الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد بيان أوصاف يوم القيامة الرهيبة، نبّه الله تعالى إلى طبائع البشر واتصافهم بالهلع والجزع والمنع التي تجمع أصول الأخلاق الذميمة، ثم استثنى المؤمنين الذين يعملون صالح الأعمال، ويتصفون بصفات عشر لعلاج أمراض النفس البشرية، وليكونوا قدوة للإنسانية ومثلا أعلى يحتذي به.
التفسير والبيان:
{إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} أي إن الإنسان جبل على الضجر أو الهلع: وهو شدة الحرص، وقلة الصبر، فلا يصبر على بلاء، ولا يشكر على نعماء، وفسّر ذلك بأنه إذا أصابه الفقر والحاجة أو المرض أو نحو ذلك من الضّر، فهو كثير الجزع أو الحزن والشكوى، وإذا أصابه الخير من الغنى والسعة أو المنصب والجاه أو القوة والصحة ونحو ذلك من النعم، فهو كثير المنع والإمساك والبخل على غيره.
روى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شرّ ما في رجل: شحّ هالع، وجبن خالع» .
ثم استثنى الله تعالى من اتصف بالصفات العشر التالية، وهي:
1 -
2: أداء الصلاة والمواظبة عليها: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ} أي إن الناس يتصفون بصفات الذّم إلا الموفقين المهديين إلى الخير، وهم الذين يؤدون صلاتهم، ويحافظون على أوقاتها وواجباتها، فلا يتركونها في شيء من الأوقات، ولا يشغلهم عنها شاغل، ولا يخلون بشيء من فرائضها وسننها، ويتمثلون حقيقتها من الصلة بالله والسكون والخشوع، فهؤلاء ليسوا على تلك الصفات من الهلع والجزع والمنع، وإنما بإيمانهم وكون دين الحق في نفوسهم على صفات محمودة وخلال مرضية.
وهذا دليل على وجوب المواظبة على العبادة، كما
جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» وفي لفظ «ما داوم عليه صاحبه» قالت: وكان رسول الله إذا عمل عملا داوم عليه، أو أثبته. فيكون المراد بالآية الذين يداومون على الصلوات في أوقاتها، وأما الاهتمام بشأنها فيحصل برعاية أمور سابقة على الصلاة كالوضوء، وستر العورة، وطلب القبلة وغيرها، وتعلق القلب بها إذا دخل وقتها، ورعاية أمور مقارنة للصلاة، كالخشوع، والاحتراز عن الرياء، والإتيان بالنوافل والمكملات. ورعاية أمور لاحقة بالصلاة، كالاحتراز عن اللغو وما يضادّ الطاعة؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فارتكاب المعصية بعد الصلاة دليل على عدم قبول تلك الصلاة.
3 -
أداء الزكاة والواجبات المالية: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} أي والذين في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات والبائسين، سواء سألوا الناس أو تعففوا، وذلك يشمل الزكوات المفروضة وكل ما يلزم الإنسان نفسه به، من نذر، أو صدقة دائمة، أو إغاثة مستمرة. وهذا دليل على وجوب العبادة المالية ذات الأهداف الاجتماعية، بعد وجوب العبادات البدنية ذات المغزى الأخلاقي المربي للنفس، والغاية الدينية السامية، فيكون المراد بالحق: الزكاة المفروضة، بدليل وصفه بأنه معلوم، واقترانه بإدامة الصلاة.
وقيل: هو ما سوى الزكاة، وإنه على طريق الندب والاستحباب.
4 -
التصديق بيوم الجزاء: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} أي والذين يوقنون بيوم القيامة أو بالمعاد والحساب والجزاء، لا يشكون فيه ولا يجحدونه، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب. وهذا دليل على أن العمل له غاية تدفع إلى تصحيح الاعتقاد والقول والفعل.
5 -
الخوف من عذاب الله: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، إِنَّ
عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} أي والذين هم خائفون وجلون من عذاب الله إذا تركوا الواجبات، واقترفوا المحظورات، فإن العذاب واقع حتما، ولا ينبغي لأحد أن يأمنه، وعلى كل واحد أن يخافه، إلا بأمان من الله تعالى.
ونظير الآية: {الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال 2/ 8].
وقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ} [المؤمنون 60/ 23].
وهذا دليل على أن الخوف من العقاب باعث على الطاعة وزاجر عن المعصية، وأنه لا ينبغي لأحد أن يأمن عذاب الله، وإن بالغ في الطاعة.
6 -
العفة والبعد عن الفاحشة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ، إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ} أي والذين يكفون فروجهم عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه، وهو الزوجة وملك اليمين الذي هو الإماء، فلا لوم في الاستمتاع المشروع بهما، أما من قصد غير ذلك فهم المتجاوزون الحدود، المعتدون الذين يلحقون الضرر بأنفسهم وبأمتهم.
وهذا دليل على حرمة كل ما عدا الزواج ونحوه من الاستمتاع بالإماء، حينما كان الرق قائما في العالم.
7 -
8: أداء الأمانات والوفاء بالعهود: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} أي الذين يؤدون الأمانات التي يؤتمنون عليها إلى أهلها، ويوفّون بالمعاهدات، ولا ينقضون شيئا من العهود التي يعقدونها على أنفسهم، فإذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا. وهذه صفات المؤمنين، وضدها صفات المنافقين، كما
ورد في الحديث الصحيح: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب،