الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما البرهان فقد ذكر تعالى عدة براهين على كمال قدرته، مما يدل على كونه تعالى قادرا على إيقاع جميع أنواع العذاب بالكفار.
وهذا هو البرهان الأول:
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ، ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} أي أولم ينظروا إلى الطير فوقهم في الجو أو الهواء، وهن باسطات أجنحتها تارة، وقابضات ضامات لها تارة أخرى، ما يمسكهن في الهواء عند الطيران والقبض والبسط إلا الإله الرحمن القادر على كل شيء، بما سخّر لهن من الهواء برحمته ولطفه، إنه سبحانه عليم بصير بما يصلح كل شيء من مخلوقاته، لا يخفى عليه شيء من دقائق الأمور وعظائمها.
ونظير الآية: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ، ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل 79/ 16].
قالوا: وفي الآية دليل على أن الأفعال الاختيارية للعبد مخلوقة لله تعالى؛ لأن استمساك الطير في الهواء فعل اختياري لها، وقد أضافه الله تعالى إلى نفسه.
فقه الحياة أو الأحكام:
يستنبط من الآيات ما يلي:
1 -
الله تعالى هو القادر على أن يخسف بالكافرين والظالمين الأرض، عقوبة على كفرهم، كما خسف بقارون وبداره الأرض، فإذا الأرض تذهب وتجيء وتغور بهم وتبتلعهم.
وإنما خص الله تعالى السماء في قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ} تنبيها على أن الإله الذي تنفذ قدرته في السماء، لا من يعظمونه في الأرض، علما بأنه تعالى
إله في السماء وفي الأرض، كما قال:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ، وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف 84/ 43].
وقد احتج المشبّهة على إثبات المكان لله تعالى بقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ} وأجابهم الرازي بأن هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين؛ لأن كونه في السماء يقتضي كون السماء محيطا به من جميع الجوانب، فيكون أصغر من السماء، والسماء أصغر من العرش بكثير، فيلزم أن يكون الله تعالى شيئا أصغر من العرش، وذلك محال باتفاق أهل الإسلام؛ لأن العرش أكبر المخلوقات في السماء والأرض. ولأنه تعالى قال:{قُلْ: لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ: لِلّهِ} [الأنعام 12/ 6] فوجب صرف الآية عن ظاهرها إلى التأويل.
وللتأويل وجوه أولاها: تقدير الآية: أأمنتم من في السماء سلطانه وملكه وقدرته، والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله وتعظيم قدرته، كما قال:
{وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام 3/ 6] فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين
(1)
.
2 -
إن الله تعالى هو الذي أنعم على عباده بتذليل الأرض، وجعلها سهلة للاستقرار عليها، وامتن عليهم، فأباح لهم السير في نواحيها وأقطارها وآكامها وجبالها بحثا عن الرزق وللاتجار والتكسب، وأذن لهم بالأكل مما أحله لهم، ثم هم في النهاية مرجعهم إلى الله، فإن الذي خلق السماء لا تفاوت فيها، والأرض ذلولا، قادر على أن يبعثهم وينشرهم من قبورهم أحياء.
3 -
إن الله عز وجل هو القادر أيضا على تعذيب الكفار بإرسال حجارة من السماء، كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل، وحين وقوع العذاب يعلمون كيف إنذار الله بالعذاب أنه حق.
(1)
تفسير الرازي: 70/ 30