الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقدر للقمر منازل وبروجا تدل على مضي الشهور وتدل الشمس على مرور السنين كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً، وَالْقَمَرَ نُوراً، وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ، لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ، ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ، يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس 5/ 10].
ثم ذكر الله تعالى دليلا من العالم الأرض السفلي، فقال:
4 -
{وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً} أي والله أوجد أباكم آدم من التراب، وجعله ينمو ويكبر كالنبات، وجعل نموكم معتمدا على الغذاء من نتاج الأرض، وتحولها إلى نبات أو حيوان، ثم يعيدكم في الأرض، تموتون، وتتحلل أجزاؤكم، حتى تعود ترابا مندمجا في الأرض، ثم يخرجكم أحياء منها بالبعث يوم القيامة، إخراجا دفعة واحدة، لا إنباتا بالتدريج كالمرة الأولى. قال الزمخشري: أستعير الإنبات للإنشاء ليكون أدل على الحدوث.
5 -
{وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً} أي ومن نعمه تعالى على الإنسان أنه جعل لكم الأرض ممهدة كالبساط، وثبّتها بالجبال، وجعلكم تتقلبون في أنحائها بحثا عن الرزق، وأوجد لكم طرقا واسعة بين الجبال وفي الوديان والسهول.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
1 -
استمر نوح عليه السلام في دعوة قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له طوال ألف سنة إلا خمسين عاما، لم يفتر ولم يكلّ ولم يملّ ليلا ونهارا، سرا وجهرا، امتثالا لأمر الله وابتغاء لطاعته. ولكنهم بالرغم من هذه المدة الطويلة لم تزدهم دعوته للاقتراب من الحق إلا تباعدا عن الإيمان.
2 -
ذكر الرازي أن آية: {دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً.} . من الآيات الدالة على أن جميع الحوادث بقضاء الله وقدره.
3 -
صور الله تعالى نفور قوم نوح من دعوته إلى العبادة والتقوى والطاعة، لأجل أن يغفر الله لهم بصورة مادية محسوسة، وهي أنه كلما دعاهم إلى سبب المغفرة وهو الإيمان بالله والطاعة له، سدّوا منافذ أسماعهم، لئلا يسمعوا دعاءه وطلبه، وغطّوا بثيابهم وجوههم لئلا يروه، واستكبروا عن قبول الحق استكبارا عظيما. وهذا دليل على وجود الحجاب الكثيف والغطرسة النفسية عن سماع دعوة الحق، وتلك مبالغة تتفق مع أوضاعهم، فإنهم إذا جعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم مع ذلك، صار المانع من السماع أقوى.
4 -
سلك نوح عليه السلام في دعوة قومه إلى التوحيد وطاعة الله تعالى مراتب ثلاثة: فبدأ بالمناصحة سرا، ثم ثنى بالمجاهرة، ثم جمع بين الإعلان والإسرار، وتلك سياسة ناجحة، وأسلوب ناجع استنفد فيه كل جهوده، إذا توافر التجاوب مع الدعوة، والتفاعل مع كلام الداعية.
5 -
إن الاشتغال بطاعة الله سبب يوجب زيادة البركة والنماء، وانفتاح أبواب الخيرات، وإدرار الأمطار، وزيادة الغلال، ووفرة الثمار، وقد وعدهم الله على الطاعة بخمسة أشياء: إنزال المطر، والإمداد بالأموال، والبنين، وجعل الجنات (البساتين)، وجعل الأنهار.
عن الحسن البصري رحمه الله: أن رجلا شكا إليه الجدب، فقال: استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر، وآخر قلة النسل، وآخر قلة ريع أرضه، فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له بعض القوم: أتاك رجال يشكون إليك أنواعا من الحاجة، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فتلا له الآية:{فَقُلْتُ: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ.} .،
ويلاحظ أن الخلق مجبولون على محبة الخيرات العاجلة، لذا أطمعهم نوح بالخيرات في هذه الآية، وقال تعالى:{وَأُخْرى تُحِبُّونَها: نَصْرٌ مِنَ اللهِ، وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف 13/ 61].
6 -
آية الاستغفار هذه دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار. قال الشعبي: خرج عمر يستسقي، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت بمجاديح
(1)
السماء التي يستنزل بها المطر؛ ثم قرأ: {اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ، إِنَّهُ كانَ غَفّاراً، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً} .
7 -
رغّبهم نوح بالعباد والطاعة، فقال: ما لكم لا تخافون لله عظمة وقدرة على أحدكم بالعقوبة؟ أي فلا عذر لكم في ترك الخوف من الله، وقد جعل لكم في أنفسكم آية دالة على توحيده. ثم هددهم ووبخهم بالعذاب إن أعروضا عن دعوته، ثم استدل على وجود الله ووجوب طاعته بما يأتي.
8 -
أقام نوح عليه السالم الدليل على وجود الله وتوحيده وقدرته وعظمته بالنظر في النفس البشرية، والعالم العلوي من السموات والشموس والأقمار، والعالم السفلي من التذكير بكنوز الأرض وخيراتها من معادن ونباتات وحيوانات.
فالله سبحانه هو الذي خلق الإنسان في الأصل من التراب، ثم جعل سبب بقاء نوع الإنسان بالتزاوج والتوالد، والعناية بالإنسان في أطوار حياته.
(1)
المجاديح: جمع مجدح: وهو نجم من النجوم، وهو عند العرب من الأنواء الدالة على المطر، فجعل الاستغفار مشبها بالأنواء مخاطبة لهم بما يعرفونه، لا قولا بالأنواء. وجاء بلفظ الجمع ليشمل جميع الأنواء التي يزعمون أن من شأنها المطر.