالى من جميع المكذبين الكفار من اتصف بالأوصاف المذمومة العشرة التالي، غير الكفر، فقال:
1 -
2: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ} أي ولا تطع كل شخص كثير الحلف بالباطل حقير الرأي والفكر. ومثله قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ} [البقرة 224/ 2]. وفيه إشارة إلى أن عزّة النفس منوطة بتصحيح نسبة العبودية، ومهانة النفس مربوطة بالغفلة عن سرّ الربوبية، وأيضا الحلاف يكذب كثيرا، والكذاب حقير عند الناس.
3 -
4: {هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ} أي عيّاب طعّان يذكر الناس بالشرّ في وجوههم، يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم. أما اللمّاز: فهو الذي يذكر الناس في مغيبهم.
روى الجماعة إلا ابن ماجه عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يدخل الجنة قتّات» أي نمام.
5 -
6: {مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ، مُعْتَدٍ، أَثِيمٍ} أي بخيل: يمنع الخير عن الناس من الإيمان والإنفاق والعمل الصالح، ظالم متجاوز الحق وحدود الله من أمر ونهي، كثير الآثام والذنوب. كان للوليد بن المغيرة عشرة بنين، وكان يقول لهم ولمن قاربهم: لئن تبع دين محمد منكم أحد، لا أنفعه بشيء أبدا. فمنعهم الإسلام، وهو الخير الذي منعهم.
7 -
8: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ، زَنِيمٍ} أي هو بعد ما ذكر من معايبه غليظ جاف فظّ، شديد الخلق، فاحش الخلق، دعي في قريش ملصق بالقوم وليس هو منهم، مشهور بالشر والسوء.
أخرج الإمام أحمد وأصحاب الكتب الستة إلا أبا داود عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأهل الجنة كل ضعيف متضعّف
(1)
، لو أقسم على الله لأبرّه، ألا أنبئكم بأهل النار كل عتلّ جوّاظ
(2)
مستكبر».
ثم ذكر الله تعالى بعض دوافع ومظاهر كبره وكفره، فقال:
9 -
10: {أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ} أي أيكفر بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله أنعم عليه بالأموال والبنين، حيث جعل جزاء النعم الكفر والجحود؟ فذلك لا ينفعه عند ربّه. وهذا تقريع وتوبيخ على مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين بالكفر بآيات الله تعالى والإعراض عنها. وقال الزمخشري: متعلق بقوله: {وَلا تُطِعْ} ، يعني: ولا تطعه مع هذه المثالب لأن كان ذا مال، أي ليساره وحظه من الدنيا.
{إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي وإنه إذا تليت عليه آيات القرآن، زعم أنها كذب مأخوذ من قصص وأباطيل القدماء، وليس هو من عند الله تعالى.
وهذا كقوله تعالى حكاية عن هذا الطاغية الجبار: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً، وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً، وَبَنِينَ شُهُوداً، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً، ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ، كَلاّ، إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً، سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً، إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقالَ: إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر 11/ 74 - 25].
(1)
روي بكسر العين وفتحها، والمشهور الفتح، ومعناه: يستضعفه الناس ويحتقرونه، وبالكسر: المتواضع المتذلل.
(2)
الجوّاظ: الجمّاع المنّاع، الذي يجمع المال ويمنعه.