الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
نزول الآية (38):
{أَيَطْمَعُ} : قال المفسرون: كان المشركون يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه، ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزئون ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة، لندخلنها قبلهم، وليكوننّ لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية:{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ}
(1)
.
المناسبة:
بعد أن وعد الله تعالى المتصفين بصفات عشر بالجنات والإكرام، ذكر أحوال الكفار في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيسرعون إلى الكفر، لذا توعدهم الله بالإبادة والهلاك، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم حتى يوم البعث، وأما في الآخرة فيخرجون من قبورهم مسرعين إلى معبوداتهم الباطلة من الأصنام والأوثان، وتكون أبصارهم ذليلة، وتغشاهم المذلة بسبب تكذيبهم بيوم القيامة.
التفسير والبيان:
{فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ} أي ما بال هؤلاء الكفار حواليك أيها النبي مسرعين إلى الكفر والتكذيب والاستهزاء بك، وتراهم عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله جماعات متفرقة، شاردين فرقا فرقا، وشيعا شيعا، فارين منه، متفرقين عنه، كما قال تعالى:{فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدّثر 49/ 74 - 51].
وقيل: مهطعين: مادّي أعناقهم، مديمي النظر إليك.
ثم تهكم الله تعالى بتمنياتهم الجنة وأيأسهم من دخول الجنات، فقال:
(1)
أسباب النزول للواحدي: ص 250
{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} ؟ أي أيطمع هؤلاء المشركون، وحالتهم هذه من الكفر والتكذيب والفرار من الرسول صلى الله عليه وسلم ونفرتهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم؟! كلا، بل مأواهم جهنم، كما قال تعالى:
{كَلاّ، إِنّا خَلَقْناهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ} أي كلا، لا أمل في دخولهم الجنة، فإنا خلقناهم من المني الضعيف، كما قال تعالى:{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} [المرسلات 20/ 77]. وهذا تقرير لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا حدوثه واستبعدوا وجوده، بدليل الخلق الأول أو البداءة التي يعترفون بها، فتكون الإعادة في تقدير البشر أهون منها، أما بالنسبة لله عز وجل فالبدء والإعادة سواء. وبما أنهم خلقوا من الشيء الضعيف، فهم ضعاف لا ينبغي منهم هذا التكبر.
أخرج أحمد وابن ماجه وابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ.} . إلى قوله: {كَلاّ إِنّا خَلَقْناهُمْ مِمّا يَعْلَمُونَ} ثم بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفّه، ووضع عليها أصبعه، وقال:«يقول الله: ابن آدم، أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه؟ حتى إذا سوّيتك وعدّلتك، مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي أتى أوان الصدقة» .
ثم أنذرهم الله تعالى بالهلاك إن داموا على الكفر، وهددهم بإيجاد آخرين مكانهم لكي يؤمنوا، فقال:
{فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ، عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ، وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أي فأقسم بمشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها كل يوم من أيام السنة، على أن نخلق أمثل منهم، وأطوع لله ممن عصره، ونهلك
هؤلاء، ولن يعجزنا شيء، وما نحن بمغلوبين إن أردنا ذلك، بل نفعل ما أردنا، لكن اقتضت مشيئتنا وحكمتنا تأخير عقابهم.
وهذا دليل على كمال قدرته تعالى على الإيجاد والإعدام مؤكدا بالقسم، وأنه لا يعجزه شيء من الممكنات. وهو تهكم بهم وتنبيه على تناقض كلامهم، حيث إنهم ينكرون البعث، ثم يطمعون في دخول الجنة، وهم يعترفون بأن الله خالق السموات والأرض وخالقهم مما يعلمون، ثم لا يؤمنون بأنه قادر على خلقهم مرة ثانية.
ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم حتى يوم البعث زيادة في التهديد، فقال:
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا، حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} أي اتركهم يا محمد يتحدثون في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم، ويعاندوا في تكذيبهم وكفرهم وإنكارهم يوم البعث، حتى يلقوا يوم القيامة وما فيه من أهوال، ويذوقوا وباله، ويجازوا بما عملوا.
ومن أحوالهم في هذا اليوم:
- {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً، كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} أي اذكر يوم يقومون من القبور بدعوة الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب، مسرعين، متسابقين، كأنهم في إسراعهم إلى الموقف، كما كانوا في الدنيا يهرولون أو يسرعون إلى شيء منصوب، علم أو راية، والمراد بالنصب هنا: كل ما ينصب فيعبد من دون الله سبحانه. وقوله: {يُوفِضُونَ} : يسرعون ويتسابقون إليه.
- {خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ} أي وتكون أبصارهم ذليلة كسيرة، وتغشاهم المذلة الشديدة، لهول العذاب الذي